ارشيف من :أخبار لبنانية
طرد عون من بيروت والمتن... الأسباب الأعمق
ثمّة بعدٌ آخر، غير محكي، وغير معلن وغير مباح للكلام والبحث، في هجوم مروان حمادة على ميشال عون، وتهديده له بالطرد من الأشرفية والمتن الشمالي.
طبعاً في كلام النائب الجنبلاطي، نوع من الخطاب التعبوي الانتخابي. وطبعاً فيه تجسيد لمبدأ التضامن بين مكوّنات فريق 14 آذار كافة. وبالتأكيد فيه كل قواعد الخصومة السياسية القائمة بين الطرفين، منذ أربعة أعوام، وقبلها منذ عقدين من الزمن.
غير أن في كلام حمادة بعداً آخر. إنه بعد الصراع من أجل البقاء، الذي تخوضه آخر البيوتات الإقطاعية في لبنان، وهو صراع لا يخلو من طابع «الحرب الشاملة»، بكل الوسائل، المشروع منها وغير المشروع، الداخلي والخارجي. ما يقع ضمن باب «السيادي»، وما يسقط في خانات أقل شفافية وقدرة وجرأة على المكاشفة. وهو في الوقت نفسه، صراع البقاء، للجهات المتشعبة، التي ترعى تلك البيوتات، وتتبادل معها شبكة منافع ومصالح وخدمات، منذ زمن بعيد.
لماذا دافع مروان حمادة عن نايلة تويني وميشال المر حصراً؟ سؤال يعيد المدقق في البحث إلى ما كان ينوي سياسي عتيق تضمينه أحد مؤلفاته. يقول العارف بالطبقة السياسية اللبنانية منذ نصف قرن إن ثمّة عائلات تحترف الشأن العام في لبنان، على قاعدة مزدوجة ثابتة: ارتباطات معينة ببعض عواصم الخارج. وارتباطات مقابلة لتلك، بينها في الداخل. ويلاحظ السياسي نفسه أن هذه القاعدة المزدوجة تفسّر إلى حد ما ظاهرة المصاهرة المصادفة بين تلك العائلات.
إلاَّ أن التدقيق أكثر في الشبكة العنكبوتية لتلك الطبقة، يظهر أنها فعلاً أوسع من أي اعتقاد أو انطباع أوّلي. فعلى مدى الدوائر الانتخابية المسيحية مثلاً، يندر جداً ألاَّ تجد نائباً حالياً أو سابقاً، من «بيت سياسي»، لا يرتبط بصلة رحم مع نظير واحد له على الأقل في دائرة أخرى. وهو مشروع يستحق التحقيق، لجهة رسم «شجرة» الأرحام بين تلك البيوتات، من أقصى الوطن إلى أقصاه.
وليس سوق المثل في الشارع المسيحي مجرد صدفة. ذلك أن هذا الوسط هو من أكثر «المتحدات» الجماعية اللبنانية، التي حافظت على كيانية «بيوتاتها» ومرجعية زعاماتها العائلية.
فالواقع الشيعي مثلاً، خرج بالنسبة الكبرى من هذا الطابع، نتيجة عوامل عدة أبرزها هذا التراكم «الحركي» منذ موسى الصدر حتى حسن نصر الله، وهي «حركية» سياسية كسرت عدداً كبيراً من «الطبقات» التقليدية في هذا الوسط. أما الواقع السني، فخرج مباشرة من «البيوتات» إلى «طويل العمر»، مع هذا التحول الكبير الذي أحدثته الحريرية السياسية. علماً أن البعض يرى عامل تمايز ومماثلة بين البعد الإيراني وانعكاسه في الواقع الشيعي، والبعد السعودي وانعكاسه في الواقع السني.
وحده الواقع الدرزي ظلّ على نمطيته العائدة إلى زمن قيام الإمارة. وهي نمطية كرّسها وليد جنبلاط بعدما ساعدته كل الظروف الدرزية الداخلية واللبنانية والسورية، على ذلك. فاستكان الواقع الدرزي في جمود من نوع «سوبر إقطاع». واستكان في لحظة رفض وجدان هذه الجماعة لمفهوم «دولة القضاء والشرطة» الذي جاء به بشير الثاني.
على ضوء تلك المعطيات، يفهم هذا البعد الآخر من هجوم مروان حمادة على ميشال عون. فالجنرال دخيل على كل الشبكة العائلية التي ينتمي إليها نائب الشوف. لا بل يمثّل تهديداً واضحاً لها. هو صاحب «جانبية» إلى الطبقة الوسطى المسيحية، وابن المؤسسة العسكرية، كأحد سبل الالتزام بالشأن العام، والترقّي الاجتماعي لتلك الطبقة في منتصف القرن الماضي. وابن النزوح الأول من الأطراف إلى ضواحي بيروت.
والأهم أن الجنرال في كل مكوّنات جانبيته تلك، نقيض بالتمام والكمال لوليد كمال جنبلاط...
يريدون طرده؟ أمر مفهوم. أمّا قدرتهم على ذلك، فلا يفهمها العصر، ولا يقبلها أهله.
(جان عزيز ـ صحيفة "الأخبار")