ارشيف من :آراء وتحليلات

رسالة أوباما إلى إيران: حوار استراتيجي معقد وصعب

رسالة أوباما إلى إيران: حوار استراتيجي معقد وصعب

كتب مصطفى الحاج علي
يتحول الاستحقاق الانتخابي إلى تفصيل هامشي لا يكاد يعني إلا أولئك المتنافسين على المقاعد النيابية، وذلك بالقياس إلى حجم التحولات التي يشهدها العالم والمنطقة، لا سيما في تعبيرها الأخير المتمثل بالرسالة التي خصص بها الرئيس الأميركي إيران، وعلى نحوٍ غير مسبوق. هذه الرسالة التي حملت أكثر من دلالة وفرضت أكثر من سؤال، الأمر الذي يجعلها تستحق وقفة خاصة.
الإطار السياسي للرسالة:
تشكل الرسالة تجسيداً عملياً للتوجهات الأميركية الجديدة، والتي ما كانت لتكون لولا حجم الإخفاقات والتحديات التي تواجه الولايات المتحدة اليوم، والتي يعود الفضل فيها بالدرجة الأولى إلى حركات المقاومة في المنطقة لا سيما في لبنان وفلسطين، ولذا، وليس من باب المغالاة القول، ان كل ما نشهده اليوم هو من بركة وثمار انتصار المقاومة في تموز في لبنان، وانتصار المقاومة في فلسطين، من دون أن نقلل من حجم المقاومة في العراق أو في أفغانستان، يضاف اليها الوضع الاقتصادي الذي تتفاقم أزمته البنيوية والهيكلية مع الوقت فارضة أولويات وتحديات جديدة.
كما أن هذه الرسالة هي ثمرة نجاح الجمهورية الإسلامية في تأكيد نفسها كقوة إقليمية صاعدة في المنطقة على مختلف الصعد لا يمكن تجاوزها، وبالتالي هي ثمرة لفشل كل السياسات الغربية القائمة على الحصار والعزل والضغط.
دلالات الرسالة:
- جاءت الرسالة من أعلى موقع أميركي وبلسانه في محاولة منها لتأكيد الأهمية والمصداقية والجدية، وللإيحاء بأن قرار الانفتاح هو قرار رئاسي استراتيجي وليس قراراً تكتيكياً.
- اختارت الرسالة مناسبة عيد النيروز الذي يعتبر عيداً قومياً له موقعه الخاص لدى الإيرانيين، لتأكيد الاحترام من جهة، ولتشكل جسراً للوصول إلى عموم الشعب الإيراني من جهة أخرى.
- لم تقسم الرسالة الإيرانيين إلى شعب وقادة على غرار النهج السابق، وإنما توجهت إلى الاثنين، لتأكيد الاعتراف بالنظام الإيراني ولو متأخراً، ولم يكن أمراً تفصيلياً هنا، أن يذكر أوباما إيران باسم الجمهورية الاسلامية، وليس باسم ايران، تأكيداً لما أشرنا إليه.
- حملت الرسالة اعترافاً صريحاً بمكانة الجمهورية الإسلامية ودورها، واعترافاً أيضاً بمصالحها.
- تضمنت الرسالة دعوة واضحة للتعاون من أجل المستقبل.
- لم تخلُ الرسالة من انتقاد لإيران لا سيما لجهة وصفها بالإرهاب، ودعوتها الضمنية للتخلي عن إنتاج السلاح النووي.
الدلالات السياسية للرسالة:
- يمكن اعتبار الرسالة بمثابة إعلان أو ضوء أخضر لانطلاق عملية الحوار بين واشنطن وإيران، وهي تستهدف ـ بالتالي ـ تمهيد الطريق أمام قرار رسمي أميركي من هذا النوع، من خلال إيجاد المناخ الملائم لها.
- لا يمكن عزل الرسالة عن جملة خطوات صغيرة هنا وهناك، تندرج في نطاق استراتيجية الحوار بين البلدين: زيارة وفد رياضي اميركي إلى ايران. قرار المدعي العام الإيراني إطلاق سراح الصحافية الاميركية من أصل إيراني روكسانا صابري، عقد مستشار رئيس الجمهورية الإسلامية أحمدي نجاد، مجتبى هاشمي، لقاءات مع خبراء وأكاديميين اميركيين في أوروبا في سياق مراجعة العلاقات بين إيران والغرب، توجيه وزيرة الخارجية الاميركية دعوة علنية إلى إيران للمشاركة في مؤتمر دول الجوار الخاص بأفغانستان، توجيه رسائل إلى إيران عبر مؤسسات دراسية بأن واشنطن لن تعارض تقارباً إيرانياً ـ سعودياً.
- تقع الرسالة في الطريق إلى جملة محطات من شأنها أن تجمع ممثلين إيرانيين وأميركيين معاً، وبالتالي، يمكن أن تشكل مناسبات لعقد لقاءات ثنائية: مؤتمر منظمة شنغهاي للتعاون في موسكو في 27 آذار الحالي، مؤتمر لاهاي حول أفغانستان في 31 آذار، منتدى تحالف الحضارات في اسطنبول الذي ترعاه تركيا بمشاركة إيرانية، والذي يحل فيه الرئيس الاميركي ضيف شرف، وهناك أخيراً مؤتمر سيعقد حول أفغانستان في إيطاليا في حزيران المقبل.
- قد تكون الإشارات التي تضمنتها الرسالة حول ما حققته إيران من إنجازات هو بمثابة مقدمة للاعتراف بحقها بالتكنولوجيا النووية.
- لا شك، أن الرسالة تشكل محاولة لرمي الكرة في الملعب الإيراني، وبالتالي، هي تحمل طابع الإحراج الديبلوماسي والسياسي، فإذا ما رفضتها إيران ستظهر أمام الرأي العام العالمي بأنها هي من يرفض سياسة اليد المفتوحة بما يبرر أي خطوة عقابية إزاءها، وإذا ما قبلت بسهولة فسيشكل ذلك إحراجاً لصورتها أمام العالم الإسلامي تحديداً. في هذا الإطار، بدا الرد الإيراني دقيقاً، حيث سارع إلى رد  الكرة، داعياً إلى إقران مواقفها بالأفعال وعدم الاكتفاء بالأقوال.
- تحمل الرسالة مؤشراً على وجود استعداد أميركي للانخراط كاملاً في المحادثات التي قد تجريها القوى الكبيرة في المستقبل مع إيران بشأن برنامجها النووي.
- تحمل الرسالة مؤشراً إضافياً على أن الخيار العسكري بدأ بالانحسار، ما يعكس قناعة تتصل بظروف الولايات المتحدة الحالية بأن الخيار العسكري من الناحية الفنية والتقنية البحتة لن يوفر ضمانات أو نجاحات بالنسبة للأميركيين والغرب، هذا إذا كانت المعضلة الاقتصادية ما زالت تسمح به أصلاً.
- أن هذه الرسالة لا بد من أن تخلط الأوراق في المنطقة عموماً ولبنان تحديداً، حيث سيكون على جميع الأطراف الاحتساب بدقة للمسار الجديد للعلاقات الأميركية ـ الإيرانية.
التقدير:
ليست الرسالة هي كل القصة، ومن الخطأ النظر اليها كخطوة مكتملة معزولة عن باقي الخطوات الأميركية: تجديد العقوبات، التلويح بالاحتفاظ بكل الخيارات على الطاولة، ان الجمع بين هذه الأمور، يؤكد، بأن الرسالة هي جزء من عدة الحوار والتفاوض مع إيران، والتي لم تخف الرسالة بعض عناوينها: ما تسميه الإرهاب المعروف بكل مصاديقه، الموقف من الكيان الإسرائيلي، نوع التعاون المطلوب في العراق وأفغانستان، هذه إضافة إلى الملف النووي، وفي المقابل، وضعت إيران، وبلسان سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي خريطة طريق عملية للحوار، ما يعني بدوره أن كل طرف وضع على الطاولة مطالبه بانتظار التفاوض حولها.
باختصار، ثمة مسافة طويلة بين طهران وواشنطن معبّدة بالكثير من الألغام، وسوء الظن، وقطعها لن يكون مستحيلاً، كما أن قطع بعضها لن يكون متعذراً، حيث تبقى هناك ملفات يحكمها التقاء أو تقاطع المصالح المشتركة، يمكن أن تؤسس لتفاهمات مشتركة، يضاف إليها، العلاقات الثنائية بين الاثنين، ثمة حوار استراتيجي بدأ إلا أنه حوار معقد وصعب.
الانتقاد/ العدد 1339 ـ 27 آذار/ مارس 2009

2009-03-28