ارشيف من :أخبار عالمية

بعد ستة اعوام على اسقاط نظام صدام... واشنطن: تغيير الاولويات بين الاخطاء السابقة والاستحقاقات القادمة

بعد ستة اعوام على اسقاط نظام صدام... واشنطن: تغيير الاولويات بين الاخطاء السابقة والاستحقاقات القادمة

بغداد - عادل الجبوري
يبدو من خلال مؤشرات ومعطيات وحقائق عديدة ان الولايات المتحدة الاميركية وبعد ستة اعوام على شنها للحرب على العراق، راحت تعيد النظر بسياساتها حيال العراق، وتراجع اجندة أولوياتها. ولعل شعار "التغيير" الذي رفعه باراك اوباما في حملته الانتخابية على امتداد بضعة شهور كان يعني فيما يعنيه عدم الابقاء على السياسة المتبعة من قبل ادارة الرئيس السابق جورج بوش في العراق، والاتجاه الى سحب القوات الاميركية من هذا البلد وفق جداول زمنية واضحة الابعاد والمعالم.
ولان اتفاقية تنظيم وجود وانسحاب القوات الاميركية من العراق التي بذلت الادارة الجمهورية السابقة جهودا ومساعي حثيثة لابرامها مع بغداد، تضمنت مواعيد زمنية واضحة لمراحل سحب القوات الاميركية وانهاء تواجدها في صيف عام 2010، فأن الرئيس اوباما نصح - بحسب اوساط سياسية عراقية - القادة العراقيين بالقبول بالاتفاقية بعد موافقة البيت الابيض على الجزء الاكبر من شروط بغداد، لانهم لن يحصلوا منه في حال فوزه على تنازلات اخرى.
وتشير تقارير واحصاءات عديدة الى ان تكاليف الحرب بلغت حتى الان 700 مليار دولار اميركي الى جانب الخسائر البشرية التي بلغت 4259 جندي اميركي. وهذه الارقام تثير بلا شك حفيظة الكثير من الاميركان الذين يشعرون بمزيد من القلق وهم يواجهون تبعات واثار الازمة الاقتصادية العالمية التي هزت الاوضاع الاقتصادية للولايات المتحدة بالدرجة الاساس ودولا اخرى كثيرة.
وكانت استطلاعات للرأي قد ذهبت عشية الانتخابات الرئاسية الاميركية في الرابع من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي الى تراجع الاهتمام الأميركي بما يدور في العراق، اذ اشارت الى ان الاقتصاد شكل اولوية لدى 62% من الناخبين الاميركان، بينما اظهر 10% فقط اهتماما معينا بحرب اميركا في العراق.
وربما ان عددا غير قليل من الاميركان قد منحوا اصواتهم لاوباما على امل ترجمة شعار "التغيير" الى واقع عملي على الارض، فأنحسار الاهتمام بموضوعة الحرب في العراق، وتغيير الانظمة السياسية المارقة، ومواجهة الارهاب، لدى الرأي العام الاميركي، قابله تزايد بمستوى الاهتمام بقضايا داخلية مرتبطة بالاوضاع الاقتصادية والحياتية العامة، التي بدت للكثيرين انها مهددة الى حد كبير على اثر الازمة الاقتصادية العالمية.
وثمة جانب اخر في الموضوع يتمثل في ان هناك قناعة لدى اوساط ونخب سياسية اميركية بأنه بعد ستة اعوام على الاطاحة بنظام صدام وتعرض العراقيين الى ظروف قاسية لم تعد هناك رغبة لدى مختلف فئات المجتمع العراقي بمشاهدة الدبابات والمدرعات الاميركية وهي تجوب شوارع وازقة المدن العراقية، وفي هذا الشأن تقول عضو مجلس النواب لين وولسي بأنه "لا يمكن للرأي العام العراقي ان ينظر الى مثل هذا العدد الضخم الا على انه قوة احتلال مستمر، وانه ما دام ينظر الى الولايات المتحدة على انها طرف محتل لن يستطيع العراقيون تحقيق الوحدة المطلوبة والمصالحة وبذل مزيد من جهود التحول الديمقراطي اللازمة كي يحققوا استقرارا طويل الامد في البلاد"، والعدد الضخم هو اشارة الى خمسين الف جندي اميركي اشار الرئيس اوباما الى احتمال بقائهم في العراق حتى نهاية عام 2011  بعد استكمال الانسحاب النهائي للقوات الاميركية في اب/ اغسطس من عام 2010 وذلك بهدف الإشراف على إعداد وتدريب القوات العراقية.
ولا يحتاج المرء الى كثير من الجهد لاكتشاف حقيقة ان مزاج الشعب العراقي بات بعد ستة اعوام سلبيا الى حد كبير حيال الولايات المتحدة الاميركية، وبات هناك ادراك بأن الكثير من المشاكل والازمات التي حصلت خلال الاعوام الستة المنصرمة كان يقف وراءها سياسات واشنطن، بدءا من عهد "الحاكم المدني" بول بريمر والذي شهدت الاربعة عشر شهرا لعمله في العراق وقوع اخطاء انسحبت تأثيراتها الى المراحل اللاحقة لها.
وقلما تجد مواطن عراقي الان ينظر بأرتياح وامتنان لواشنطن، او مثلما يقول احدهم "ان الاميركان حررونا من نظام صدام لكنهم ادخلونا في صراعات داخلية تحت ضغوط اطماع اقليمية".
واذا كان هناك من الساسة والمواطنين العراقيين من يشعرون بأن سياسات واشنطن ادت الى ابقاء العرب بعيدين عن العراق، ناهيك عن تسببهم بمشاكل سياسية وامنية له، ففي واشنطن هناك شعور وادراك واضح بأن اهمال العلاقات مع حلفاء واشنطن العرب لصالح الملف العراقي لم يكن في محله، لذا ينبغي اعادة النظر في ذلك وتصحيح المسارات، وهذا ما يبدو انه واحد من اولويات الادارة الديمقراطية الجديدة في البيت الابيض برئاسة باراك اوباما، فقد اعلن الاخير قبل اسابيع قلائل "ان واشنطن ستنتهج استراتيجية دبلوماسية اقليمية وتساعد في اعادة توطين ملايين العراقيين الذين شردهم العنف وستحاول مساعدة الزعماء العراقيين على حل قضاياهم السياسية المثيرة للانقسام، وستباشر واشنطن انخراطا منضبطا ودائما مع كل دول المنطقة وهذا سيشمل ايران وسوريا".             
والامر المهم الذي ينبغي الاشارة اليه والتذكير به هو ان ادارة الرئيس اوباما لا يمكنها بأي حال من الاحوال تقديم قائمة تنازلات مفتوحة للاخرين فيما يتعلق بتعاطيها مع الشأن العراقي، لان ذلك يعني من جانب تبديد المكاسب والمنجزات التي ربما تكون قد تحققت بالنسبة لها، ومن جانب اخر فأنها لا تريد ان تبدو ضعيفة ومستعدة للاقرار بكل الاخطاء والتوقيع على اوراق بيضاء لكي يدون فيها حلفائها وخصومها ما يشاؤون من مطاليب وشروط.
فمهمة تغيير الاولويات لن تكون سهلة ويسيرة وسلسة بالكامل، ومن الصعب جدا ان تتحقق خلال وقت سريع، فضلا عن ذلك فأن ما يطرح من رؤى وتصورات وفرضيات نظرية قد يصطدم عند التطبيق بعقبات ومصاعب ومعوقات شتى على ارض الواقع، ومثلما يقال فأن "حساب الحقل ليس كحساب البيدر".

2009-03-24