ارشيف من :آراء وتحليلات

مقابلة الأسد وكلام فيلتمان: لبنان من سوريا غيره من واشنطن

مقابلة الأسد وكلام فيلتمان: لبنان من سوريا غيره من واشنطن
كتب مصطفى الحاج علي
التزامن ـ الصدفة بين مقابلة الرئيس السوري بشار الأسد مع جريدة السفير، وكلام مساعد وزيرة الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان في الكونغرس الأميركي، وفر معطيات كافية لقراءة الواقع اللبناني استناداً إلى النهج الخاص بكل من دمشق وواشنطن في مقاربة هذا الواقع، وتحديد رؤية كل منهما لمصالحه، ولا يخفى أن للبنان موقعا هاما في حسابات كل منهما: دمشق لاعتبارات الجيوبولتيك، وواشنطن لاعتبارات تخص موقع لبنان في الرؤية الشاملة لها لاستراتيجيتها في المنطقة، ولصلته في حسابات التوازنات والأوراق التفاوضية. إضافة أن واشنطن لا تستطيع أن تهمل لبنان لاعتبارات تخص الأمن الاستراتيجي للكيان الإسرائيلي  الذي ترى أنه بات مهدداً بفعل قوة المقاومة التي فيه.
ومع العودة إلى نصوص المقابلة وكلام فيلتمان يمكن إجراء المقارنة التالية:
ـ يؤسس الرئيس السوري لمنهج تعاط جديد مع لبنان يقوم على خطوط عامة، وثوابت محددة، نائياً بنفسه عن التفاصيل التي اعتبر أنها كانت أحد الأخطاء السابقة لتجربة العلاقة السورية مع لبنان.
في المقابل، نجد فيلتمان يصول في التفاصيل اللبنانية، فهو يضع خريطة طريق خاصة بالأطراف التي يعمل على تجييشها لمصلحة واشنطن: تدخل سافر في الشأن المسيحي ـ المسيحي مبني على رهان غلبة مسيحيي 14 آذار على مسيحيي التيار الوطني الحر، تدخل سافر في الوضع الشيعي من خلال الإشارة إلى سعي واشنطن إلى اصطياد مواقع نافرة فيه، وإعادة قولبتها في قالب الاعتدال لتصبح صالحة للعب دور في مقابل أمل وحزب الله.
الهدف واضح هنا: العمل على اضعاف المقاومة من خلال تفسيخ بيئتها المباشرة، وذلك بالضد تماماً مع الرئيس الأسد الذي يعتبر دعم المقاومة شرطاً لعلاقة سوية مع دمشق.
ـ من المهم للرئيس الأسد أن يحكم لبنان بالتوافق، وأن تكون القرارات الخاصة بمواضيع رئيسية حاصلة على الاجماع، وفي هذا الإطار، يدرج دعوته إلى ضرورة أن تكون حكومة الوحدة الوطنية هي من يجب أن يحكم مرحلة ما بعد الانتخابات، الإصرار هنا منشؤه الادراك والحرص على أن الطريق الوحيد للاستقرار في لبنان هو هذا المنهج في الحكم، وكل ما عدا ذلك هو مشروع عدم استقرار سياسي واجتماعي يبقي لبنان مفتوحاً على كل الاحتمالات، في أوقات جد دقيقة وحساسة.
في المقابل، يدعم فيلتمان الحكم الأكثري ممثلاً بأتباعه في فريق 14 آذار، وإذا كان العكس، أي إذا ما فازت المعارضة بالأكثرية، فالتهديد بإعادة النظر بالمساعدات جاهز، وكأن اللبنانيين يأكلون المن والسلوى من هذه المساعدات.
يعرف الأميركي، أن ديموقراطية الأكثرية في لبنان هي كسر لوضعه الميثاقي، وتجاوز لحدود توازناته السياسية والطائفية والاجتماعية الهشة أصلاً، ما يعني بكل بساطة فتح صندوق باندورا لبناني، وبالتالي وضع لبنان في مهب عدم الاستقرار المفتوح على كل شيء.
ـ لا يلتفت الرئيس السوري إلى الانتخابات النيابية، ولا يراها نهاية الدنيا لأن المهم لديه هو النتيجة الأخيرة، أي ما يحفظ الاستقرار وتوازن المصالح، بينما نجد فيلتمان يضع دفتر شروط للانتخابات، ويدخل على خطها بقوة، ليؤثر على نتائجها، والمفارقة هنا، أن فريق الرابع عشر من آذار لم يجد في كلام فيلتمان ما يعتبره تدخلاً سافراً في الشؤون اللبنانية الداخلية، في حين لوى عنق كلام الأسد ليجد تدخلاً كهذا هو ليس في أصل الكلام، فالأسد عندما حدد شرط الاجماع لم يكن يحدد شرطاً للبنانيين، وإنما شرطا لسوريا، وهذا من حقها كدولة ترى أن ذلك هو الطريق الأسلم لضمان مصالحها.
ـ خلاصة الكلام هنا، أن من يقرأ في سطور مقابلة الأسد كلها، وفي سطور كلام فيلتمان، يدرك أن لبنان ـ على الأقل ـ حتى الآن، ما زال بعيداً عن تفاهمات أو توافقات حاسمة حوله، وأنه ما زال موضع أخذٍ وردّ، ربما، من الآن، وحتى ما بعد الانتخابات النيابية، حيث إن نتائجها هي التي ستقرر شكل التفاهم أو عدمه، إلا إذا رأى الجميع، وانطلاقاً من توازن رعب متبادل، أنه لا بد من تحييد لبنان عن صراعات المنطقة عبر تفاهمات قبل الانتخابات، تجد ترجمتها لاحقاً في حكومة وحدة وطنية على غرار الحكومة الحالية، باعتبارها الشرط الضروري واللازم لتمديد حالة التهدئة والاستقرار.
الانتقاد/ العدد 1339 ـ 27 آذار/ مارس 2009
2009-03-28