ارشيف من :أخبار لبنانية

فريق 14 شباط أمام "ساعة الحقيقة" المرّة فمن سيسقط منه؟

 فريق 14 شباط أمام "ساعة الحقيقة" المرّة فمن سيسقط منه؟
كتب إبراهيم صالح
للمرة الأولى في حياته، كان الوزير السابق مروان حمادة صادقاً عندما قال في تصريح أدلى به مؤخراً إن ثمة مشكلة مشاركة في الحكومة لدى كل طرف من أطراف فريق 14 آذار.
هذا الكلام الذي يدحض بشكل مطلق كل أقاويل وتصريحات أعضاء هذا الفريق عن انتفاء أية مشكلة بين مكوناته حيال التوزير أولاً، ثم الحصص الوزارية ثانياً، يعكس بحد ذاته حقيقة كامنة منذ زمن، وتتمثل في أن عضواً من أعضاء هذا الفريق السياسي سيخرج أو يضطر للخروج من نسيجة مع كل منعطف سياسي أو تطور دراماتيكي، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تعد وتحصى، ولكن الأمر يبدو الآن أكثر الحاحاً وحضوراً على نحو أن كل المراقبين والمتابعين يجرون الآن عملية "مفاضلة" بين من ستُخرج عملية تأليف الحكومة من صفوف 14 شباط، أو بمعنى آخر من الجهة أو الشخصية "الشباطية" التي عليها التهيؤ ذاتياً وموضوعياً ونفسياً للبحث عن مكان آخر لها خارج "السرب" الشباطي.
ولهذا الواقع الحتمي سببان، الأول يتصل بظروف ولادة هذا الفريق والمعطيات التي أباحت تكوينه وانطلاقته، والثاني يتعلق بمرحلة ما بعد مؤتمر الدوحة والنتائج التي تمخض عنها وموضوع تأليف حكومة الوحدة الوطنية والانتخابات النيابية المقبلة التي ينظر اليها الجميع على أساس أنها ستكون مرحلة أساسية في اعادة تشكيل السلطة السياسية في البلاد. أما بالنسبة للسبب الأول، فالواضح بما لا يدع مجالاً للشك بأن كل المعطيات التي تراكمت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبالتالي انتجت هذا الإطار  السياسي الهجين، وسمحت له بالتجمع، قد زالت أو هي في طريقها إلى الزوال، والمعلوم أن أول ضربة كبرى تعرض لها هذا "المولود" السياسي الهش هو خروج "التيار الوطني الحر" من صفوفه ومعه عدد لا يستهان به من الشخصيات والقوى، ثم كانت الضربة الثانية التي نزلت بهذه المجموعة هي في شعور الكثير من مكوناته بأنه صار عبارة عن "كمالة" عدد، أو جزء من "الديكور" و"عدة الشغل"، لذا فإن مستقبله السياسي محدود وقيمته الاعتبارية تنحصر في هذا الإطار.
أما ثالثه "الاثافي" أو الضربات التي حلت بهذه الجماعة المشكلة على عجل من دون أن يكون بينها أي روابط حقيقية تجمعها وتحافظ على جمعها فهو "الهزائم" والنكبات والاخفاقات الكبيرة التي حلت بها تباعاً.
وحسب أكثر من "خبير" في شؤون هذا الفريق الداخلية  فإنه يعتقد بأن "ذروة" انتصاراته السياسية تمثلت في تحقيق المحكمة الدولية ومن بعدها كرت سبحة الانهيارات والخسائر على أكثر من صعيد والتي توجت بأحداث أيار، ومن ثم باضطرار هذا الفريق الذهاب إلى الدوحة قسراً وقبوله بعد طول مكابرة وعناد بحكومة الوحدة الوطنية التي تعطي للمعارضة "الثلث الضامن" وتحقق له بما لا يدع مجالاً للشك المطلب الذي رفعت لواءه منذ بداية تحركها، ومع نتائج مؤتمر الدوحة كان على الفريق الشباطي أن يبذل جهداً ضخماً، لكي يبقى محافظاً على تماسكه ومكوناته لكي يستوعب أولاً نتائج "هزيمته" البيّنة، ولكي يوفر معطيات تسمح له بالحد من خسائره لاحقاً، وبالتحديد في الانتخابات النيابية الآتية في الصيف المقبل.
وطوال الأسابيع الخمسة الماضية التي تلت تكليف فؤاد السنيورة لتأليف الحكومة الجديدة، خاض الفريق الشباطي صراعاً داخلياً عنيفاً حول الكثير من القضايا وفي مقدمها مسألة المشاركة في الحكومة ونوعية الحقائب الوزارية التي ستعطى لهذا الفريق أو ذاك.
ولكن اللافت أن هذا الصراع كان محجوباً بعض الشيء بفعل تسليط وسائل الإعلام الأضواء على المعارضة وتحميلها مسؤولية "عرقلة تأليف الحكومة".
أما بالنسبة للسبب الثاني فالجلي في الأمر أن الفريق الشباطي بدا مؤخراً أمام "ساعة الحقيقة"، وبدا واضحاً أن عليه أن يدفع ثمن تفرده واستئثاره بالقرار السياسي سابقاً، وثمن "الكذبة" الكبرى التي أتاحت له الظروف ممارستها طوال الأعوام الثلاثة المنصرمة، وبالتحديد منذ أن انقلب على التحالف الرباعي، و"اشترى" الوزراء الذين كانوا من حصة رئيس الجمهورية في حكومة السنيورة الأولى، وقبلهما إحراجه المقصود للعماد ميشال عون ومنعه من أخذ حصته الحقيقية الموازية لحجمه التمثيلي كرئيس لثاني أكبر كتلة نيابية في مجلس النواب، وأكبر كتلة نيابية مسيحية.
لقد ظن هذا الفريق ان بإمكانه اطالة أمد صمته واستئثاره وعمليه تزييفه للواقع والحقيقة.
ولم يعد خافياً أن المعطيات السابقة سمحت لبعض قوى الفريق الشباطي من أن "ينتفخ" حجمها ويتورم ويسمح لها بأن تأخذ راحتها في الحكومة السابقة وترضي غالبية أطرافها، ولكن الأمور تغيرت جذرياً بعد اتفاق الدوحة، الذي أجبر الفريق الشباطي على اعطاء المعارضة حصتها، ووضع الفريق الشباطي مع حقيقة مرة جديدة عليه أن ينصاع لها مهما كابر وماطل.
ولم تكن انتفاضة سمير جعجع ومن ثم "تململ" النائب وليد جنبلاط وحديثه عن حشد الراسبين في الانتخابات، وكلام النائب بطرس حرب عن حكومة الاضداد التي لن يشارك فيها، وكلام الوزير محمد الصفدي واعتراضه على سحب وزارة الأشغال منه، سوى مثال يشهد على حال الارتباك والاضطراب الحاصل في حصفوف الفريق الشباطي، ودليل أولي على أن هذا الفريق سيلفظ من جسده المتهالك المتداعي بعض مكوناته، وسيكون حتماً أمام مشهد آخر وشكل آخر. فالثابت أن عملية تأليف الحكومة التي ستبصر النور عاجلاً أم آجلاً ستعيد بعض قوى هذا الفريق إلى حجمها الطبيعي، وستخرج البعض الآخر من التمثيل في الحكومة الوشيكة، الأمر الذي سيضعف من فرص قدرتها في الانتخابات المقبلة. ولعل أبرز المرشحين لهذا الأمر هي الوزيرة نايلة معوض التي بدأت رحلة الاستنجاد بأصدقائها الخارجييين، لكي لا تكون القضية على حسابها.
ولا ريب أن ثمة صراعاً آخر بدأت بواكيره تظهر إبان مؤتمر الدوحة، وهو الصراع الذي بدأ بين النائب جنبلاط و"القوات اللبنانية"، ولا سيما أن الأول يرسل في مجالسه أكثر من رسالة فحواها أنه لن يتحمل أي نائب قواتي في لوائحه في الدورة المقبلة للانتخابات النيابية.
ولا ريب أيضاً أن الأوساط السياسية بدأت تسمع صدى صراع خفي يدور بين النائب جنبلاط والنائب سعد الدين الحريري محوره رفض ضمني من الأول لسعي الثاني توزير النائب السابق غطاس خوري، ومن ثم "تدبير" مكان له على لائحة جنبلاط في الانتخابات المقبلة في دائرة الشوف.
ولا ريب أيضاً أن ثمة معلومات باتت شبه مؤكدة عن أن الوزير ميشال فرعون، بات يستعد لأمرين، الأول ابعاده عن الحكومة المقبلة بسبب "ضيق المساحة"، والثاني أنه يفكر بخوض الانتخابات النيابية المقبلة في دائرة بيروت الأولى منفرداً أو ضمن لائحة سيشكلها هو، وفي المعلومات أيضاً أن الرئيس أمين الجميل يصر على مكان له في "قافلة" 14 شباط.
في كل الأحوال، لا بد من التوقف ملياً أمام مقال كتبه الصحافي المحسوب على الجهات العليا في السعودية داود الشريان في الصفحة الثالثة من صحيفة "الحياة" في عددها الصادر الأحد الماضي، والذي هاجم فيه صراحة سياسة النائب الحريري واهتمامه بالحقائب الوزارية أكثر من اهتمامه "بالحقيقة".
الانتقاد/ العدد 1280 ـ 11 تموز/ يوليو 2008
2008-07-10