ارشيف من :آراء وتحليلات

نقطة حبر: الصبر كسلاح

نقطة حبر: الصبر كسلاح
كتب حسن نعيم
حياة الانسان عرضة لأنواع شتى من الابتلاءات والمصائب والامتحانات. في غمرة هذه الامتحانات  يدرك الانسان ما لا يدركه في العادي من الأيام. إننا هنا إزاء  معرفة أخرى ممهورة بالمعايشة والاكتواء بنار التجربة. أثناء الابتلاء  يدرك الواحد منّا كم هو ضعيف إزاء قسوة المعطيات الحياتية التي تواجهه، وعندما يمرض أو يهرم أو يفقد صديقاً أو قريباً أو حبيباً.
الصبر هو السلاح الأمضى لمواجهة هذا التحالف الوثيق بين الوهن في النوع البشري وغوائل الأيام, لهذا ربط الاسلام الحنيف بين الصبر والإيمان بأوثق الوشائج وقرن بينهما في سورة العصر التي يقول فيها عز من قائل  "والعصر إن الإنسان لفي خسر إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"، وقد جاء ذكر الصبر في القرآن الكريم أكثر من مئة مرة مرتباً الفلاح عليه وحده "وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً".  "أولئك يجزون الغرفة بما صبروا، ويلقون فيها تحية وسلاماً".  "سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار".
وترجع عناية القرآن البالغة بالصبر إلى ما له من قيمة كبيرة في الحياتين الدنيا والآخرة، فالصبر ليس  من الفضائل الثانوية، بل من الضرورات اللازمة التي لا انفكاك للإنسان عنها، فلا نجاح في الدنيا ولا نصر ولا تمكين إلا بالصبر، ولا فلاح في الآخرة ولا فوز ولا نجاة إلا بالصبر، فلولا صبر الزارع والعالم والمقاتل وغيرهم ما ظفروا بمقاصدهم.
قلّما قلبت خلقاً أو فضيلة إلا وجدت أساسها وركيزتها الصبر، فالعفة: صبر عن شهوة الفرج والعين المحرمة، وشرف النفس: صبر عن شهوة البطن، وكتمان السر: صبر عن إظهار ما لا يحسن إظهاره من الكلام، والزهد: صبر عن فضول العيش، والقناعة: صبر على القدر الكافي من الدنيا، والحلم: صبر عن إجابة داعي الغضب، والوقار: صبر عن إجابة داعي العجلة والطيش، والشجاعة: صبر عن داعي الفرار والهرب، والعفو: صبر عن إجابة داعي الانتقام، والجود: صبر عن إجابة داعي البخل، والكيس: صبر عن إجابة داعي العجز والكسل. كل ذلك يدلنا على دوران الأخلاق الحميدة كلها  حول الصبر وارتباط مقامات الدين كلها به، فعلى الرغم من اختلاف الأسماء إلاّ أن هناك اتحاداً في المعنى يميط اللثام عن هذه الفضيلة الربّانية التي أكد الله سبحانه وتعالى على اعتمادها منهجاً وسبيلاً في هذه الحياة. يقول الشاعر:
لا تيأسنّ وإن طالت مطالبـــــــــــة                  إذا استعنت بصبر أو ترى فرجا
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته                  ومدمن القرع للأبواب أن يلجـا
الانتقاد/ العدد 1339 ـ 27 آذار/ مارس 2009
2009-03-28