ارشيف من :آراء وتحليلات

الانتخابات هي الحدث.. والعين على ما بعدها طرح الموالاة.. ومنطق السياسة

الانتخابات هي الحدث.. والعين على ما بعدها طرح الموالاة.. ومنطق السياسة
كتب مصطفى الحاج علي
من ينظر في المواقف المعلنة للموالاة والمعارضة يستطع تقسيمها إلى قسمين: الأول يخص ويعنى بالتنافس الانتخابي، وبالتالي فهو يحصر اهتمامه بمرحلة ما قبل الانتخابات، وتوفير العدة اللازمة للنجاح فيها. وأمّا الثاني، فيخص مرحلة ما بعد الانتخابات وفرز النتائج، وهذه المرحلة في الحقيقة لا تقل أهمية وحساسية عن مرحلة الانتخابات نفسها، لأنها هي التي ستعكس في النهاية ليس ما يجري في لبنان فحسب، وإنما ما سيجري في المنطقة أيضاً.
وفي هذا الإطار، ثمة وجهتا نظر أساسيتان داخلياً:
الأولى، وتمثل رأي المعارضة عموماً، وتنادي بضرورة سيادة مبدأ المشاركة والتوافق حتى لو خرجت هي منتصرة من الانتخابات، ووصل بها الأمر إلى حدود إعلان الاستعداد لمنح الموالاة ـ ومن موقعها كأقلية نيابية جديدة ـ الثلث الضامن أو المعطل لا فرق، وهي بذلك تريد تأكيد قناعتها الخاصة بأن لبنان تركيبة اجتماعية وسياسية وطوائفية، ولبنان ميثاقاً وعيشاً مشتركاً، لا يمكن أن يدار أو يحكم إلا وفق مبادئ الديموقراطية التوافقية، لا وفق مبادئ الديموقراطية العددية أو النزوع نحو التفرد أو الاستئثار، وهذه القاعدة تصبح أشد صلاحية، إذا ما كانت النتائج التي ستخرج بها الانتخابات متقاربة إلى درجة كبيرة، ما يعني استحالة تغييب قسم رئيسي من اللبنانيين عن المشاركة في الحكم، ثم، أن المشاركة هي القانون الأساسي للاستقرار في لبنان، لا سيما مع شرطها وشروطها، التي تمنح القوى الرئيسية الامكانيات الضرورية لضبط التوازن، ومنع أي طرف من الجنوح على حساب مصالح الآخرين.
نعم، تعتبر المعارضة خيار الحكم منفردة خياراً أخيراً ومراً، وهو إذا ما أصرّت الأقلية على عدم المشاركة، والاكتفاء بلعب دور المعارضة من الخارج.
أما وجهة النظر الثانية، التي تمثل رأي فريق الأكثرية الحالية، وتنادي بحكم الأكثرية مهما كانت، وإذا ما قبلت المشاركة فعلى قاعدة عدم منح المعارضة الثلث الضامن، هذا الرأي في المبدأ يبدو منسجماً مع نزوع هذا الفريق نحو الاستئثار والتفرد، وهو يحاول أن يقفز عن الوقائع الصلبة المتصلة بطبيعة التركيبة السياسية والاجتماعية والطائفية للبنان، والقفز أيضاً فوق الوقائع الصلبة المتمثلة بالتوازنات العامة في لبنان، وهي بالتالي، مشروع عدم استقرار سياسي واجتماعي شامل، ويحاول أن يأخذ لبنان إلى مواقع تعمق الانقسام السياسي الحاد في داخله لا سيما حول الخيارات الوطنية الكبرى، وفي مطلق الأحوال، هل هذا الخيار ممكن، أي هل يستطيع فريق الأكثرية فيما لو بقي أكثرية أن يتحكم وحده بالمعنى السياسي للكلمة، فإذا كان الجواب سلبياً، في أي سياق يمكن وضع هذا الخيار الآن.
يمكن القول باطمئنان، ان هذا  الموقف الأكثري مع ملاحظة تميز النائب جنبلاط، هو نقيض كل المسار السياسي للأمور، فهو يتناقض مع:
أولاً: التركيبة اللبنانية كما سبق وأسلفنا.
ثانياً: حقيقة التوازنات السياسية والاجتماعية والطائفية الفعلية، بأن الفوز انتخابياً بأكثرية نسبية لا يمكن الاستناد اليه للقول ان معادلة وتوازنات القوة في لبنان قد انقلبت، حيث ان أي نتائج للانتخابات هي انعكاس للقانون المعتمد، الذي بدوره هو مرآة مشوهة للواقع ولو بنسب معينة، ثم ان التغيير في معادلة الأكثرية والأقلية هو تغيير لا يمس بالضرورة المعادلات الموجودة على الأرض، ويكفي النظر إلى واقع الحال الآن، فالأكثرية لم تستطع الحكم وحدها، وهي اضطرت انصياعاً لمعادلات أخرى لقبول المشاركة، وما كان يصح قبلاً يصح في ما بعد، إلا إذا تصورنا رهانات جديدة، على حروب تقلب المعادلات على الأرض، وهذا ما يبدو بدوره رهاناً حالماً، أكثر منه رهاناً واقعياً.
ثالثاً: إذا كانت النتيجة الأساسية للمصالحات الاقليمية، ولعملية الانفتاح الاميركي والأوروبي على المنطقة وتحديداً على المحور المناوئ لسياستهما، هي التهدئة، وهذه بدورها، لا تبدو مرهونة بزمن الانتخابات فقط، بل، على العكس، فإن سحبها إلى ما بعد الانتخابات قد يكون مطلوباً أكثر، بفعل تبدل الأولويات والاهتمامات، فهل بالامكان تأمين استمرار التهدئة خارج مبدأ المشاركة وعلى قاعدة اعطاء الثلث الضامن للطرف الأقلوي نيابياً.
استناداً إلى ما تقدم، تبدو مواقف الموالاة خارج منطق السياسة ووقائعها، وهنا وحده يبدو النائب جنبلاط مدركاً لهذه الحقائق، ولذا هو يقوم بعملية اعادة تموضع تميزه عن فريقه السياسي قد يكون لها حيثيتها الخاصة بعد الانتخابات.
الحذر من هذا الفريق يبقى مطلوباً، فإذا كان ما يعلنه مجرد تكتيك انتخابي، وخيار ظرفي، فهو يكون مفهوماً، وأما إذا كان خياراً استراتيجياً، فعندها إما أن يكون يلعب خارج المنطق، وهذا مستبعد، وإما أن يكون رهانه على مغامرات جديدة.
الانتقاد/ العدد 1338 ـ 20 آذار/ مارس 2009
2009-03-20