ارشيف من :أخبار عالمية
تنظيم القاعدة: البحث عن دور مفقود في العراق
بغداد - عادل الجبوري
جاءت رسالة زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن الموجهة الى الجماعات المسلحة في العراق متزامنة من حيث التوقيت مع تصعيد نسبي في العمليات الارهابية في العاصمة بغداد ومناطق اخرى، ومع حراك سياسي كبير افرزته الدعوات الاخيرة الى البعثيين السابقين للعودة الى البلاد والاستفادة من مبادرة المصالحة الوطنية التي كان قد اطلقها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قبل ما يقارب الثلاثة اعوام.
وهي تبدو لاول وهلة انها اما استثمار لمؤشرات على تراجع في الاوضاع الامنية، راح يتحدث عنه البعض مؤخرا ويعزوه الى اسباب وعوامل مختلفة، من بينها قرب موعد الشروع بانسحاب القوات الاميركية من مراكز المدن، وضعف الاداء الاستخباراتي لاجهزة الجيش والشرطة العراقية في مقابل اعدادها الكبيرة جدا، واما خطوة لدفع من يريد استثمار مبادرة المصالحة الوطنية من معارضي النظام السياسي الحالي الى ثنيهم عن ذلك، وابقائهم في خانة الرفض السياسي والاعلامي في اسوأ التقادير.
وقد ظهرت بين ثنايا رسالة بن لادن اشارات من هذا القبيل، حيث انه تحدث عن ضرورة توحد ما اسماها بالجماعات المجاهدة، وضرورة "التزامها الحذر من الاعداء الذين يخترقون صفوفها لاثارة الفتن فيما بينها"، واعترف ضمنا بوجود قدر غير قليل من التقاطعات والخلافات والاختلافات بين الجماعات المسلحة في العراق، سواء المرتبطة بتنظيم القاعدة او غير المرتبطة بها.
ولعله يبدو جليا وواضحا الى حد كبير ان لهجة بن لادن هذه المرة اختلفت عما كانت عليه في السابق، وهو ما يعكس حقيقة التراجع والانحسار الكبير لتنظيم القاعدة في العراق، الذي ترجمه التحول الملموس في الاوضاع الامنية خلال العامين الماضيين، نتيجة تضافر عوامل عديدة، من بينها التبدلات في المواقف السياسية لعدد من القوى والتيارات السنية، الى جانب اتجاه بعض الجماعات المسلحة الى القاء السلاح، بل واكثر من ذلك توجيه سلاحها الى تنظيم القاعدة، بعدما اكتشفت ان لذلك التنظيم اجندات ومشاريع وخطط لا تعبر عن توجهات ومصالح واهداف المكون السني في المجتمع العراقي، الذي يدعي قادة وزعماء تنظيم القاعدة الدفاع عنه امام ما يطلقون عليه "الخطر الشيعي"، وكذلك الضربات القاصمة التي تعرضت لها قيادات التنظيم مثل ابو مصعب الزرقاوي وغيره، ومراكزه وقواعده المهمة، اضافة الى انقطاع قسم كبير من مصادر التمويل المالي والتسليحي واللوجيستي للتنظيم من جهات عربية وغير عربية.
ومعروف ان هناك تنسيقا وتعاونا كبيرين بين تنظيم القاعدة وحزب البعث المنحل وتشير تقارير مختلفة الى ان التعاون بين الجانبين يتمثل في ان حزب البعث يوظف خبراته الاستخباراتية والامنية، ومعرفته بكثير من المسائل المتعلقة بالوضع العراقي لعناصر تنظيم القاعدة الذين هم في غالبيتهم يحملون جنسيات عربية مختلفة، لتنفيذ عمليات مسلحة بالسيارات المفخخة والاحزمة والعبوات الناسفة، والتفجيرات الانتحارية.
وتذهب القراءات التحليلية بهذا الشأن الى انه بعد التحولات الكبيرة التي حصلت في موازين القوى على الساحة العراقية، وفي المواقف السياسية لقوى وتيارات سياسية عراقية، ولاطراف خارجية حيال العملية السياسية في العراق، وتجاه الحكومة العراقية، تعمق مأزق تنظيم القاعدة، ولم يعد هذا الاخير يملك اوراقا رابحة يمكنه المراهنة عليها، الا ورقة عناصر وتنظيمات حزب البعث المنحل، وهذه الورقة في حال سقطت من يده فأنه سيغدو مكشوفا بالكامل، وذلك ما تؤشر اليه من بعيد رسالة بن لادن الاخيرة.
وثمة نقطة اخرى مهمة، وهي انه قد لا يكون من مصلحة تنظيم القاعدة انسحاب القوات الاميركية من العراق، لان ذلك يعني انتفاء المبررات والذرائع التي ترفعها باستمرار، وتعبئ وتحشد من خلالها اطرافا من داخل العراق وخارجه.
اذ ان الانسحاب الاميركي، يفترض ان يساهم في احداث المزيد من التحسن الامني، وهذا ما تؤكده الكثير من المعطيات، وهذه بلا شك قضية جوهرية وحساسة لا يمكن بأي حال من الاحوال القفز عليها وتجاوزها.
وتنظيم القاعدة مثلما لا يتوافق مع حساباته واجنداته ومصالحه أي نوع من المصالحة مع حزب البعث، لاسيما الاجنحة التي تبنت خيار الارهاب وتحالفت مع التنظيم، فأنه يجد ان انسحاب القوات الاميركية من شأنه ان يسحب البساط من تحت اقدامه بالكامل.
ورسالة بن لادن الاخيرة ودعواته الى تصعيد الاعمال "الجهادية" المسلحة، وتأكيده على ان طريق تحرير القدس يمر عبر بغداد، وان من يريد ان يدعم ابناء غزة يجب ان يساند المجاهدين في العراق اولا، انما هي في الحقيقة محاولة لخلط الاوراق من جديد، ودفع الاميركان الى اعادة النظر في خيارات انسحابهم من العراق، وكذلك دفع البعثيين الذين يفكرون جديا في فتح قنوات للحوار والتفاهم والتفاوض مع الحكوم العراقية الى التريث قليلا.
ويبدو ان تلك الرسالة هي ترجمة للرسائل التي انطوت عليها الاعمال الارهابية التي حدثت في الاونة الاخيرة في ابو غريب وبعض مناطق بغداد ومحافظات اخرى، وهي لا تتعدى عن كونها دعوة واضحة وصريحة بما فيه الكفاية لإعادة الامور الى ما كانت عليه قبل ثلاثة اعوام.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018