ارشيف من :آراء وتحليلات
بقلم الرصاص: "يا سامعين الصوت"

كتب نصري الصايغ
فقد الساسة في لبنان، حاسة السمع، اعتادوا حالة الوشوشة والنميمة والاغتياب، الكلام الحقيقي، يقولونه بالسر، كلامهم العلني، في معظمه تسويق لسلعة كلام من ركام.
فقدوا حاسة الإصغاء، عوضوا على ذلك بالهذر من الكلام، وانتقلت عدوى "الطرش" المتعمد إلى كثير من اللبنانيين، صار لديهم إصغاء اختصاصي، ففي مناطق محددة، هذه المحطات التلفزيونية ممنوعة، صاحب "الدش"، يقرر ماذا يجب أن نرى ونسمع، وإذا سمح أحياناً فإن أهل البيت بالسماع أدرى، يمنعون عن سماع ورؤية الشاشة المعادية، كل يطرب على ليلاه، من شاشته كل مساء، وكأن النظر إلى شاشة "معادية" خيانة، تستوجب عراكاً بالأعين وسموم الكلام غير المباح.
أما شاشات البث السياسي، فيقدر أن تستقبل زعيماً يناقش أو يسأل المناظرات ممنوعة، كل زعيم أو مشروع زعيم أو قائد تيار أو رئيس شيء ما، يفرض على الشاشة أن يكون وحده ضيفاً، لا يريد أن يزعجه أحد بسؤال، أو تصويب أو مداخلة، وبالمناسبة مثل هذا الأمر، في الوقت الراهن غير مستحب، إذ يخشى أن يتظاهر المؤيدون (السمِّيعة)، كل في حيه، وينتهي التناظر إلى تنافر، ويفلت حبل الأمن.
شعب يحب السياسة، على منوال الطرب، لا يرغب بسماع رأي غيره، غيره عدو، خائن، كذّاب، لص، فتني، لكل فريق جوقة والناس على دين الطرب السياسي الذي ينحازون اليه.
شعب بالكاد يعقل، وإذا عَقِل، عن جد، اعتقل بتهمة "التفلسف" و"الانحراف"، إما أن تكون معي، أو أن تكون ضدي، خارج الضدين، أنت غير موجود إلا كمية زائدة، عرضة للإهمال، ويعود السبب إلى أن ثقافة الإخفاء باتت معدومة.
من طبيعة السلطة، أنها تحب الإملاء، وتكره الإصغاء، وإذا أحبت أن تسمع، فتحب أن تسمع ما يناسبها، ولهذا، فإن المستشارين في السلطة خصوصاً في الدول المتخلفة، يعرفون ماذا يجب أن يسمع، فيقولون لنتظاهر، فلا يسمعون.
نرفع شعارات، فلا يسمعون.
نكتب، فلا يقرأون، ولا يسمعون.
نتعامل مع القول والقول المضاد، بلغة الاتهام والتخوين وهذا ما تفعله الدكتاتورية، تعاقب الرأي المخالف، تراه خطراً على استقرارها، تراه دنيوية لاستئثارها، الدكتاتورية دين يطاع وعلى المواطنين تأدية فروض الطاعة والصمت والصيام عن الكلام، والحج إلى مواقع السلطة بأقدامنا.
ولقد تحوّلت الشعوب إلى ممارسة هذه الطقوس وتعميمها، فباتت تكفر وتخوّن وتعزل وتنفي وتتهم وتغتال أحياناً حتى يمكن أن يقال إن في داخل كل واحد منا دكتاتور صغير على قياسنا، بتنا محكومين، بدكتاتوريتين: الأولى من الخارج، غصباً عنا، والثانية من الداخل برضانا.
ما ساقني إلى هذه الكتابة محاولة زعماء الدول المتقدمة والديمقراطية، تحسين عملية التواصل والإصغاء بين الزعماء والمواطنين، دشنوا التواصل المباشر، عبر الانترنت، المداخل يبدي رأيه ويسأل والرئيس أو المسؤول يجيب بالاحترام المفروض على الجميع.
فيا سامعين الصوت.. من يرد علينا؟
ويا أيها المصابون بالطرش الاختياري.. آذانكم لا تقاس بطولها دلالة على ذكائكم.. بل بعمقها، دلالة على تفهمكم.
ملاحظة: ان حكامنا وساستنا، يعطون آذانهم كثيراً لكلام السفارات وزعماء العالم، لهذا، ما زلنا، نطالب بالسيادة والحرية والاستقلال، ألف. باء. جيم. وهكذا دواليك..
الانتقاد/ العدد 1339 ـ 27 آذار/ مارس 2009
فقد الساسة في لبنان، حاسة السمع، اعتادوا حالة الوشوشة والنميمة والاغتياب، الكلام الحقيقي، يقولونه بالسر، كلامهم العلني، في معظمه تسويق لسلعة كلام من ركام.
فقدوا حاسة الإصغاء، عوضوا على ذلك بالهذر من الكلام، وانتقلت عدوى "الطرش" المتعمد إلى كثير من اللبنانيين، صار لديهم إصغاء اختصاصي، ففي مناطق محددة، هذه المحطات التلفزيونية ممنوعة، صاحب "الدش"، يقرر ماذا يجب أن نرى ونسمع، وإذا سمح أحياناً فإن أهل البيت بالسماع أدرى، يمنعون عن سماع ورؤية الشاشة المعادية، كل يطرب على ليلاه، من شاشته كل مساء، وكأن النظر إلى شاشة "معادية" خيانة، تستوجب عراكاً بالأعين وسموم الكلام غير المباح.
أما شاشات البث السياسي، فيقدر أن تستقبل زعيماً يناقش أو يسأل المناظرات ممنوعة، كل زعيم أو مشروع زعيم أو قائد تيار أو رئيس شيء ما، يفرض على الشاشة أن يكون وحده ضيفاً، لا يريد أن يزعجه أحد بسؤال، أو تصويب أو مداخلة، وبالمناسبة مثل هذا الأمر، في الوقت الراهن غير مستحب، إذ يخشى أن يتظاهر المؤيدون (السمِّيعة)، كل في حيه، وينتهي التناظر إلى تنافر، ويفلت حبل الأمن.
شعب يحب السياسة، على منوال الطرب، لا يرغب بسماع رأي غيره، غيره عدو، خائن، كذّاب، لص، فتني، لكل فريق جوقة والناس على دين الطرب السياسي الذي ينحازون اليه.
شعب بالكاد يعقل، وإذا عَقِل، عن جد، اعتقل بتهمة "التفلسف" و"الانحراف"، إما أن تكون معي، أو أن تكون ضدي، خارج الضدين، أنت غير موجود إلا كمية زائدة، عرضة للإهمال، ويعود السبب إلى أن ثقافة الإخفاء باتت معدومة.
من طبيعة السلطة، أنها تحب الإملاء، وتكره الإصغاء، وإذا أحبت أن تسمع، فتحب أن تسمع ما يناسبها، ولهذا، فإن المستشارين في السلطة خصوصاً في الدول المتخلفة، يعرفون ماذا يجب أن يسمع، فيقولون لنتظاهر، فلا يسمعون.
نرفع شعارات، فلا يسمعون.
نكتب، فلا يقرأون، ولا يسمعون.
نتعامل مع القول والقول المضاد، بلغة الاتهام والتخوين وهذا ما تفعله الدكتاتورية، تعاقب الرأي المخالف، تراه خطراً على استقرارها، تراه دنيوية لاستئثارها، الدكتاتورية دين يطاع وعلى المواطنين تأدية فروض الطاعة والصمت والصيام عن الكلام، والحج إلى مواقع السلطة بأقدامنا.
ولقد تحوّلت الشعوب إلى ممارسة هذه الطقوس وتعميمها، فباتت تكفر وتخوّن وتعزل وتنفي وتتهم وتغتال أحياناً حتى يمكن أن يقال إن في داخل كل واحد منا دكتاتور صغير على قياسنا، بتنا محكومين، بدكتاتوريتين: الأولى من الخارج، غصباً عنا، والثانية من الداخل برضانا.
ما ساقني إلى هذه الكتابة محاولة زعماء الدول المتقدمة والديمقراطية، تحسين عملية التواصل والإصغاء بين الزعماء والمواطنين، دشنوا التواصل المباشر، عبر الانترنت، المداخل يبدي رأيه ويسأل والرئيس أو المسؤول يجيب بالاحترام المفروض على الجميع.
فيا سامعين الصوت.. من يرد علينا؟
ويا أيها المصابون بالطرش الاختياري.. آذانكم لا تقاس بطولها دلالة على ذكائكم.. بل بعمقها، دلالة على تفهمكم.
ملاحظة: ان حكامنا وساستنا، يعطون آذانهم كثيراً لكلام السفارات وزعماء العالم، لهذا، ما زلنا، نطالب بالسيادة والحرية والاستقلال، ألف. باء. جيم. وهكذا دواليك..
الانتقاد/ العدد 1339 ـ 27 آذار/ مارس 2009