ارشيف من :آراء وتحليلات
بدايات

كتب ابراهيم الموسوي
تراجع منسوب التفاؤل لدى كثيرين بإمكانية حدوث تشكيل سريع لحكومة الوحدة الوطنية، لكن الإشارة الإيجابية أنه حتى في أوساط هؤلاء فإن التأكيد بأن هذه الحكومة آتية لا محالة ما زال على حاله.
الأمر الثابت أن ليس هذا ما يطمح اليه اللبنانيون حقيقة، فهم يريدون أن تترجم الأجواء الإيجابية العامة، وتراجع مستوى التوتر، بإجراءات من النوع الذي يسهّل ولادة الحكومة. يدرك الجميع اليوم أن الوضع الراهن ليس هو الوضع الأمثل لانطلاقة حكومية موفقة وواثقة، نعم في جردة الحساب الأولية هناك العديد من المعطيات الإيجابية وأجواء الانفراج، لكن ما إن تغوض قليلاً تحت السطح حتى تكتشف مآزق وعورات الأزمة على مداها. صحيح، أن الانقسام السياسي ما زال على أشده، كما أن التسوية التي تم التوصل اليها في الدوحة، ليست من النوع الذي يمكن أن يرسي أوضاعاً مستديمة الأمد. ولكن الصحيح أيضاً أن لا بديل آخر يمكن أن يشكل مخرجاً مقبولاً للأزمة، إلا إذا كان ما يجري في طرابلس يمكن أن يسهم في إيجاد بيئة ملائمة لإرساء تسويات وحلول من نوع آخر.
والصحيح أيضاً وأيضاً أن منطق الهروب إلى الأمام سوف يشكل بعد قليل تأزمات من النوع الذي لا تنفع معه وصفة الدوحة أبداً.
غريب جداً المنطق الذي يقول بأن تشكيل الحكومة يقف عند عقدة توزير اسم من هنا واسم من هناك، والأكثر غرابة هو الإصرار على منطق الفيتو، وكأن الفيتو على بعض الأسماء هو ميزة خاصة محصورة بطرف دون طرف آخر. إن لدى المعارضة منطقاً بالغ الوجاهة في وضع فيتو على أسماء وقوى تطرح للتوزير، في حين أنها يجب أن تحال إلى المحاكمة.
الموضوع اليوم ليس موضوع عقدة توزير اسم او آخر، العقدة هي في تقلص حجم الحصص إلى الحد الذي لم يعد كافياً لإرضاء الجميع، لدى فريق لم يستطع أن يتماسك إلا من خلال تمسكه بمنطق الاستئثار بالحكم وإلغاء الآخر منهجاً وطريقة.
الموضوع اليوم هو أن صفة المحاصصات والترضيات التي بنيت عليها ثقافة كاملة في العمل السياسي واللبناني لم تعد مجدية، ولا هي قادرة على أن تجد طريقها إلى أن تكون واقعاً.
الموضوع اليوم هو أن منطق إشراك الجميع قد بدأ يجد طريقه إلى التنفيذ ولو بصورة عرجاء، وأن تمثيل أصحاب الحق قد استعاد شيئاً من مصداقيته نتيجة ما وصلنا اليه بعد سنين.
هو مخاض مؤلم، شاقّ وصعب، محفوف بالمخاطر والمكاره والآلام، ومتى كان المخاض غير ذلك، ولكنه بداية، وهكذا تكون البدايات أبداً، ولكن الأهم الآن هو في اتاحة المجال لهذه البدايات أن تتبلور لتكون بدايات واعدة لنتائج مأمولة. الصيرورات هامة في هذا الإطار، بمعنى أن السياقات التي تتأطر فيها الأشياء لتجد طريقها إلى التنفيذ مهمة جداً هي الأخرى، من المهم أن تكون سكة الحل سليمة وصحيحة بقدر ما هو القطار، وإلا وقع الخلل.
لا ينبغي التقليل من قيمة ما نحن فيه، فهو على هشاشته سوف يشكل أساساً ما ولو مرحلياً للانطلاق. إن تمتين الوضع الراهن بالطريقة الصحيحة، ومغادرة سياسة رمي الكرة في ملعب الآخرين، وتحمل المسؤولية عن الماضي، أساسية أيضاً. بهذا المعنى، فإن على قوى الموالاة أن تقبل بالثمن المترتب على تسوية الدوحة، بأن تعرف أنها كانت قد أخذت ما ليس لها، وعليها أن تعطيه، هل يعتبر هذا ضخماً، إذا أدى إلى إنقاذ الوطن، لا أظن.
ليس هناك سبيل آخر إلا الإسراع في تنفيذ ما اتفق عليه، وليس تصدير الأزمات إلى الخارج، ووضع العقبات والعقد أمام الحل من الأشياء التي يمكن أن تحسن شروط الموالاة في لعبةٍ رست موازينها وأقرت أسسها. تقطيع الوقت ليس ذا فائدة ترجى، والرهان على تغيرات ليس بالأمر المتاح داخلياً وخارجياً، التواضع أمر حسن جداً، إذاً فليباشر المعرقلون بحلحلة العقد، لكي توضع العربة خلف الحصان وليس أمامه، هل يكون ذلك متاحاً؟ يبدو أن الأمر سيكون كذلك، وخاصة أن بعض أركان الموالاة قد ضاقوا ذرعاً، هم أيضاً بمهزلة التأليف، قليل من الصبر ليس شيئاً أبداً في مثل هذه الحالة، تذرعوا بالصبر!
الانتقاد/ العدد1280 ـ 11 تموز/ يوليو 2008