ارشيف من :آراء وتحليلات
هل من جديد "متمايز" في وثيقة الفريق الشباطي؟

كتب ابراهيم صالح
لم يكن وجود السفيرة الاميركية ميشال سيسون في حفل (يزعم منظموه انهم "رواد" حرية و"ابطال" استقلال و"قادة سيادة، يراد منه اطلاق وثيقة عنوانها العريض "العبور الى الدولة") هو العلامة الفارقة الوحيدة التي استرعت انتباه المتابعين وفجرت تساؤلاتهم.
كان هناك ثمة علامات اخرى، ومحطات عدة برزت في هذا الجمع الذي يبذل اقصى جهوده ويمارس أبعد "دهائه" ليبقى محافظاً على وحدة واهية مزعومة عشية الانتخابات النيابية التي يصر هذا الفريق دوما على اعتبارها "مفصلية" و"تاريخية"، لدرجة ان الكثير من المراقبين، لم يفته ان يؤكد ان هذا الطيف السياسي المنوّع لن يمكن له الاجتماع ثانية على سطح واحد كما هو حاصل، لذا لا بد من ان يطلق على لقاء "البيال" الاخير لقاء الوداع لقوى نخرت "جسدها" المتهالك اصلاً الخلافات والتباينات والصراعات على الاحجام والحصص، ولا يجمعها جامع الا جامع الاستئثار بالسلطة والقبض على زمام الحكم، حتى لو كان ذلك على حساب وحدة البلاد وتطورها وأمنها وازدهارها والمقاومة التي تؤمن لها الحماية والعزة.
وفي الشكل ايضاً كان أمامنا عصر السبت الماضي لفيف من القوى والشخصيات تحاول في الاساس نفي مقولة تروج وتتسع عن دنو انفراط عقدها بعدما اخفقت في حكم البلاد، واوردتها المهالك طوال أربعة اعوام انقضت، وكان امامنا استطرادا، مجموعة تعلم علم اليقين انها مضطرة الى الانزياح عن الواجهة، بعدما اثبتت التطورات التي لم يمر عليها الزمن عجزها عن تغيير الهوية التاريخية للوطن، وتضييع انجازات حقيقية، تجسدت في بطولات المقاومين وتضحياتهم على مدى عقود، والتعامل معها على اساس انها كانت نسياً منسياً او شيئاً من تاريخ انقضى، ومساواتها ببطولات "وهمية" وكرتونية، تمت تحت وطأة حدث امني مدوٍّ تمثل باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
اذاً حاول "رواد" حفل البيال في الشكل ايضاً المحافظة على صورة "وحدة" يدركون ان ايامها معدودة، وسعوا للتغني بـ"إنجازات" مزعومة يحاولون عبر التذكير بها، طمس صورتهم وهم يذهبون مخفورين الى مؤتمر الدوحة، ليوقعوا هناك على ما مانعوا طويلا في الاقرار به، واعتبروه خطا احمر، يحرم الدنو منه لا سيما لجهة حكومة الوحدة الوطنية التي كانت مطلب المعارضة الاساس.. وكانت حقها الطبيعي ضمن كل موازين القوى الواقعية.
نحن امام جماعة سياسية، تشهر حفل اجتماعها "الاخير" بعد رحلة "مأساوية" و"كارثية"، لم تنته بإخفاق مشروعها الرامي ضمناً الى اعطاء هوية جديدة للبلاد تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً فحسب، بل كرّست فساد الادارة، بأوضح اشكاله، وسعت الى تكريس دولة "المجموعة" بأجلى صورها ولو اقتضى ذلك الدوس على نسيج الوحدة الوطنية.
وكل ذلك ارادت قوى 14 شباط ان يكون تحت "غطاء" وثيقة سياسية شاء بعض رموز هذا الفريق، أن يدعي انها متمايزة ومختلفة في الجوهر عن الوثيقة التي سبقتها، واراد ان يدعي انها خطت باتجاه مسلّمات الآخر في الوطن خطوات "جريئة".
طبعاً يحلو للبعض النظر الى الامر كله من منظار ان هذه الجماعة صاحبة هذه الوثيقة، انما "تستلهم" "تطور رؤيتها" المزعوم من حدثين اساسيين: الاول التطورات التي عصفت بالاوضاع في المنطقة عموماً، لا سيما تغير سلوك واداء رعاة هذا الفريق الاقليميين والدوليين، وانفتاحهم، والثاني خيبة هؤلاء واخفاقاتهم المدوية في الداخل، وهم الذين رفعوا في وثيقتهم عام 2008 رؤى ومنطلقات توحي حسب قول أحد الكتاب بأن اعادة تركيب البلاد باتت مستحيلة ما لم يحقق هذا الفريق "هيمنة كاملة على البلاد بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى".
في وثيقة ذاك العام المنصرم تحدث هذا الفريق عمّا اسماه صراعاً بين "ثقافتين": ثقافته هو القائمة كما ادعى على السلام والعيش معاً والوصل مع الآخر المختلف، وثقافة الآخر (فريق المعارضة) الناهضة كما زعم "على ثقافة العنف والفصل".
ولا بدّ من الاقرار بأن الوثيقة الاخيرة لهذا الفريق المكلوم بـ"آماله"، والخائب في ادائه، انما تحمل في طياتها انخفاضاً بيّناً في اللهجة المتوترة، التي اعتاد هذا الفريق دوما استخدامها عندما كان يتساجل مع خصمه السياسي، وورد في متنها بعض الافكار والرؤى التي يحلو للبعض اعتبارها "انقلاباً" و"تطوراً" ينبغي للاخر ان يحتفي به ويلاقيه، خصوصاً عندما يكون الحديث (في المادة الثالثة من الوثيقة) عن ضرورة انهاء الخلاف مع سوريا (عوض الحديث عن اسقاط نظامها ومحاسبته) وعندما يكون الكلام ايضا عن ضرورة ايجاد مصالحة بين خياري "المقاومة" و"الاستقلال" ومنع حصول التصادم بينهما.
وبرغم "الاقرار" بأن ذلك يعد في الشكل تخليا من هذا الفريق عن كثير من رؤاه او مقولاته السابقة، ويدرجه البعض في خانة اقرار هذا الفريق صراحة بأنه اخفق في مشروع الهيمنة الكاملة والاستحواذ على زمام الامور في البلاد، فإن ثمة في صفوف المعارضة من لا يزال ينظر الى جوهر الوثيقة ومضامينها المبثوثة في سطور وطوايا بنودها الـ14 نظرة الريبة والشك بأن هذا الفريق يريد ان يقارب مسلّمات الآخر وثوابته، وذلك انطلاقاً من الآتي:
ـ ان هذا الفريق يزعم أن مشروعه فقط هو "مشروع انقاذ لبنان واللبنانيين وجميع اللبنانيين"، وهذا يعني انه يدعي ان وثيقته المتضمنة رؤيته للأوضاع تملك حصرية "الانقاذ".
ـ ان هذا الفريق ما برح يردد في وثيقته هذه الموقف المناهض عينه من مشروع المقاومة الذي يدرك تمام الادراك انه بالنسبة للآخر مشروع يرقى الى مراتب الاجلال ويقارب حد التقديس، وذلك من خلال الدعوة الى تحييد الساحة اللبنانية.
ـ ان هذا الفريق برغم انه يدعو الى تبني هذا الحياد، فإنما يقدم اوراق اعتماده الى محور عربي آخر، ويدعو الى الالتحاق به، وذلك من خلال اعلان التزامه بما يسمى مبادرة السلام العربية.
ـ ان الفريق الشباطي يقارب في هذه الوثيقة الكثير من الأمور والبنود لكنه يتجاهل عمدا امرين اساسيين، هما البحث عن سبل احداث تغيير لإصلاح بنية النظام السياسي اللبناني الذي يقر الجميع بأنه لم ينجح في شيء بمقدار نجاحه في انتاج واستيلاد ازمات سياسية، تضع البلاد على شفا حفرة من الحروب الاهلية، والازمات الوطنية العاصفة كمثل الازمة التي ما برحت تتوالى فصولاً منذ عام 2005 والى غد غير منظور. كما ان ما تضمنته وثيقة الفريق الشباطي من بنود حول حل الازمة الاقتصادية، انما هي تدخل كما تقول الكاتبة نهلة الشهال في "باب الطلاسم" لا سيما عندما تحدثت عن "حماية لبنان واللبنانيين في الداخل والخارج من ارتدادات الازمة الحالية". واللافت في هذا المجال ان الوثيقة اغفلت عمدا هماً وطنياً كبيراً يتمثل في معالجة "المديونية الكبيرة" التي يعاني منها اقتصاد البلاد وماليته العامة.
... وباختصار لقد نجح اركان الفريق الشباطي ان يشبكوا ايديهم بأيدي بعض على مسرح "البيال" في علامة واهية وغير "مقبوضة" لتدحض الكلام المستشري عن صراعاتهم، الا انهم لم ينجحوا في المقابل في اظهار رغبة حقيقية في اتمام المصالحة الوطنية واصلاح ما افسدوه طوال الاعوام الاربعة الماضية.
الانتقاد/ العدد 1338 ـ 20 آذار/ مارس 2009
لم يكن وجود السفيرة الاميركية ميشال سيسون في حفل (يزعم منظموه انهم "رواد" حرية و"ابطال" استقلال و"قادة سيادة، يراد منه اطلاق وثيقة عنوانها العريض "العبور الى الدولة") هو العلامة الفارقة الوحيدة التي استرعت انتباه المتابعين وفجرت تساؤلاتهم.
كان هناك ثمة علامات اخرى، ومحطات عدة برزت في هذا الجمع الذي يبذل اقصى جهوده ويمارس أبعد "دهائه" ليبقى محافظاً على وحدة واهية مزعومة عشية الانتخابات النيابية التي يصر هذا الفريق دوما على اعتبارها "مفصلية" و"تاريخية"، لدرجة ان الكثير من المراقبين، لم يفته ان يؤكد ان هذا الطيف السياسي المنوّع لن يمكن له الاجتماع ثانية على سطح واحد كما هو حاصل، لذا لا بد من ان يطلق على لقاء "البيال" الاخير لقاء الوداع لقوى نخرت "جسدها" المتهالك اصلاً الخلافات والتباينات والصراعات على الاحجام والحصص، ولا يجمعها جامع الا جامع الاستئثار بالسلطة والقبض على زمام الحكم، حتى لو كان ذلك على حساب وحدة البلاد وتطورها وأمنها وازدهارها والمقاومة التي تؤمن لها الحماية والعزة.
وفي الشكل ايضاً كان أمامنا عصر السبت الماضي لفيف من القوى والشخصيات تحاول في الاساس نفي مقولة تروج وتتسع عن دنو انفراط عقدها بعدما اخفقت في حكم البلاد، واوردتها المهالك طوال أربعة اعوام انقضت، وكان امامنا استطرادا، مجموعة تعلم علم اليقين انها مضطرة الى الانزياح عن الواجهة، بعدما اثبتت التطورات التي لم يمر عليها الزمن عجزها عن تغيير الهوية التاريخية للوطن، وتضييع انجازات حقيقية، تجسدت في بطولات المقاومين وتضحياتهم على مدى عقود، والتعامل معها على اساس انها كانت نسياً منسياً او شيئاً من تاريخ انقضى، ومساواتها ببطولات "وهمية" وكرتونية، تمت تحت وطأة حدث امني مدوٍّ تمثل باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
اذاً حاول "رواد" حفل البيال في الشكل ايضاً المحافظة على صورة "وحدة" يدركون ان ايامها معدودة، وسعوا للتغني بـ"إنجازات" مزعومة يحاولون عبر التذكير بها، طمس صورتهم وهم يذهبون مخفورين الى مؤتمر الدوحة، ليوقعوا هناك على ما مانعوا طويلا في الاقرار به، واعتبروه خطا احمر، يحرم الدنو منه لا سيما لجهة حكومة الوحدة الوطنية التي كانت مطلب المعارضة الاساس.. وكانت حقها الطبيعي ضمن كل موازين القوى الواقعية.
نحن امام جماعة سياسية، تشهر حفل اجتماعها "الاخير" بعد رحلة "مأساوية" و"كارثية"، لم تنته بإخفاق مشروعها الرامي ضمناً الى اعطاء هوية جديدة للبلاد تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً فحسب، بل كرّست فساد الادارة، بأوضح اشكاله، وسعت الى تكريس دولة "المجموعة" بأجلى صورها ولو اقتضى ذلك الدوس على نسيج الوحدة الوطنية.
وكل ذلك ارادت قوى 14 شباط ان يكون تحت "غطاء" وثيقة سياسية شاء بعض رموز هذا الفريق، أن يدعي انها متمايزة ومختلفة في الجوهر عن الوثيقة التي سبقتها، واراد ان يدعي انها خطت باتجاه مسلّمات الآخر في الوطن خطوات "جريئة".
طبعاً يحلو للبعض النظر الى الامر كله من منظار ان هذه الجماعة صاحبة هذه الوثيقة، انما "تستلهم" "تطور رؤيتها" المزعوم من حدثين اساسيين: الاول التطورات التي عصفت بالاوضاع في المنطقة عموماً، لا سيما تغير سلوك واداء رعاة هذا الفريق الاقليميين والدوليين، وانفتاحهم، والثاني خيبة هؤلاء واخفاقاتهم المدوية في الداخل، وهم الذين رفعوا في وثيقتهم عام 2008 رؤى ومنطلقات توحي حسب قول أحد الكتاب بأن اعادة تركيب البلاد باتت مستحيلة ما لم يحقق هذا الفريق "هيمنة كاملة على البلاد بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى".
في وثيقة ذاك العام المنصرم تحدث هذا الفريق عمّا اسماه صراعاً بين "ثقافتين": ثقافته هو القائمة كما ادعى على السلام والعيش معاً والوصل مع الآخر المختلف، وثقافة الآخر (فريق المعارضة) الناهضة كما زعم "على ثقافة العنف والفصل".
ولا بدّ من الاقرار بأن الوثيقة الاخيرة لهذا الفريق المكلوم بـ"آماله"، والخائب في ادائه، انما تحمل في طياتها انخفاضاً بيّناً في اللهجة المتوترة، التي اعتاد هذا الفريق دوما استخدامها عندما كان يتساجل مع خصمه السياسي، وورد في متنها بعض الافكار والرؤى التي يحلو للبعض اعتبارها "انقلاباً" و"تطوراً" ينبغي للاخر ان يحتفي به ويلاقيه، خصوصاً عندما يكون الحديث (في المادة الثالثة من الوثيقة) عن ضرورة انهاء الخلاف مع سوريا (عوض الحديث عن اسقاط نظامها ومحاسبته) وعندما يكون الكلام ايضا عن ضرورة ايجاد مصالحة بين خياري "المقاومة" و"الاستقلال" ومنع حصول التصادم بينهما.
وبرغم "الاقرار" بأن ذلك يعد في الشكل تخليا من هذا الفريق عن كثير من رؤاه او مقولاته السابقة، ويدرجه البعض في خانة اقرار هذا الفريق صراحة بأنه اخفق في مشروع الهيمنة الكاملة والاستحواذ على زمام الامور في البلاد، فإن ثمة في صفوف المعارضة من لا يزال ينظر الى جوهر الوثيقة ومضامينها المبثوثة في سطور وطوايا بنودها الـ14 نظرة الريبة والشك بأن هذا الفريق يريد ان يقارب مسلّمات الآخر وثوابته، وذلك انطلاقاً من الآتي:
ـ ان هذا الفريق يزعم أن مشروعه فقط هو "مشروع انقاذ لبنان واللبنانيين وجميع اللبنانيين"، وهذا يعني انه يدعي ان وثيقته المتضمنة رؤيته للأوضاع تملك حصرية "الانقاذ".
ـ ان هذا الفريق ما برح يردد في وثيقته هذه الموقف المناهض عينه من مشروع المقاومة الذي يدرك تمام الادراك انه بالنسبة للآخر مشروع يرقى الى مراتب الاجلال ويقارب حد التقديس، وذلك من خلال الدعوة الى تحييد الساحة اللبنانية.
ـ ان هذا الفريق برغم انه يدعو الى تبني هذا الحياد، فإنما يقدم اوراق اعتماده الى محور عربي آخر، ويدعو الى الالتحاق به، وذلك من خلال اعلان التزامه بما يسمى مبادرة السلام العربية.
ـ ان الفريق الشباطي يقارب في هذه الوثيقة الكثير من الأمور والبنود لكنه يتجاهل عمدا امرين اساسيين، هما البحث عن سبل احداث تغيير لإصلاح بنية النظام السياسي اللبناني الذي يقر الجميع بأنه لم ينجح في شيء بمقدار نجاحه في انتاج واستيلاد ازمات سياسية، تضع البلاد على شفا حفرة من الحروب الاهلية، والازمات الوطنية العاصفة كمثل الازمة التي ما برحت تتوالى فصولاً منذ عام 2005 والى غد غير منظور. كما ان ما تضمنته وثيقة الفريق الشباطي من بنود حول حل الازمة الاقتصادية، انما هي تدخل كما تقول الكاتبة نهلة الشهال في "باب الطلاسم" لا سيما عندما تحدثت عن "حماية لبنان واللبنانيين في الداخل والخارج من ارتدادات الازمة الحالية". واللافت في هذا المجال ان الوثيقة اغفلت عمدا هماً وطنياً كبيراً يتمثل في معالجة "المديونية الكبيرة" التي يعاني منها اقتصاد البلاد وماليته العامة.
... وباختصار لقد نجح اركان الفريق الشباطي ان يشبكوا ايديهم بأيدي بعض على مسرح "البيال" في علامة واهية وغير "مقبوضة" لتدحض الكلام المستشري عن صراعاتهم، الا انهم لم ينجحوا في المقابل في اظهار رغبة حقيقية في اتمام المصالحة الوطنية واصلاح ما افسدوه طوال الاعوام الاربعة الماضية.
الانتقاد/ العدد 1338 ـ 20 آذار/ مارس 2009