ارشيف من :أخبار عالمية

رسالة أوباما إلى إيران: كلام مزروع بالألغام والمطلوب تغيير حقيقي في السياسات!

رسالة أوباما إلى إيران: كلام مزروع بالألغام والمطلوب تغيير حقيقي في السياسات!

كتب عقيل الشيخ حسين
الخطاب الذي وجهه الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى "الشعب والقيادة في جمهورية إيران الإسلامية" وصفته وسائل إعلام غربية عديدة بأنه مبادرة تاريخية، وتعبير عن سياسة اليد الممدودة، الأمر الذي يفترض تجاوباً إيرانيا بالمستوى نفسه. وبالفعل جاء التجاوب بالمستوى نفسه، على الصعيد اللفظي، من قبل العديد من المسؤولين الإيرانيين. لكن الردود التي جاءت من مراكز القرار المتمثلة بمرشد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي وبرئيس الجمهورية محمود أحمدي نجاد، والتي لم تذكر رسالة أوباما بالاسم، شددت على ضرورة اقتران الأقوال بالأفعال.. وتساءلت عما إذا كانت اليد الممدودة لا تخفي مخالب فولاذية تحت القفازات المخملية.

والتساؤل مشروع حقاً، إذ منذ بدايات حملته الانتخابية لم يفوت أوباما فرصة دون الحديث عن التغيير، وخصوصاً عن العزم على فتح صفحة جديدة مع إيران. ولكنه مع كل خطوة خطاها نحو البيت الأبيض أظهر ما يكفي من الإشارات الدالة على فراغ لفظة التغيير من المعنى، وهو الأمر الذي اتضح تماماً بعد أن تسلم مقاليد الرئاسة. تشديد على ملاحقة البرنامج الإيراني النووي، تشديد على حماية أمن "إسرائيل"، وتشديد على ضرورة أن توقف إيران دعمها لحركات المقاومة في المنطقة.

وفي ما يتعلق برسالة أوباما "التاريخية"، فمن الممكن اعتصارها بعبارة واحدة: أميركا تمد يدها إلى إيران شرط أن تقوم إيران بتليين مواقفها. ومن الممكن استشفاف التليين المطلوب من خلال مطالب ركزت على ضرورة أن تكف إيران عما أسماه بسياسة "التهديد والوعيد" بـ"العنف والسلاح"، وعن مواصلة برنامجها النووي ودعمها للإرهاب، وأن تعمل باتجاه خلق أوضاع تسمح لإيران وجيرانها ـ وخصوصاً "إسرائيل" بالطبع ـ والعالم أجمع بالتمتع بقدر أكبر من الأمن والسلم.

صحيح أن إيران تعمل بجد على تطوير قدراتها العسكرية، وصحيح أنها تدعم حركات المقاومة في المنطقة، وتمد يدها إلى حركات التحرر في العالم وصولاً إلى أميركا اللاتينية، وصحيح أنها تقوم بتطوير برنامجها النووي وقدراتها العلمية، لكن هل يعني ذلك أنها تعتمد سياسة التهديد؟

معظم الدول المحيطة بإيران تمتلك جيوشاً قوية وأسلحة نووية وتعقد صفقات تسلح ضخمة، ومنها من يلجأ حتى إلى استخدام السلاح المحرم دولياً ضد المدنيين، ومنها من ينشئ برامج نووية شبيهة بالبرنامج النووي الإيراني.. والجيش الأميركي وقوات الأطلسي في وجود مباشر بمئات الألوف من الجنود على مجنبتي إيران في العراق وأفغانستان، إضافة إلى القواعد العسكرية الثابتة في القفقاس ومنطقة الخليج، وإلى الأساطيل التي تجوب الخليج والمحيط الهندي. كما أن حملات التهويش اليومية حول الخطر الإيراني والتهديدات الأميركية والإسرائيلية وغيرها بضرب إيران عسكرياً تملأ الرحب منذ سنوات عديدة.. وهنا يطرح السؤال نفسه بوضوح: من يهدد من؟ والجواب الواضح هو أن أميركا وحلفاءها هي التي تهدد إيران تحديداً لأنها تعتمد سياسة مناهضة للمشروع الأميركي ـ الإسرائيلي في المنطقة.

أما المقابل الذي يعرضه أوباما على إيران فلا يعدو كونه وعوداً من النوع الذي لا يسيل له اللعاب: موقع في أسرة دولية واهنة تدور في الفلك الأميركي، فرص للشراكة والتجارة في وقت تتفكك فيه الشراكات والتجارات تحت وطأة الأزمة المالية التي تفتك بالعالم بدءاً برأسه الأميركي. وحتى عبارات المديح التي كالها أوباما لعظمة الشعب الإيراني وثقافته وتاريخه الحضاري ظلت هزيلة، لأنه لم يشر بكلمة واحدة إلى المنطلق الإسلامي الذي يفسر الحجم الذي تأخذه إيران المعاصرة في المعترك الإقليمي والدولي.

هنالك إذن كلام فيه إيجابيات بحاجة للتحول إلى أفعال: الاعتذار عن الجرائم التي ارتكبتها أميركا بحق إيران وإدخال تغييرات جوهرية وعميقة في السياسة الأميركية، وفي طليعة هذه التغييرات الاعتراف بحق إيران في النهوض على جميع المستويات، وبحق العراق وأفغانستان في الاستقلال، وبحق حركات المقاومة بالتحرك الحر في سبيل التحرر.

هل يمكن لأوباما أن يحرر أميركا من عقدة الالتزام المطلق بـ"إسرائيل" وسياساتها العدوانية، وأن يدفع باتجاه العمل على إنجاح المبادرة العربية على الأقل؟ ذلك يشكل بالتأكيد مدخلاً نحو الصدقية في كلام أوباما. ولكن المعطيات الملموسة لا تدفع حتى الآن باتجاه التفاؤل.

اليد الأميركية الممدودة هي إذن حتى ثبوت العكس، محاولة لكسب الوقت تحت ستار من الكلام المشوب بعسل بلا حلاوة حقيقية. إنه محاولة واضحة للتماسك، في ظل ترنح الاقتصاد الأميركي وفشل المشاريع الأميركية في المنطقة، وفي ظل استقرار وتوطد النظام الإسلامي في إيران برغم عقود من المواجهات الصعبة التي لم تدخر فيه أميركا وحلفاؤها أي جهد من أجل زعزعته وضربه بكل السبل، بما فيها الحربية، وخصوصاً في ظل تحول إيران الحالي إلى قوة إقليمية لها كلمتها الوازنة في جميع الملفات المطروحة.

ولو فرضنا أن أوباما مستعد لإطلاق حوار بناء وقائم على الاحترام المتبادل بين واشنطن وطهران، فإن ذلك يتطلب منه شجاعة استثنائية في التصدي للدوائر الخفية وجماعات الضغط والشركات الأخطبوطية التي تدير دفة السياسة الأميركية، خصوصاً أن هذه القوى سبق لها أن أطاحت بأشكال وصلت أكثر من مرة إلى حد القتل، بكل رئيس أميركي حاول المساس بالأسس الاستكبارية التي قامت عليها أميركا، وخصوصاً بعلاقات التبعية الأميركية المطلقة للسياسات الإسرائيلية بشكل يتنافى حتى مع المصالح الحقيقية لأميركا وشعبها.

الكرة لا تزال إذن في ملعب أوباما، وعلى أوباما أن يحكم بيته الداخلي عن طريق إصلاحه وتحريره إذا كان يريد حقاً أن يفتح صفحات جديدة مع الآخرين.

الانتقاد/ العدد 1339 ـ 27 آذار/ مارس 2009

2009-03-28