ارشيف من :أخبار لبنانية
رئيس الجمهورية في مقابلة مع مجلة "اكسبرس" الفرنسية عشية توجهه الى باريس

أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أنه "متمسك بضرورة تحقيق السلام العادل والشامل والدائم القائم على مبدأ الارض مقابل السلام الذي اقره مؤتمر مدريد، والمستند إلى القرارات الدولية ذات الصلة، ولا سيما منها حق العودة للشعب الفلسطيني إلى أرضه وعدم توطينه خارجها".
وشدد على انه رغم الخلافات بين المجموعات السياسية التي ستتألف منها الحكومة الجديدة، "ثمة قواسم مشتركة يلتقي حولها الجميع وتربط ما بين اللبنانيين".
وعن العلاقة مع سوريا، اكد الرئيس سليمان انه سيعمل "على ان تستعيد هذه العلاقة طبيعتها الاخوية ضمن الاحترام المتبادل لسيادة وحدود كل بلد، وعلاقات دبلوماسية تعود بالخير على كل منهما".
واعتبر رئيس الجمهورية ان أي حديث عن امتحان قوة في الداخل هو "امر غير معقول وغير مسموح به اطلاقاً"، وشدد على ان "حزب الله" حزب لبناني انبثقت منه مقاومة وطنية حررت الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي، "ولا اعتقد ان من يدافع عن ارضه وسيادته ويسترجعها من ايدي الاحتلال يمكن وصفه بأنه ارهابي". ولفت إلى انه، خلال مؤتمر الحوار الوطني الذي سيدعو اليه في القصر الجمهوري، سيتم بحث الاستراتيجية الدفاعية المطلوبة التي تحافظ على قوة الدولة وقدرتها على مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية.
واوضح الرئيس سليمان "ان ما ينتظره لبنان من المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه وما تلاها من جرائم، هو معرفة الحقيقة وكشف هوية القتلة والمخططين وإنزال اشد العقوبات بحقهم". وأشار إلى "ان لبنان يقدم كل الدعم المطلوب للجنة التي يرأسها القاضي الكندي دانيال بلمار، اضافة إلى انه وفى بالتزاماته المادية لانشاء المحكمة".
مواقف الرئيس سليمان اتت خلال مقابلة اجرتها معه مجلة "اكسبرس" l'EXPRESS الفرنسية، عشية توجهه إلى باريس للمشاركة في قمة "الاتحاد من اجل المتوسط".
وفي ما يلي نص المقابلة:
س: ما هو الشعور الطاغي عندكم بعد مرور اكثر من شهر على تسلمكم مهامكم الرئاسية؟.
ج:" لا شك أن الترحيب الذي لقيه إنتخابي رئيسا للجمهورية اللبنانية، من المجتمع الدولي، بعد التوافق اللبناني، ألقى على عاتقي مسؤوليات كبيرة، والممارسة خلال شهر من الولاية جعلتني ادرك أكثر فأكثر حجم هذه المسؤوليات. لا بل أكثر من ذلك، زادتني قناعة وتصميماً على العمل من اجل وحدة اللبنانيين وتضامنهم وتماسكهم، وهي مهمة شعرت أنها صعبة ولكن ليست مستحيلة، لأن الشعب اللبناني تواق إلى مثل هذه الخيارات، والمهم أن يجد من يقف إلى جانبه. وأنا سأكون امينا لتطلعات شعبي في رؤية بلدهم سيدا حرا مستقلا، علما انه خلال تسلمي قيادة الجيش، على مدى تسع سنوات ونصف مارست هذه القناعات في ظروف صعبة. ولعل مواقفي هي التي جعلتني مرشحا توافقيا أجمع عليه الاطراف اللبنانيون كافة".
س: هل تتمتعون بهامش كاف من الصلاحيات لتصويب الوضع؟.
ج:" لقد اكدت في خطاب القسم على اهمية تحقيق التوازن المطلوب ما بين الصلاحيات والمسؤوليات، على نحو يمكن المؤسسات، بما فيها رئاسة الجمهورية، من اداء الدور المنوط بها، وفي رأيي ان العوامل الاساسية التي اراها ضرورية لاداء هذا الدور، هي ثلاثة: الاعتدال، الانفتاح والحوار.
في اي حال، لا اعتقد ان الامر مرتبط بهامش ضيق او واسع، حسبي ان أتحرك خلال ممارستي لمسؤولياتي الرئاسية انطلاقا من محافظتي على الدستور الذي انبثق من اتفاق الطائف ولا سيما الفقرة "ي" منه التي تنص على الآتي:
"لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك".
س: بالنظر إلى الصعوبات التي واجهتموها، هل ترون ان التوازن الدستوري اللبناني يمكنه ان يستمر طويلاً.؟
ج:" اني مؤمن بان لبنان بلد قائم على التعددية وليس على العددية، وهو يعتمد الديموقرطية التوافقية وهذا ما يجعله مصدر غنى. لذلك فان التوازن الديموغرافي غير مطروح. فضلا عن ان لبنان هو وطن الدور والرسالة كما قال عنه البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، وفيه تتفاعل 17 طائفة يعيش ابناؤها باستقرار وتآخ وتعاون. وفي يقيني انه عندما يطرح موضوع عدد اللبنانيين وتوزيعهم، لا يعود لبنان الذي نريده ونعمل له، يصبح لبنان آخر لا يشبهنا.
اما بالنسبة الى تطوير المؤسسات فهي حاجة دائمة في كل الديموقراطيات، وهي امر ضروري بالنسبة الى بلد مثل لبنان".
س: ما هو المطلوب من الحكومة بعد تشكيلها؟.
ج:" إن اللبنانيين يتطلعون إلى ان تحقق لهم حكومتهم الجديدة الكثير من الحاجات والمطالب. صحيح أن هناك خلافات بين المجموعات السياسية التي تتألف منها الحكومة، لكن ثمة قواسم مشتركة يلتقي حولها الجميع وتربط ما بين اللبنانيين سيتضمنها البيان الوزاري، واشرت إليها في خطاب القسم يوم أديت اليمين الدستورية. وبديهي ان تتولى الحكومة معالجة الاوضاع الحياتية الصعبة التي نتجت عن ارتفاع اسعار النفط عالميا ًواسعار المواد الغذائية، ما انعكس سلبا على القدرة الشرائية للبنانيين خصوصا ان لبنان بلد مستورد، وبالتالي، فإن من اولى اولويات الحكومة الجديدة ايلاء هذا الملف الاهتمام اللازم ودفع العجلة الاقتصادية للانتاج".
س: لقد وضع البريطانيون "حزب الله" على لائحة المنظمات الارهابية. ما هو تعليقكم؟.
ج: إن "حزب الله" هو حزب لبناني إنبثقت منه مقاومة وطنية حررت الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي بعدما تعذر استعادة لبنان لأرضه إستنادا إلى القرار 425، وقد تم التحرير في وقت غابت الدولة عن الجنوب نحو 30 عاما وتفككت أوصالها، ولا أعتقد أن من يدافع عن ارضه وسيادته ويسترجعها من ايدي الاحتلال يمكن أن يوصف بأنه إرهابي. في اي حال، لا بد من الاستفادة من قوة المقاومة لمضاعفة القدرة القومية لبناء استراتيجية دفاعية للبنان لا سيما وأن بقاء مزارع شبعا تحت الاحتلال ومواصلة العدو تهديداته وخروقاته للسيادة، يحتم علينا اللجوء إلى مثل هذه الاستراتيجية التي تحمي الوطن بالتزامن مع حوار هادىء للاستفادة من طاقات المقاومة لهذه الاستراتيجية".
س: أليس من الضروري كسر "حزب الله" لكي تستعيد الدولة اللبنانية سيادتها؟ هل يمكنكم تفادي الوصول عاجلا ام آجلا إلى امتحان قوة مع الحزب؟.
ج:" قطعا كلا، بل بالعكس، علينا كما قلت سابقا، البحث خلال مؤتمر الحوار الوطني الذي سأدعو إليه قريبا في القصر الجمهوري، في الاستراتيجية الدفاعية المطلوبة والتي تحافظ على قوة الدولة اللبنانية وقدرتها على مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية. أما الحديث عن امتحان قوة في الداخل، فهذا أمر غير معقول وغير مسموح به مطلقا".
سئل: باشر الرئيس السوري، الذي يبدأ هذا الاسبوع زيارة إلى فرنسا، عملية تفاوض مع اسرائيل بواسطة تركيا. كيف تنظرون إلى هذه المفاوضات، وهل تحمل الامل إلى لبنان؟.
أجاب:" إن من حق سوريا أن تعتمد الاسلوب الذي يحقق اهدافها في استعادة أراضيها المحتلة. ونحن نعتبر أنه إذا استطاعت سوريا أن تصل في مفاوضاتها غير المباشرة مع إسرائيل إلى نتائج جيدة تلتقي مع طموحات الشعب السوري الشقيق في استرجاع سيادته على كامل أراضيه، فهذا أمر له انعكاسات إيجابية على النزاع العربي-الإسرائيلي الذي ما يزال لبنان يدفع ثمنا له مباشرة أو مداورة".
سئل: برأيكم، ما الذي يجب القيام به، من اجل محو آثار العملية الاسرائيلية خلال العام 2006، وتطبيع العلاقات مع القدس؟.
أجاب:"إن لبنان متمسك بضرورة تحقيق السلام العادل والشامل والدائم القائم على مبدأ الارض مقابل السلام الذي اقره مؤتمر مدريد والمستند إلى القرارات الدولية ذات الصلة، ولا سيما منها حق العودة للشعب الفلسطيني إلى أرضه وعدم توطينه خارجها. كذلك، فإننا نعتبر أن الاعتداءات الإسرائيلية التي يتعرض لها لبنان من خلال الخروقات المستمرة لسيادته برا وبحرا وجوا يجب أن تتوقف وتلتزم إسرائيل إحترام القرار 1701 والانتقال إلى مرحلة وقف إطلاق النار وليس وقف العمليات العدائية، كما هو حاصل اليوم في الجنوب.
في اي حال اللبنانيون مجمعون على حقهم في استرجاع أرضهم المحتلة، وهم في الوقت نفسه يدعمون أي جهة لتحقيق سلام عادل يستفيد منه لبنان ولا يكون سببا لتحميله المزيد من الاعباء والتداعيات ".
سئل: إن قسما من الرأي العام اللبناني يعارض مسار الحوار بين فرنسا وسوريا. ما هو رأيكم باستراتيجية الرئيس نيكولا ساركوزي المناقضة، في هذا المجال، لسياسة جاك شيراك؟.
أجاب:" دعني أقول لك أولا، أن اللبنانيين يتطلعون دائما إلى علاقة جيدة بين سوريا وفرنسا لأن تاريخ هذه العلاقات كان دائما إيجابيا وإن مرت بمرحلة من الفتور. أضف إلى ذلك ان مصلحة أوروبا تكمن في قيام علاقات ممتازة بين سوريا وفرنسا والدليل على ذلك السعي الذي يقوم به الرئيس ساركوزي في تفعيل مسار برشلونة-الاتحاد من أجل المتوسط.
أما بالنسبة إلى العلاقات بين لبنان وسوريا، فإني سأعمل على أن تستعيد طبيعتها الأخوية ضمن الاحترام المتبادل لسيادة وحدود كل بلد وعلاقات دبلوماسية تعود بالخير لكل منهما".
سئل: لقد تم تمديد مهمة لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال رفيق الحريري ستة اشهر. ما الذي تنتظرونه عملياً.؟
أجاب: ما ننتظره من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان هو معرفة الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه وما تلاها من جرائم، وكشف هوية القتلة والمخططين وإنزال العقوبات بحقهم، وهذا ما أكدت عليه في خطاب القسم لأن اللبنانيين يريدون إظهار الحق وإحقاق العدالة. ونأمل أن يتوصل التحقيق الدولي إلى النتائج المرجوة لا سيما وأن لبنان يقدم كل الدعم المطلوب للجنة التي يرأسها القاضي الكندي دانيال بيلمار، إضافة إلى انه وفى بالتزاماته المادية لإنشاء المحكمة".
سئل: يبدو الجيش، في ظل المشاكل التي تظهر في الشمال، المؤسسة المركزية للدولة اللبنانية. وانتم تتحدرون مباشرة من هذه المؤسسة. هل يجب تعزيز حجم الجيش اللبناني في البلد؟.
أجاب:" أنا معني مباشرة بتعزيز القوات المسلحة اللبنانية على اختلاف أنواعها ولاسيما الجيش، فرئيس الجمهورية هو القائد الاعلى لهذه القوات فضلا عن أني قائد سابق للجيش واعرف جيدا أن الجيش يحتاج إلى تعزيزه عددا وعدة لأن دوره اساسي في المحافظة على السلم الاهلي وعلى الديمقراطية، فضلا عن أن اللبنانيين مجمعين على دعم جيشهم وقواهم المسلحة ويعتبرونه الاساس في قوة الدولة وعدالتها. وفي يقيني أن الاستقرار السياسي هو صنو للاستقرار الأمني وبالتالي فإن المناخات السياسية الإيجابية تساعد كثيرا على ضبط الاوضاع الأمنية. علما ان الاستقرار الامني هو الذي يحرك عملية الاقتصاد وينميها، وبالتالي يحقق الرخاء والازدهار للشعب اللبناني".
سئل: لقد قبلتم مهام رئيس الجمهورية، وهي المهمة الاصعب دون شك في لبنان. ما الذي يحثكم على الاستمرار والثبات في مهمتكم؟.
أجاب:" إن ما يحثني على تحمل مسؤولياتي وقيامي بالمهمة الصعبة كما تصفها، هو إحساسي بالواجب، وحبي لوطني، وقناعتي الراسخة بأن لبنان حاجة عربية وعالمية لأنه بلد له دوره في محيطه والعالم ونموذج للانفتاح واحترام التنوع وحوار الاديان والحضارات والعيش المشترك بين جميع ابنائه".