ارشيف من :أخبار لبنانية
عاصفة أوباما الإيرانيّة: تغطية لاستراتيجيا الانسحاب أم للهجوم؟
كتب ابراهيم الأمين
رسالة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى إيران وردّ قائد إيران السيد علي خامنئي عليها، يفتحان الباب أمام مرحلة جديدة من المواجهة الأميركية ـــــ الإيرانية في المنطقة، وهي مواجهة قد تبدو مختلفة السياق والشكل عن سابقاتها، لكنّها تحمل في الجوهر الهواجس نفسها التي لا تقف عند حدود الدولتين، بل تتوسع لتشمل القريب والبعيد، علماً بأن واشنطن التي دخلت عنوة في مراجعة، ليست من النوع الذي يمكن تصديق كل ما يصدر عن المسؤولين فيها. وذات مرة قال مؤسس إيران الإسلامية الإمام الخميني إنه لو نطقت أميركا بالشهادتين فلا تصدقوها.
لكن الأهم بالنسبة إلى عشرات الملايين من البشر، هو انعكاس ما يجري الآن عليهم، وخصوصاً في الشرق الأوسط والخليج، حيث الحضور الأميركي يتجاوز بعده الميداني المتمثل بالاحتلال والقواعد العسكرية المنتشرة في كل مكان، ليلامس شكل الحكم الموجود في معظم هذه الدول، وأسماء القيّمين على هذه الحكومات. أمّا إيران، فقد نجحت خلال العقدين الماضيين في توسيع دائرة نفوذها المباشر وغير المباشر لتكون طرفاً رئيسياً في إدارة أكثر الملفات سخونة من فلسطين حتى أفغانستان.
لكن هل بإمكان أحد الإجابة الآن عن الأسئلة الكبرى التي تحيط بالرسالة الأميركية؟ هل أميركا مأزومة إلى هذا الحد؟ هل هي تشعر بأن الخناق أطبق عليها من كل صوب، حتى باتت مضطرة لمحاورة من تريد اقتلاعهم من الأرض؟ هل الأزمة الداخلية في الولايات المتحدة، وتعثّر المشروع التوسعي في العالم، قد وضعاها في موقع غير القادر على المبادرة إلا باتجاه الحوار؟ هل إسرائيل حليفة أميركا وعصاها باتت هي الأخرى غير قادرة على تنفيذ أي مهمة استئصالية ضد خصومها من العرب؟ وهل فقدت إسرائيل هيبتها حتى صار العرب من أعداء أميركا أو حلفائها لا يقيمون لها وزناً؟ وهل الولايات المتحدة تخشى أن تتعرض قواتها في كل العالم لحملة مقاومة أقوى بكثير من تلك التي تتعرّض لها الآن، فسارعت إلى استبدال نظرية العزل والقتل بنظرية الاحتواء وكسب الوقت، أم أن هناك في الولايات المتحدة والغرب من يدرس آليّة جديدة لمواجهة الأعداء في المنطقة، فاحتاج إلى مناورة كبرى اسمها الحوار؟ وهل نحن أمام خديعة القرن التي تقفل أبواب القطيعة لتدخل هي بعواصفها من نوافذ الاسترخاء؟
وإذا كان من الصعب توقع إجابات حاسمة أو منطقية وعلمية عن كل هذه الأسئلة، فماذا على الفريق الآخر أن يفعل؟ هل يكتفي بردّ التحية بما هو أحسن منها، أو يتعامل مع الكلام الأميركي المعسّل برد شبيه على قول الشاعر «سررتنا بكلام فسررناك بمثله»؟ هل عليه أن يُصاب بنشوة المنتصر فينفش ريشه ويخرج بفوقية تجاه الأخرين من الأذيال؟ أم يصيبه القلق فيزيد من حذره واستنفاره وجهوزيته خشية الأعظم؟ هل يبادر إلى الاستفادة من فرصة الهدوء القائمة تحت عنوان الحوار لتعزيز التواصل مع الآخرين من جماعة أميركا المربكين، أم يسارع إلى ضربهم على قفاهم ويدفع بهم إلى زوايا الاستسلام؟ هل تستفيد إيران ومحورها والقوى الدائرة في فلكها من المناخات هذه للهجوم بمبادرة حوارية فيها الكثير من عناصر الاطمئنان إلى الخصوم من العرب والمسلمين لاختراق جدار الطائفية والمذهبية الذي رفعه الاحتلال وعملاؤه إلى أعلى من أسوار المدن؟ أم يلجأ محور المقاومة إلى المزيد من الحذر وإبقاء الأبواب موصدة أمام رياح غربية ظاهرها الحب، وقد تكون تحمل معها غبار العالم الوسخ؟ هل يستفيد محور المقاومة من هذه الفرصة لتعزيز قوّته بين الناس، كما قوّته الذاتيّة بصمت، أم يلجأ الى الدفع بمشروعه خطوة إلى الأمام ولو كانت كلفتها المزيد من التوتّر؟ وهل محور المقاومة يحتاج إلى فترة راحة، أم أنه في حال جيدة تمكّنه من التقدّم الآن أكثر فأكثر؟
وإذا كانت الأسئلة الكبرى برسم الأطراف الأساسية المعنية، فكيف هي حال الأتباع في كلا المحورين، وخصوصاً أتباع أميركا الذين يسيرون على غير هدى، وخططهم خبط عشواء تغلّفها الشعارات الكبيرة التي لا تمثّل طموحاتهم بالبقاء ضمن المشهد، فيما صراخهم المرتفع يشبه أغاني المارّة قرب المقابر وصفيرهم. ومع ذلك، من المفيد رصد مواقف ثلاث قوى بارزة من أتباع أميركا إزاء ثلاثة أنواع من الملفات الساخنة:
أولاً: حكام مصر الذين لا يُظهرون فهماً لكل المتغيرات الحاصلة في المنطقة، وهم يغالون في عدائهم لقوى المقاومة، ويتصرّفون في إدارة الحوار الفلسطيني كما في متابعة ملف إعمار غزة وكأنّ الحرب لم تقع وكأنّ إسرائيل لم تفشل في عدوانها وكأنّ المقاومة لم تصمد، ثم تتصرف إدارة الحكم في القاهرة إزاء ملف المصالحات العربية على قاعدة أنها هي المحقّة، ولا تزال تربط فتح معبر رفح أمام المساعدات الخاصّة ببرنامج الإعمار بتنازُل حماس عن السلطة، فيما هي لا تنجح في إقناع قياديين في فتح بأن يدعموا بقاء سلام فياض في رئاسة الحكومة.
ثانياً: السعوديّة التي تودّ التعويض عن سياسة خرقاء تجاه إيران وسوريا والمقاومة في لبنان بحوار لا يفرض تغييراً حقيقياً في المواقف، وهي تعتقد أنّ بالإمكان تجاهل كل الخسائر التي مُني بها فريقها في المنطقة، وسط استمرار الخلافات أو التباينات داخل إدارتها في طريقة التصرف في المرحلة المقبلة.
ثالثاً: فريق 14 آذار في لبنان، وتيار «المستقبل» على وجه التحديد الذي يرفض مراجعة سلوكه السياسي منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري حتى اليوم، والذي لا يعرف كيف ينسحب من حفرة المحكمة والتحريض المذهبي والسلطة الوهمية، ويرفض حتى التراجع التكتيكي كالذي يقترحه وليد جنبلاط. فلا يزال سعد الحريري مقتنعاً بأن تحالفه مع قوى مثل «الكتائب» أو «القوات اللبنانية» يفيده في إيجاد غطاء مسيحي لسلطته الحصرية القائمة بين قريطم والسرايا الكبيرة، وهو الذي لا يعرف كيف يختار بين مرشحيه، ويفوّت الفرصة أمام مصالحة أهلية في طرابلس أو صيدا أو حتى البقاع الغربي.
حتى اللحظة، يمكن التكهن بأننا أمام مرحلة الأسئلة الكبرى، لكننا لم ندخل بعد مرحلة التغييرات الكبرى التي تنقلنا من ضفة إلى ضفة.
المصدر: صحيفة الاخبار اللبنانية