ارشيف من :أخبار لبنانية
"طائرات المصالحة أقلعت ولكن ما زلنا في مرحلة حرجة
اعتبر الرئيس السوري بشار الاسد انه ربما لا يزال مبكراً تصور ما ستكون عليه العلاقات الثنائية في المستقبل بين لبنان وسوريا، مشددا في حديث لصحيفة "السفير" على وجود خطوط عريضة واهمها عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من البلدين من قبل الآخر، والاحترام المتبادل، مؤكداً ان لا عودة عسكرية سورية إلى لبنان، ولا اهتمام استثنائياً بنتيجة الانتخابات النيابية المقبلة إلا في ما يتعلق بما اتفق عليه في الدوحة بضرورة إقامة حكومات وحدة وطنية.
واكد الأسد ان سوريا ارتكبت عدداً من الاخطاء خلال وجودها في لبنان من خلال بناء علاقة مع قوى معينة والغرق في التفاصيل اللبنانية، لافتاً إلى أن بلاده خسرت لبنان ليس بسبب التمديد او القرار الدولي الرقم 1559 الذي كان معلباً وجاهزاً من قبل الرئيسين الاميركي جورج بوش والفرنسي جاك شيراك، بل بسبب بعض اخطاء صياغة العلاقة بين البلدين وتراكم هذه الاخطاء لتبرز مفاعيلها في النهاية. وأوضح ان ما يؤخذ على سوريا بأن علاقتها هي مع جهات او احزاب "يجب ان يؤخذ على اللبنانيين انفسهم لأن البلد هو الذي يحدد كيف تكون علاقاته"، مضيفا "فإذا كنتم لا تريدون علاقة سوى مع الدولة، فيجب على الدولة أن تتخذ قراراً وأن تقول بأنه يمنع على أي جهة لبنانية، حزب أو جهة أو شخص أن يبني علاقة خارج إطار الدولة اللبنانية، ونحن نلتزم، ولكن لم تأخذ الدولة اللبنانية هذا القرار".
واشار الرئيس السوري الى ان العلاقات بين كل الدول في العالم لا ترتبط بالدولة، "ونحن علاقاتنا مع أي بلد في العالم لا ترتبط بالدولة لان أي سوري يفتح علاقة مع أي جهة ما عدا اسرائيل طبعاً. يذهب إلى أميركا نفسها التي كانت على خصومة مع سوريا لسنوات. لا يوجد شيء يمنع من العلاقات، ولا يوجد مبدأ سياسي أو دولي أو قانوني يقول بهذا الكلام. فإذا كان لديكم مثل هذا المبدأ، أعلنوه لا توجد لدينا مشكلة".
وحول زيارة رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون الى سوريا وحفاوة الاستقبال، اكد ان عون زعيم معارضة "والأهم من ذلك الإشارة التي أرادت سوريا أن ترسلها لأن هذا الشخص كان له دور أساسيٌ في اتفاق الدوحة، لأن المعروف بأن العماد ميشال عون وافق وكان أساساً في الموافقة على ما حصل في اتفاق الدوحة وفي مقدمته مجيء الرئيس ميشال سليمان. فهذا ليس حالة سائدة في السياسة اللبنانية أن يقوم شخص بالتخلي عن مصالحه الشخصية لصالح المصلحة الوطنية"، داعياً الى تقدّير دور العماد ميشال عون في اتفاق الدوحة، "فلولاه لما كان مرّ اتفاق الدوحة".
من جهة أخرى، اعتبر الاسد ان عون "أتى كزعيم مسيحي مشرقي، وأعلن نفسه زعيماً مسيحياً مشرقياً، وبالعودة إلى حفاوة الاستقبال فقد كان لها علاقة بهذا الجانب المسيحي المشرقي، أما لو كان رئيس جمهورية، فلم يكن ليقوم بجولة على الكنائس في سوريا". ولفت الى ان سوريا "ارادت ان تظهر بأنها تتعامل مع شخصية عندما خاصمت سوريا خاصمتها بوضوح، وعندما صادقت سوريا صادقتها بوضوح وهذا كان محل تقدير الشعب السوري"، مؤكدا ان "البعض في لبنان يحاول تحوير بعض الحقائق خارج إطار المنطق، أي أن الخلاف في الرأي شيء وقلّة الأخلاق في التعاطي شيء آخر، رافضا الكلام عن ان سوريا دائماً تدعم الجهات المعارضة في الطوائف". واكد ان ابواب سوريا "ما زالت مشرعة للجميع شرط التقيد بالثوابت السورية اي العروبة والموقف من فلسطين".
وفي موضوع المعتقلين لفت الاسد الى ان هذه القضية قانونية، وتُحل بشكل قانوني، داعياً لجنة أهالي المفقودين لعدم الخضوع للتجاذبات السياسية ، مذكراً باللجنة المشتركة "التي تشكلت عندما كان نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة وكانت تقوم بعملها. لكنها توقفت خلال فترة حكومة السنيورة الأولى قبل اتفاق الدوحة"، مؤكدا ان سوريا لا يوجد لديها مصلحة في إبقاء أي شخص في السجن، مشددا على ان العديد من الاسماء "لم تدخل سوريا اصلا وقضت بسبب الحرب اللبنانية والبعض يريد ان يتهم سوريا لان الجميع يعلم ما كان يحدث خلال الحرب من خلال "القتل على الهوية". واشار الى ان العرب "تعلموا الدروس من حرب تموز 2006، لان الهجرات كانت محدودة نسبة لأية حرب سبقتها، والمواطن أصبح أكثر تمسكاً بأرضه. في غزة، الناس أكثر تمسكاً بأرضهم وفي الضفة وكذلك أيام جنين. أصبح هناك فكرة التمسك بالأرض، وأصبح هناك أيضاً فكرة المقاومة والاستعداد لدفع الثمن مقابل أن يدفع العدو الثمن، أي في كل الأحوال أنت ستدفع الثمن لو لم تواجه. هذا هو الشيء الأساسي المتعلق بالأجيال. أما الوضع العربي فلا شك أنه بعد كل معركة هناك انهيارات، وكانت آخر الانهيارات خلال مرحلة غزة".
وفي ما يتعلق بالمصالحات العربية قال الاسد "لا أستطيع القول بأننا حققنا قفزة بالمصالحات العربية الأخيرة. بدأت المصالحات وما زالت في البداية. واصفا هذه البداية باقلاع الطائرة لأن مرحلة الإقلاع عادة تكون مرحلة حرجة إن تم تخفيف قوة المحركات تنهار الطائرة ويسقط كل شيء. فنحن الآن في مرحلة إقلاع، وصعود في هذه الطائرة، ولكن ما زال الوضع العربي غير جيد، على الأقل حتى نصل إلى قمة الدوحة ونرى بأن الأمور أفضل". وأردف "الشيء الجيد ليس فقط المصالحات، ولكن الأهم هو بداية وعي عربي للدروس التي تعلمناها مما حصل خلال الست سنوات الماضية، الصورة أصبحت أكثر وضوحاً".
وأوضح الاسد ان لا شيء جدياً في المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، "التي تتوقف، مرة أخرى، حول توصيف خط الرابع من حزيران"، معتبراً ان انتخاب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "لن يغير الكثير في هذا المضمار لانه تغيير تكتيكي وليس استراتيجياً". وراى ان المنحى الذي تميل إليه اليوم إسرائيل نحو اليمين المتطرف، "ٌدليل على ارتباكها وفشلها".
ووصف المؤشرات التي أرسلها الرئيس الاميركي باراك اوباما بأنها "واعدة"، قائلاً "إلا ان سوريا تنتظر الأفعال، "خصوصاً أن ملف المفاوضات مع إسرائيل لا يبدو من الأولويـات الحالية للإدارة الجديدة التي سـارعت لإطـلاق مبـادرتين من العراق ومن أفغانستان، في حين انها لم تقدم أي دليل ملموس في اتجاه منطقتنا".
واكد ان سوريا، ستشهد، كما سائر الدول، تداعيات الأزمة المالية العالمية "لأنها كانت محاصرة ومعزولة ودول الغرب تسعى إلى قلب النظام فيها، ولم تكن مستعدة لانفتاح سياسي بحجم الطموح، لكن ثمة خطوات قد تساعد، أو هي قد تسرّع الانفتاح الموعود، لكن ليس على حساب معادلة: الاستقرار أولاً ثم الإصلاح".