ارشيف من :آراء وتحليلات
حدث في مقالة: "التحولات" الجنبلاطية وكيف تقرأ المعارضة أبعادها؟

كتب ابراهيم صالح
في رواية موثوقة يتم تداولها في أوساطه ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، قال للبطريرك الماروني نصرالله صفير في زيارته الاخيرة لبكركي، عليك ان تزكي واحداً من اثنين ليكونا على لائحتي في الشوف، فأيهما تختار النائب الحالي جورج عدوان، ام النائب السابق غطاس خوري؟ وحسب الرواية نفسها فإن صفير لم يطل التفكير حتى أجاب: "انني أزكي عدوان".
وبصرف النظر عن دقة الحادثة، فالثابت ان جنبلاط يحاول من خلال هذه الرواية "شرعنة" عملية "التهرب" من إلحاح حليفه النائب سعد الحريري عليه، بأخذ خوري على لائحته، او بمعنى آخر إيجاد غطاء ديني مسيحي يقيه "غضبة" حليفه اذا ما رفض اعتماد مرشحه الماروني في دائرة الشوف.
ويرى الكثير من المراقبين ان "ثورة" جنبلاط على ضغوط حلفائه عليه ومطالبهم منه، والتي ظهرت بينة وصريحة في كلامه اثناء جولة له السبت الماضي في اقليم الخروب، انما هي جزء لا يتجزأ من "نهج" اختطه منذ زمن يفضي الى اظهار تمايزه عن حلفائه ورغبته الدفينة بـ"التحرر" من العلاقة معهم.
والامر هذا لا يتبدى فقط في "اعتراضه" على مطالب حلفائه النيابية وخذلانهم له في الدفاع عنه على هجوم تعرض له في قضية مهجري بريح، ولا يتجسد فقط في ابراز اعتراضات على مواقف اساسية لحلفائه خصوصاً مخالفته لرغبة النائب الحريري في اتباع حكم الاكثرية والاقلية، وهي النغمة التي رفعها وجعلها لازمة لخطابه السياسي منذ فترة، وتأكيده (اي جنبلاط) انه سيشارك في حكومة الوحدة الوطنية المقبلة كائناً من كان الفائز بغالبية المقاعد النيابية، بل ان ثمة رسائل "سياسية" يومية متكررة مضمرة حيناً ومعلنة حيناً آخر يبعث بها جنبلاط الى من يعنيهم الامر من الخصوم والحلفاء على حد سواء، وكانت ذروتها قوله في بعض مجالسه الخاصة انه سيكون له بعد 7 حزيران (يوم الانتخابات) حتماً طريق آخر بعيدا عن حلفائه في الفريق الشباطي.
ولم يعد خافياً ان هذا السلوك المتحول والخطاب المستجد لجنبلاط يثير اولاً حفيظة واستياء حلفائه الذين نصّبوه طوال الاعوام الاربعة المنصرمة ناطقاً بلسانهم، وقائداً اول لهم يقود معركتهم مطاعاً من الجميع وموثوقاً من الحاضنة الخارجية للفريق الشباطي، ويدفع المعارضة الى التوقف ملياً عند أبعاد هذه الحركة السياسية المستجدة لقيادي سياسي اعتاد التبديل والتأرجح بشكل سريع، والى التبصر في خلفيات هذه الحركة وما هو مؤداها، واستطراداً الى اي حدود يمكن للمعارضة الرهان عليها والبناء عليها، نحو ارساء اسس مشهد سياسي مختلف في المرحلة المقبلة.
مما لا شك فيه ان المعارضة على بينة من ان ثمة تباينا لا يمكن لأحد نكرانه بين جنبلاط وحلفائه على خلفية تعارض الرؤى حيال خوض المعركة الانتخابية، سواء بما يتعلق بتركيبة لوائح الفريق "الاكثري" نفسه او بالنسبة للتعاطي مع الفريق المعارض.
وفي التفاصيل ان جنبلاط ضاق ذرعاً بالضغوط عليه لتحميله فوق طاقته في دائرة الشوف اولاً، ثم في دائرة عاليه ثانياً.
والواضح حسب المعلومات ان جنبلاط، "يكظم غيظاً" مصدره ان حليفه الحريري، يتصرف ضمناً على اساس انه الاقدر في دائرة الشوف، وان عليه (اي جنبلاط) الانصياع لمطالبه، وهو ما يعزز "نقزة" تراكمت لدى جنبلاط، ومن ان شريحة كبرى من قاعدته الانتخابية وبالتحديد في اقليم الخروب لم تعد كما في الدورات الانتخابية السابقة في قبضته، وهو واقع يعزز هواجس جنبلاط المستقبلية في ما لو اتى حين من الدهر وتفرقت السبل بينه وبين تيار "المستقبل"، لذا فإن جنبلاط بعدم اخذه سلفاً غطاس خوري (اذا ما حصل) انما يكون يرسم خط اعتراض.
والواضح ايضاً ان جنبلاط لا يجاري حليفه النائب الحريري في الدعوة الى اقفال لوائح الموالاة في دوائر عاليه والبقاع الغربي وحتى صيدا، اذ ينظر جنبلاط الى الامر أبعد من منظار "الانتقام" والثأر و"تصفية" الحسابات القديمة، وهو النهج الذي يتبعه حليفه، فجنبلاط يدرك بأن ثمة تقاليد سياسية لا يمكن تخطيها مهما بلغت الخصومات السياسية، لأن لكسرها نتائج سلبية مستقبلاً، وبالتحديد بالنسبة لزعامة كالزعامة الجنبلاطية التي تنهض على اسس وتوازنات "هشة" وتحالفات دقيقة، تمس بشكل وثيق بثلاث مسلّمات اساسية بالنسبة له وهي:
* امن مجتمع منطقته الجبلية، والمخاوف من المساس به من الخارج والداخل على حد سواء.
* حصته في الحكم والسلطة والموارد المالية الاساسية.
* علاقته الحساسة بالآخر في داخل طائفته واشكالية علاقته بالمحيط، التي لا تبيح له المضي قدماً في اي مواجهة معه، والذهاب الى معركة "كسر عظم" وقطع السبل.
وعليه لم يكن مفاجئاً هذا المشهد الذي شاء جنبلاط لنفسه ان يعممه، وهو (اي جنبلاط) يواجه وجهاً لوجه المحتجين في يوم 15 شباط الماضي، على طريق عاليه الدولي، ويعمل بيده على نزع الحجارة والعراقيل التي وضعت على هذا الطريق.
وعليه ايضاً ليس مفاجئاً ان يكون جنبلاط اكثر الراصدين دقة للتحولات السياسية المتسارعة في المنطقة، والتي افضت حتى الآن الى تهديم اسس معادلة سياسية في الداخل والاقليم، طالما اتكأ عليها جنبلاط في المرحلة السابقة، لكي يحالف من حالفه وقاد معركته، ويخاصم من ناصبه العداء.
وبمعنى آخر بات جنبلاط يفصح في احاديثه الخاصة، عن تأثيرات الانفتاح الاميركي على سوريا، وابعاد "الحوار"الاميركي ـ الايراني، وتداعيات صمود محور "الممانعة" (ايران، سوريا، حزب الله، حركة حماس، الجهاد الاسلامي..) وتداعي محور "الاعتدال العربي" بعدما مني بالكثير من الخيبات، واضطر رمزه الاول الى اسقاط جدران العزلة التي حاول فرضها على سوريا وحلفائها واصدقائها في المنطقة.
ولئن كانت كل هذه العوامل والمستجدات التي تفرض على جنبلاط، هذا السلوك "السياسي الانفتاحي" وارسال هذه الرسائل المشفرة، فالواضح ان المعارضة لا تبني حساباتها وقراءاتها على اساس ان جنبلاط خرج من صفوف حلفائه، ويعتزم الدخول قريباً في حاضنة سياسية اخرى.
فالواضح ان جنبلاط لن يغادر صفوف حلفائه ولوائحهم الانتخابية قبل السابع من حزيران المقبل، لاعتبارات عدة، ولكنه سيبقى يرسل المزيد من الرسائل التي يعتبرها البعض نوعاً من "اوراق الاعتماد" للمرحلة الجديدة، ليحجز مكانه فيها سلفاً، ويعتبرها البعض الآخر اشارات على ان مكانه الحالي قد ضاق به، وان على الآخرين ان يقدموا له ما يغريه ويغويه.
وبالنسبة للمعارضة، تعتقد انها رسمت سلفاً حدود تعاطيها مع الرجل وتحولاته ورسائله، وذلك بناء على الآتي:
ان المعارضة المتمثلة بحركة "امل" و"حزب الله" تعاطت معه بما يتعين عليها ان تتعاطى، فالرئيس نبيه بري يواصل اتصالاته به وتنسيقه السياسي معه، فيما "حزب الله" يعتبر ان المصالحة التي جرت معه كانت كافية لمصلحة الطرفين. اما لجهة تطوير العلاقة سياسيا معه فالامر يحتاج الى التوافق والتفاهم على قضايا وبنود ذات طبيعة "استراتيجية"، وهذا الواقع يحتاج الى المزيد من مبادرات حسن نية والاوراق من قبله.
الانتقاد/ العدد 1339 ـ 27 آذار/ مارس 2009
في رواية موثوقة يتم تداولها في أوساطه ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، قال للبطريرك الماروني نصرالله صفير في زيارته الاخيرة لبكركي، عليك ان تزكي واحداً من اثنين ليكونا على لائحتي في الشوف، فأيهما تختار النائب الحالي جورج عدوان، ام النائب السابق غطاس خوري؟ وحسب الرواية نفسها فإن صفير لم يطل التفكير حتى أجاب: "انني أزكي عدوان".
وبصرف النظر عن دقة الحادثة، فالثابت ان جنبلاط يحاول من خلال هذه الرواية "شرعنة" عملية "التهرب" من إلحاح حليفه النائب سعد الحريري عليه، بأخذ خوري على لائحته، او بمعنى آخر إيجاد غطاء ديني مسيحي يقيه "غضبة" حليفه اذا ما رفض اعتماد مرشحه الماروني في دائرة الشوف.
ويرى الكثير من المراقبين ان "ثورة" جنبلاط على ضغوط حلفائه عليه ومطالبهم منه، والتي ظهرت بينة وصريحة في كلامه اثناء جولة له السبت الماضي في اقليم الخروب، انما هي جزء لا يتجزأ من "نهج" اختطه منذ زمن يفضي الى اظهار تمايزه عن حلفائه ورغبته الدفينة بـ"التحرر" من العلاقة معهم.
والامر هذا لا يتبدى فقط في "اعتراضه" على مطالب حلفائه النيابية وخذلانهم له في الدفاع عنه على هجوم تعرض له في قضية مهجري بريح، ولا يتجسد فقط في ابراز اعتراضات على مواقف اساسية لحلفائه خصوصاً مخالفته لرغبة النائب الحريري في اتباع حكم الاكثرية والاقلية، وهي النغمة التي رفعها وجعلها لازمة لخطابه السياسي منذ فترة، وتأكيده (اي جنبلاط) انه سيشارك في حكومة الوحدة الوطنية المقبلة كائناً من كان الفائز بغالبية المقاعد النيابية، بل ان ثمة رسائل "سياسية" يومية متكررة مضمرة حيناً ومعلنة حيناً آخر يبعث بها جنبلاط الى من يعنيهم الامر من الخصوم والحلفاء على حد سواء، وكانت ذروتها قوله في بعض مجالسه الخاصة انه سيكون له بعد 7 حزيران (يوم الانتخابات) حتماً طريق آخر بعيدا عن حلفائه في الفريق الشباطي.
ولم يعد خافياً ان هذا السلوك المتحول والخطاب المستجد لجنبلاط يثير اولاً حفيظة واستياء حلفائه الذين نصّبوه طوال الاعوام الاربعة المنصرمة ناطقاً بلسانهم، وقائداً اول لهم يقود معركتهم مطاعاً من الجميع وموثوقاً من الحاضنة الخارجية للفريق الشباطي، ويدفع المعارضة الى التوقف ملياً عند أبعاد هذه الحركة السياسية المستجدة لقيادي سياسي اعتاد التبديل والتأرجح بشكل سريع، والى التبصر في خلفيات هذه الحركة وما هو مؤداها، واستطراداً الى اي حدود يمكن للمعارضة الرهان عليها والبناء عليها، نحو ارساء اسس مشهد سياسي مختلف في المرحلة المقبلة.
مما لا شك فيه ان المعارضة على بينة من ان ثمة تباينا لا يمكن لأحد نكرانه بين جنبلاط وحلفائه على خلفية تعارض الرؤى حيال خوض المعركة الانتخابية، سواء بما يتعلق بتركيبة لوائح الفريق "الاكثري" نفسه او بالنسبة للتعاطي مع الفريق المعارض.
وفي التفاصيل ان جنبلاط ضاق ذرعاً بالضغوط عليه لتحميله فوق طاقته في دائرة الشوف اولاً، ثم في دائرة عاليه ثانياً.
والواضح حسب المعلومات ان جنبلاط، "يكظم غيظاً" مصدره ان حليفه الحريري، يتصرف ضمناً على اساس انه الاقدر في دائرة الشوف، وان عليه (اي جنبلاط) الانصياع لمطالبه، وهو ما يعزز "نقزة" تراكمت لدى جنبلاط، ومن ان شريحة كبرى من قاعدته الانتخابية وبالتحديد في اقليم الخروب لم تعد كما في الدورات الانتخابية السابقة في قبضته، وهو واقع يعزز هواجس جنبلاط المستقبلية في ما لو اتى حين من الدهر وتفرقت السبل بينه وبين تيار "المستقبل"، لذا فإن جنبلاط بعدم اخذه سلفاً غطاس خوري (اذا ما حصل) انما يكون يرسم خط اعتراض.
والواضح ايضاً ان جنبلاط لا يجاري حليفه النائب الحريري في الدعوة الى اقفال لوائح الموالاة في دوائر عاليه والبقاع الغربي وحتى صيدا، اذ ينظر جنبلاط الى الامر أبعد من منظار "الانتقام" والثأر و"تصفية" الحسابات القديمة، وهو النهج الذي يتبعه حليفه، فجنبلاط يدرك بأن ثمة تقاليد سياسية لا يمكن تخطيها مهما بلغت الخصومات السياسية، لأن لكسرها نتائج سلبية مستقبلاً، وبالتحديد بالنسبة لزعامة كالزعامة الجنبلاطية التي تنهض على اسس وتوازنات "هشة" وتحالفات دقيقة، تمس بشكل وثيق بثلاث مسلّمات اساسية بالنسبة له وهي:
* امن مجتمع منطقته الجبلية، والمخاوف من المساس به من الخارج والداخل على حد سواء.
* حصته في الحكم والسلطة والموارد المالية الاساسية.
* علاقته الحساسة بالآخر في داخل طائفته واشكالية علاقته بالمحيط، التي لا تبيح له المضي قدماً في اي مواجهة معه، والذهاب الى معركة "كسر عظم" وقطع السبل.
وعليه لم يكن مفاجئاً هذا المشهد الذي شاء جنبلاط لنفسه ان يعممه، وهو (اي جنبلاط) يواجه وجهاً لوجه المحتجين في يوم 15 شباط الماضي، على طريق عاليه الدولي، ويعمل بيده على نزع الحجارة والعراقيل التي وضعت على هذا الطريق.
وعليه ايضاً ليس مفاجئاً ان يكون جنبلاط اكثر الراصدين دقة للتحولات السياسية المتسارعة في المنطقة، والتي افضت حتى الآن الى تهديم اسس معادلة سياسية في الداخل والاقليم، طالما اتكأ عليها جنبلاط في المرحلة السابقة، لكي يحالف من حالفه وقاد معركته، ويخاصم من ناصبه العداء.
وبمعنى آخر بات جنبلاط يفصح في احاديثه الخاصة، عن تأثيرات الانفتاح الاميركي على سوريا، وابعاد "الحوار"الاميركي ـ الايراني، وتداعيات صمود محور "الممانعة" (ايران، سوريا، حزب الله، حركة حماس، الجهاد الاسلامي..) وتداعي محور "الاعتدال العربي" بعدما مني بالكثير من الخيبات، واضطر رمزه الاول الى اسقاط جدران العزلة التي حاول فرضها على سوريا وحلفائها واصدقائها في المنطقة.
ولئن كانت كل هذه العوامل والمستجدات التي تفرض على جنبلاط، هذا السلوك "السياسي الانفتاحي" وارسال هذه الرسائل المشفرة، فالواضح ان المعارضة لا تبني حساباتها وقراءاتها على اساس ان جنبلاط خرج من صفوف حلفائه، ويعتزم الدخول قريباً في حاضنة سياسية اخرى.
فالواضح ان جنبلاط لن يغادر صفوف حلفائه ولوائحهم الانتخابية قبل السابع من حزيران المقبل، لاعتبارات عدة، ولكنه سيبقى يرسل المزيد من الرسائل التي يعتبرها البعض نوعاً من "اوراق الاعتماد" للمرحلة الجديدة، ليحجز مكانه فيها سلفاً، ويعتبرها البعض الآخر اشارات على ان مكانه الحالي قد ضاق به، وان على الآخرين ان يقدموا له ما يغريه ويغويه.
وبالنسبة للمعارضة، تعتقد انها رسمت سلفاً حدود تعاطيها مع الرجل وتحولاته ورسائله، وذلك بناء على الآتي:
ان المعارضة المتمثلة بحركة "امل" و"حزب الله" تعاطت معه بما يتعين عليها ان تتعاطى، فالرئيس نبيه بري يواصل اتصالاته به وتنسيقه السياسي معه، فيما "حزب الله" يعتبر ان المصالحة التي جرت معه كانت كافية لمصلحة الطرفين. اما لجهة تطوير العلاقة سياسيا معه فالامر يحتاج الى التوافق والتفاهم على قضايا وبنود ذات طبيعة "استراتيجية"، وهذا الواقع يحتاج الى المزيد من مبادرات حسن نية والاوراق من قبله.
الانتقاد/ العدد 1339 ـ 27 آذار/ مارس 2009