ارشيف من :آراء وتحليلات

باختصار: ماء وجه مفقود

باختصار: ماء وجه مفقود

كتب محمد يونس
درجت العادة أنه عندما يحشر أحدهم حشرة يضطر معها إلى إحداث تغيير جذري في توجهاته يبين انكساره أمام خصومه، فإنه يعمد إلى القيام بأمور تخفيفية متدرجة، اصطلح على تسميتها حفظ ماء الوجه، وهذا حتى لا يشعر المنهزم بأن كرامته قد نيل منها.
لكن الحال التي وصل إليها بعض العربان تطرح تساؤلات وتطلق حملات تفتيش عن ماء وجوههم، وأين مكانها ليحافَظ عليها من الإراقة. فالناظر إلى حال هؤلاء يكاد يجزم بأنه لا ماء لوجوههم، وبالتالي ليس من داعٍ للقيام بأي أمر يهدف للحفاظ عليها، ما دامت غير موجودة أصلا.
مرد هذا القول إلى التغيير المفاجئ في مواقف دول ما يسمى الاعتدال العربي من ايران، إذ انتقل الموقف من العداء المحكم، بعد أن استبدل العداء لـ"إسرائيل" بالعداء للجمهورية الإسلامية، وما تبعه من مؤامرات وإثارة نعرات طائفية ومذهبية، انتقل الموقف إلى موقع الصداقة مع طهران "الشقيقة".
هكذا بين ليلة وضحاها تحولت إيران من العدو رقم واحد للأمة العربية إلى "شقيقة".. كيف؟! اسألوا جهابذة الأنظمة الاعتدالية التي يبدو أنها لم تعد تدرك ماذا عليها أن تفعل؟ وقد يكون السبب في ذلك أن السيد الأكبر القابع في واشنطن قرر التخلي عن الأدوات التي لم تعد تصلح للمرحلة القادمة، وباشر بنفسه الإعداد للاتصال بطهران وتهيئة قاعدة للحوار معها.
وعليه، يبدو أن هؤلاء العربان استشعروا بوادر التغير القادم، فبادروا مستبقين أي حوار محتمل الى تغيير اللهجة وقلب التصريحات، علهم "لا يخرجون من المولد من دون حمص"، كما يقول المثل الشعبي. لكن المشكلة ليست هنا، بل المشكلة هي ماذا لو أن الحوار بين أميركا وإيران لم ينجح، وقررت الولايات المتحدة العودة إلى سابق مسارها في العلاقة مع الجمهورية الإسلامية؟ ماذا سيفعل عرباننا؟ وكيف سيحولون دون إراقة ماء وجوههم؟ أم أن هذه الوجوه لا ماء لها فعلا، وبالتالي فليس ما يدعو للبناء على الشيء مقتضاه!!
الانتقاد/ العدد 1338 ـ 20 آذار/ مارس 2009

2009-03-20