ارشيف من :أخبار عالمية
خاص الانتقاد.نت: الإدارة الاميركية تجهد لتفتش عن نصر في موقع يحمل اسماً كبيراً
كتب محمد الحسيني
تشتعل الجبهات الداخلية على وقع الحملات الانتخابية، في وقت تستمر حماوة التحضيرات وعمليات التحشيد الشعبي في الارتفاع بشكل مطّرد، على وقع قرقعة المواقف السياسية، التي تعلو نبرتها في جهة وتدنو في جهة أخرى تبعاً لتقلبات بورصة التطورات الاقليمية والدولية، وما يستجد من خطوات على أكثر من محور، عربياً كان أم عجمياً أم غربياً، ولا تبتعد بيروت في تأثرها عن مفاعيل الجوجلة، وهي التي باتت في قلب المعادلة، إن لم نقل نقطة البداية في حصاد الحراك السياسي مروراً بدمشق وطهران، وصولاً إلى واشنطن، فيما تبقى فلسطين محور القضايا ولب الحلول والتسويات والميزان الرئيسي لقياس تقلبات حرارة أو برودة الوضع في المنطقة ككل.
استحقاقات انتخابية
ولا بد في هذا السياق من رصد مجموعة من المستجدات المرتقبة على مستوى الاستحقاقات التي من شأنها أن تسهم في صوغ صورة الوضع في المستقبل القريب، بدءاً من تشكيل الحكومة الإسرائيلية التي يبدو أنها ستنحو باتجاه تعزيز التوجه الحربي، إلى التفاهمات الفلسطينية الداخلية التي لن تكون سهلة في ظل تعقيدات وتداخلات من أكثر من طرف فضلاً عن ضغوط عربية لا تزال تلعب دوراً تخريبياً بهدف منع حركات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس من استثمار نصرها في العدوان على غزة، وتكريس شرعيتها مقابل سلطة محمود عباس المتهالكة. ومن ثم تأتي الانتخابات النيابية في لبنان التي ستفضي بدون أدنى شك إلى إرساء تركيبة جديدة على مستوى الحكم والمؤسسات والاتجاهات السياسية في ظل الوقائع التي ترجح كفة المعارضة لتحقيق فوز كبير على قوى الموالاة بما يعني وضع حد لنهج التبعية وسياسة الإملاءات لقوى الخارج، وتكريس للقرار الوطني المبني على مبدأ الوفاق والمشاركة.
وفي موازاة ذلك، لا يمكن إغفال الترقب الحثيث لنتائج الانتخابات الرئاسية في إيران، وما يأمل به الغربيون ومن يجري في فلكهم من تغيير في منظومة الحكم داخل الجمهورية الإسلامية ظناً منهم بأن هذا التغيير سيساعد على توفير مناخات مناسبة تريدها واشنطن لتخفيف الضغط عن كاهلها المتعب بمحاولة معالجة أزمتها الداخلية.
مصالحات عربية بأهداف خفية
وعلى خط موازٍ، تأتي حركة المصالحات العربية – العربية التي بدأت في قمة الكويت الاقتصادية الشهر الماضي لتستتبع بلقاء الرياض الذي جمع بين الرئيسين السوري بشار الأسد وحسني مبارك في ضيافة الملك عبد الله وحضور راعي المصالحة الأولى أمير الكويت، في وقت لم تكن كل من إيران وقطر غائبة عن هذه الأجواء حتى ولو لم يجمعهما هذا اللقاء. ولئن كان المطلوب حصول، بل دعم وتأييد، هذه اللقاءات العربية أو الإسلامية والمصالحات ثنائية كانت أم ثلاثية أم أكثر، لأنها سترتد إيجاباً على الجو العربي والإسلامي العام، لكن لا بد أن تتسع في دائرتها من أجل تحصين منطقة الشرق الأوسط، عبر ضم الدول التي تساند القضايا العربية والإسلامية وفي مقدمة هذه الدول إيران وتركيا. وهذا من شأنه قطع الطريق أمام تحقيق الأهداف الخفية التي ترمي إلى عزل طهران، بعد الفشل الأميركي في تحقيق ذلك على المستوى الدولي، وهذه المرة في ظل عباءة عربية تحت عنوان الحد من التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية ولا سيما اللبنانية منها، وهذا ما دأب على التحدث فيه مؤخراً عدد من المسؤولين العرب وفي مقدمتهم وزيرا الخارجية السعودي سعود الفيصل والمصري أحمد ابو الغيط والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، فضلاً عن استخدام سوء التفاهم بين طهران والمنامة كمطية اندفع فيها المغرب لقطع علاقاته الدبلوماسية مع طهران في توقيت غير موفق وبدون نتيجة، سوى أن هذه الخطوة جاءت تلبية لتوجيه خارجي لم يؤت أكله، وأتت ضربة في الفراغ وبدون تأثير، كما سيكون الحال عليه أيضاً على مستوى مساعي فك الارتباط بين دمشق وطهران نظراً لمتانة العلاقات التي تربط بين البلدين، على مستوى الاستراتيجيا والنظر إلى قضايا المنطقة.
فلسطين محور الارتكاز
ومن هذه الزاوية يبرز الوضع الفلسطيني كمحور ارتكاز لواقع المنطقة الأمني والسياسي في المرحلة المقبلة، وتناول هذا الملف من حيث الأهمية يأخذنا إلى مراقبة معطيين أساسيين سيتركان تأثيرهما على المجريات القادمة. الأول: التركيبة الحربية التي سترسو عليها الحكومة الإسرائيلية العتيدة برئاسة بنيامين نتنياهو وحليفه أفيغدور ليبرمان، والثاني: التوليفة الحكومية التي ستفضي إليها المفاوضات الجارية بين حركة حماس وحركة فتح برئاسة محمود عباس. وهذان المعطيان، مهما كانت تفاصيلهما، سيحتويان على عناصر تحويل المنطقة إلى واحة هدوء مؤقت، بانتظار الانتهاء من الاستقرار الأميركي الأمني والمالي، أو إلى ساحة مشتعلة من جديد بالنظر إلى نتائج الحروب التي خاضتها "إسرائيل" ضد لبنان ومنيت فيها بالهزيمة النكراء على يد المقاومة الإسلامية منذ العام 1993 وحتى العام 2006، فضلاً عن انهيار منظومة الأهداف الأميركية في الشرق الأوسط.
حوار حزب الله والغرب بشروط مرفوضة
وعلى خط مقابل لهذا المنحى يأتي "الانفتاح" البريطاني المستجد على حزب الله، وبقرار رسمي معلن، ليكشف عن توجه كان مضمراً لدى الحكومات الغربية، ولكنه كان ينتظر اللحظة المناسبة لإعلانه، ويبدو أن منحى التهدئة العام في المنطقة الذي انسحب على الوضع في لبنان بشكل وبآخر، سمح باندفاع لندن إلى الدعوة لفتح حوار مع حزب الله وتالياً مع حركة حماس، دون أن يتضح شكل وبُعد هذا الحوار وأهدافه وظروفه. وإذ رأى المراقبون في هذا المستجد رسالة أميركية بلسان بريطاني، اتجهت واشنطن إلى توضيحٍ كان أقرب إلى تهدئة الخواطر الإسرائيلية بإعلان شروطها للبدء بالحوار مع حزب الله وابرزها الاعتراف بـ"إسرائيل" و"نبذ العنف"، وهو ما رد عليه الأمين العام للحزب سماحة السيد حسن نصر الله بالتأكيد أن هذه الشروط غير قابلة للنقاش باعتبار أن المعايير التي ابتنت عليها لا تلبي أدنى المتطلبات الإنسانية والسياسية والتاريخية في النظر إلى كيان كـ"إسرائيل" قام على الإرهاب وما زال يمارسه بحق شعوب المنطقة، ومن هنا فإن الاعتراف بهذا الكيان ليس وارداً في قاموس المقاومة في لبنان كما في أدنى وجدانياتها وأدبياتها السياسية، بل إن الكلام يفرض واقعاً عكسياً يبنى على وعي القدرة على المواجهة والإمكانية لتحقيق ما عجزت عنه جيوش العرب، وهو القضاء على "إسرائيل"، فضلاً عن أن الكلام الأميركي لم يأتِ لتكريس تفوّق أو موقع يخوّل واشنطن فرض الشروط، وهي الغارقة في لجاجات أزمتها الداخلية وتتحرك اليوم للخروج من مستنقع العراق، وتجهد لإعادة ترتيب أوراقها في المنطقة.
أمل أميركي بنصرٍ في آخر المواقع
وفي ظل كل هذه التوزعات السياسية، يطرح السؤال عن أسباب التحرك الأميركي في ساحة كانت وما زالت ملتبسة الأهداف والمصالح على المستوى الاستراتيجي في السياسة الأميركية، وهو تحرك لا ينفك في اتصاله عما وصلت إليه حال السياسة الأميركية الخارجية، وبناءً على ذلك ماذا يريد الأميركيون من ضخ قواتهم وتكثيف عملياتهم العسكرية في أفغانستان؟ الجواب ليس معقّداً ولو أنه يحتاج إلى بحث في تناول عناصره، ولكنه يختصر أحد أهم أوجه الأزمة السياسية التي تواجهها واشنطن في خضم مسلسل هزائمها وسقوط مشاريعها في الشرق الأوسط.
وخلاصة الأمر أن الإدارة الأميركية المنكسرة في العراق والخائبة مع إيران والمرتدة إلى فتح أبواب العلاقة مع سوريا، والمهتزة في باكستان، والمترددة في مواجهة المارد الصيني، والمنكفئة أمام الإصرار الروسي، والحائرة أمام التفلت الأوروبي من فلكها المتذبذب، وفوق كل هذا التي تنوء تحت حمل أزمتها المالية التي من المرجح أن تستمر إلى سنوات عديدة.. هذه الإدارة تجهد لتفتش عن نصر في موقع يحمل اسماً كبيراً، وقد لا يحمّلها المزيد من الخسائر البشرية والاقتصادية ولا يعمّق مشكلتها المعنوية، فلم تجد إلا أفغانستان ساحة لـ"تفش خلقها" وتنفس فشلها بتحقيق نصر يتيم يعلن نهاية إتمام المهمات الخارجية الكبرى، ويعطي الإدارة الأميركية المبررات والأسباب لإعادة الجنود إلى بيوتهم، مع أن ليس في الأفق ما يشير إلى حتمية أو إمكانية تحقيق هذا النصر المنقذ لهيبة أميركا.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018