ارشيف من :آراء وتحليلات

حدث في مقالة: المصالحات العربية.. لبنانياً غطاء.. لماذا؟

حدث في مقالة: المصالحات العربية.. لبنانياً غطاء.. لماذا؟
كتب المحرر السياسي
في لبنان لا شيء يعلو فوق صوت الانتخابات. وفي المنطقة لا شيء يعلو فوق صوت المصالحات، الذي بدوره يدور في فلك المقاربات الأميركية للمنطقة، التي يخفت فيها صوت السلاح مقابل ارتفاع لغة الحوار والاستعداد للتفاوض، وتبادل المصالح. وفي هذا الإطار، يبدو حتى الآن، أن كل الأطراف الداخليين، لا يريدون إقحام الانتخابات النيابية في مناخات التصالح والتهدئة، وفي الوقت الذي يتقاسم لبنانَ وجهتا نظر في ما يتصل بمرحلة ما بعد الانتخابات، ما يطرح سؤالاً ملحاً، حول الحدود المعني بها لبنان في ما يتصل بحراك المصالحات، وسيادة لغة الحوار، والتشديد على مناخات التهدئة.
إن تلمس موقع لبنان مما يجري حوله، واستشراف مآل الأمور، يقتضي ملاحظة التالي:
المصالحات العربية:
إن الدوافع التي حتّمت تحريك مساعي المصالحات العربية ـ العربية يمكن إيجازها بالتطورات التالية:
أولاً: الانكسار الذي أصاب المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي في المنطقة، بدءاً من أفغانستان، ومروراً بالعراق وفلسطين ولبنان.
ثانياً: التبدل الذي أصاب الأولويات الأميركية مع إدارة أوباما، حيث الحضور المطلق للمعضلة الاقتصادية ـ المالية داخلياً، ولترتيب عملية الانسحاب من العراق، والتركيز على الملف الأفغاني ـ الباكستاني ـ والملف النووي ـ الإيراني من مدخله الإسرائيلي، من دون أن يعني ذلك تخلي واشنطن عن مصالحها الحيوية، خصوصاً تلك المتعلقة بالسيطرة على النفط، والتحكم بأسعاره، وبالحرب المستمرة على ما تسميه إرهاباً.
ثالثاً: وصول اليمين الصهيوني المتشدد بزعامة نتنياهو إلى رئاسة الحكومة، مع ما يعنيه ذلك من تراجع لمسألة التسوية، وإطلاق لهواجس تتصل بضخ المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.
رابعاً: الوضع المحرج بل البالغ الحراجة الذي وجد كلّ من النظامين المصري والسعودي نفسيهما فيه جرّاء مواقفهما المخزية في عام 2006 من عدوان تموز وفي عام 2008/2009 من العدوان الإسرائيلي على غزة.
خامساً: إدراك الواقع الرسمي العربي الممثل على نحوٍ حصري بعرب أميركا، أن استمرار الأمور على ما هي عليه، سيعني المزيد من الضعف والتراجع في مواجهة محور المقاومة والممانعة في المنطقة.
خلاصة القول هنا، إن التحالف الأميركي ـ الإسرائيلي ومعه عرب التسوية، هم اليوم في وضع بالغ الضعف والتراجع، وهم مهددون في حال بقاء الأمور على ما هي عليه، بمزيد من الانحدار، ولذا، كان لا بد من استراتيجية عمل جديدة تتوخى:
ـ احتواء الخسائر الحالية، ووضع موانع قوية في مواجهة تفاقمها.
ـ لملمة الوضع العربي في إطار إقفال ما يعتبره هؤلاء دفرسوارات لتقدم الخصوم.
ـ شراء الوقت الكافي لإعادة ترميم الصفوف، ومعالجة آثار الهزائم، والمشاكل التي يعانيها كل من هؤلاء، ولمحاولة بناء وتنظيم خطوط وأوراق مواجهة ودعم وقوة جديدة، في مواجهة الخصوم.
في هذا الإطار، كانت كلمة السر هي التهدئة باعتبارها مفتاح كل هذه الاستراتيجية الجديدة، ولأن سوريا تقع جيوسياسياً على خط تماس وتفاعل مع العديد من الملفات  الأساسية التي تخص المنطقة:
ـ ملف التسوية.
ـ الملف العراقي.
ـ الملف الفلسطيني.
ـ الملف اللبناني.
ـ ملف العلاقات مع إيران.
شكلت محور المساعي الأميركية والأوروبية والعربية الحالية، فهؤلاء يريدون من سوريا التالي:
ـ أن تُبقي على مسار التسوية مع الإسرائيلي مفتوحاً عبر الانخراط فيه مباشرة، أو غير مباشرة.
ـ دفعها للعب دور مسهّل على صعيد المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية، والتوافق على صورة الانتخابات المقبلة رئاسياً وتشريعياً.
ـ دفعها إلى الانخراط في عمل مشترك مع عرب أميركا في العراق في مقابل الدور الإيراني.
ـ دفعها إلى تسهيل العملية الانتخابية في لبنان، وإجرائها بهدوء، وتوفير صمامات أمان، تحول دون أي ردود فعل يمكن أن يدفع إليها فريق 14 آذار.
ـ توفير الحوافز المناسبة، والخيارات المفتوحة والملائمة، لإبعاد دمشق، وإن بمدى استراتيجي عن ايران.
ـ تعويم المبادرة العربية للسلام من خلال ترميم الموقف العربي الرسمي منها.
لم تتوقف إشارات التهدئة عند دمشق بل جرى إكمالها بخطوات موازية باتجاه إيران، وحزب الله وحماس.
لا يعني ما تقدم، أن هذه الاستراتيجية ستنجح، وأن دمشق، كما كل أطراف محور المقاومة، ستتعامل هكذا مع هذه الأهداف، بل، على العكس، ومن منطلق إحساس هذه الأطراف بالقوة والقدرة يمكن الجزم، بأن هؤلاء لن يتمكنوا من تحقيق ما يصبون اليه.
لبنان والمصالحات:
في هذا السياق، كيف يتلقى لبنان مناخات المصالحات هذه، وما يجب التنبه اليه؟
هنا ثمة إشارات لا بد من الوقوف عندها لفهم هذا الحرص على طلب التهدئة، وهذا الغزل الاستثنائي لدمشق وإيران وحماس وحزب الله من قبل الحلف الأميركي وأعرابه:
أولاً: إن الأولوية الإسرائيلية والأميركية هي إيران لا سيما في ما يتصل بدورها في المنطقة، وفي ما يتصل بدورها في العراق، وفي أفغانستان.
ثانياً: إن الإشارات الواردة بصدد المحكمة الدولية لا تطمئن حتى الآن، حيث تفوح منها رائحة التسييس إلى حد كبير، الأمر الذي دفع الرئيس السوري إلى التركيز مجدداً على عواقبه على الاستقرار في لبنان.
ثالثاً: التأكيد الملح من قبل فريق 14 آذار على أنه إذا فاز في الانتخابات، فسيحكم وفق منطق الأكثرية والأقلية، الأمر الذي يعني عملياً ضرب الأساس الميثاقي للاستقرار السياسي في لبنان، وليس شعار أن انتخابات 7 حزيران، ستلغي مفاعيل 7 أيار، إلا تأكيداً لما سلف.
من الواضح، أن التفرد بإيران، وسوريا، وحماس، وحزب الله، يقتضي أخذ كل منهما على حدة، كما أن تسييس المحكمة، والاستئثار بحكم لبنان، يقتضي ضمان أن تأخذ المعارضة جانب التهدئة المطلوبة لإمرار أكثر من هدف، وهذا ما يقتضي تنبه المعارضة له، لا بمعنى اعتماد التوتير كأداة مواجهة، وإنما رص الصفوف، والسعي للفوز، والتأكيد على منطق المشاركة.
الانتقاد/ العدد 1338 ـ 20 آذار/ مارس 2009
2009-03-20