ارشيف من :أخبار لبنانية
نعم ... "شرق أوسط جديد" يصنعه الأقوياء وليس الضعفاء والعملاء...

كتب جوزف أبو فاضل
الرسالة التي وجهها الرئيس الأميركي باراك اوباما الى القيادة والشعب الإيرانيين في الجمهورية الإسلامية في إيران بمناسبة عيد النيروز الذي هو رأس السنة الإيرانية – الفارسية ستكون بمثابة خارطة الطريق التي ستعتمدها الإدارة الأميركية الجديدة في مقاربتها للوضع الإيراني بشكل خاص وللأوضاع في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، ما سيرسم خارطة جديدة للمنطقة تعيد تركيب التحالفات والأدوار. حيث يمكننا القول أننا على أبواب صياغة شرق اوسط جديد يصنعه الأقوياء فيه بالتفاهم مع القوى العالمية وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية برئاسة أوباما.
وهو من دون شك سيكون "شرق اوسط جديد" مختلف عن الشرق الأوسط الذي سعت اليه الإدارة الأميركية السابقة برئاسة جورج بوش ونائبه ديك تشيني ووزيرة خارجيته كونوليزا رايس وحاولت فرضه بالقوة... من حرب تموز 2006 على لبنان والمقاومة فدمر "الجيش الذي لا يقهر" الحجر والمرافق العامة بأسلحة فتاكة أميركية متطورة لكنّه لم يدمّر البشر، فبقيت المقاومة وازدادت صلابة وقوة في الدفاع عن لبنان وعروبته وشعبه وارضه فكان النصر المبين الذي تحلّق حوله كلّ الشرفاء، الى الحرب على غزة والمقاومة الفلسطينية (حماس والجهاد الإسلامي والفصائل الفلسطينية) في الكانونين (2008- 2009) في نهاية عهد بوش الذي ذهب الى منزله خائباً معتذراً من الضحايا التي سقطت في منطقتنا باعتبار انّ "أجهزة إستخباراته قد أعطته معلومات كاذبة عن العراق...".
السنيورة ... والوجنتين والقبلة
أما قمّة الوقاحة أو "البلطجة" فقد تمثلت بالموقف الأميركي إبّان عدوان تموز في لبنان، عندما قامت كوندوليزا رايس بزيارة بيروت وتحديداً السرايا الحكومي (قبل حفلة السندويشات لأركان قوى 14 شباط في السفارة الأميركية) وطبع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة قبلته على وجنتيها "الجميلتين" شاكراً لها جهودها ومساعيها في إنضاج ولادة "الشرق الأوسط الجديد" وذلك على اشلاء الشهداء والضحايا في أقصى الجنوب اللبناني الصامد الى أقصى الشمال ومن اقصى ساحله الى أقصى شرقه ولم ترحم الرضّع والأطفال والنساء الحوامل والمسنيّن في خلال الثلاثة والثلاثين يوماً بما تملك من قدرات وحشية وبربرية وهمجية... وإذا عدنا فنرى أنّ رسالة الرئيس الأميركي باراك أوباما قد ركزّت على ثلاث مسائل أساسية بعد الخيبات والفشل والتراجع الذي أصاب الإدارة الأميركية السابقة وهذه المسائل الثلاث هي:
المسألة الأولى:
التزام الولايات المتحدة الأميركية التخلّي عن إستعمال القوة والحروب تجاه معارضي سياستها في الشرق الأوسط وإعتماد الدبلوماسية والحوار كاسلوب عمل للإدارة الأميركية الجديدة لمواجهة المشاكل القائمة سواء مع سوريا أم مع إيران وحلفائهما الكثر...
إنّ الإنفتاح نحو سوريا بدأ مع الأيام الأولى لوصول أوباما الى السلطة، وإيفاده بطريقة رسمية مبعوثين لفتح قنوات إتصال وحوار معها لمعالجة المشاكل القائمة حيث تملك سوريا دوراً مؤثراً في قضايا الشرق الأوسط في لبنان وفلسطين والعراق. لكن حسب ما نراه أنّ الترجمة العملية ستتمثّل بأمرين هما:
عودة السفير الأميركي قريباً الى سوريا بعد قطيعة استمرّت منذ ربيع العام 2005
إستعداد جدّي من الإدارة الأميركية لرعاية مفاوضات مباشرة بين سوريا واسرائيل بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة تمكّن سوريا من استعادة أراضيها المحتلّة في الجولان وفق الحدود التي تمسّك بها الرئيس الراحل حافظ الأسد وأعاد التشبّث بها خلفه ونجله الرئيس الدكتور بشّار الأسد.
إيران ومفاوضات اثينا
أمّا فيما خصّ إيران فلم تكن هذه الرسالة مفاجئة للإيرانيين إذ تفيد المعلومات المتوفرة أنّ حواراً بين مسؤولين إيرانيين وأميركيين منذ منتصف شهر شباط الفائت 2009، وذلك في العاصمة اليونانية اثينا، حيث عالج المفاوضون كافة المسائل الخلافية من دون الوصول الى نتائج وحلول لها، حيث أن المفاوضين يدركون جيداً عمق الخلافات القائمة التي تستلزم أشهر وربما سنوات للوصول الى حلول لها، لكن إبّان مرحلة المفاوضات لا بدّ من التهدئة وتبريد الأجواء، وفي هذا السياق أتت رسالة الرئيس الأميركي باراك أوباما للإيرانيين، وهذه سابقة لم تحصل مع أي رئيس أميركي تجاه إيران.
كما سبق هذه الرسالة العلنية رسالة سريّة بعثها الرئيس أوباما الى القيادة الإيرانية بواسطة رئيس الحكومة التركي رجب الطيّب أردوغان حيث تسلمّها الرئيس االإيراني محمود أحمدي نجاد، وهو ما شجعّه على إرسال الرسالة العلنية في عيد "النيروز".
المسألة الثانية
أكدّ اوباما في رسالته المتلفزة والتي ترجمت فوراً من ذات المحطة الأميركية وفي ذات الوقت الى اللغة الفارسية، انّه مستعّد لطي صفحة الخلافات التي استمرّت ثلاثين عاماً، وأنّه مقدّرٌ لعظمة إيران ودورها ومشيداً بانجازاتها وهو ما يمكن تفسيره انّه إقرار ضمني بحق إيران في إمتلاك التكنولوجيا النووية واستخدامها لأغراض سلمية. بحيث يكون الرئيس الأميركي باراك أوباما في رسالته هذه قد سلّف الإيرانيين ورقة مهمّة.
هذا، وقد ردّت القيادة الإيرانية بشخص مرشد الجمهورية الإسلامية ولي الفقيه السيّد على الخامنئي بأنّ إيران هي أيضاً مستعدّة لتغيير موقفها تجاه الولايات المتحدة الأميركية في حال عمدت الإدارة الأميركية الى تباع أقوالها بأفعال ملموسة.
عليه ينتظر الإيرانيون من إدارة الرئيس اوباما خطوتين اساسيتين قبل إنطلاق المفاوضات بشكل رسمي وفعلي وهاتين المسألتين هما:
مسارعة الولايات المتحدة الأميركية الى فتح قسم تجاري وقنصلي داخل السفارة السويسرية في ايران نتيجة قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الى ان تأتي تلك الساعة وذلك اليوم لعودة العلاقات العادية بينهما.
الرفع الجزئي للعقوبات الإقتصادية والمالية التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية على إيران والتي سبق وأعاد أوباما تجديدها في بداية آذار الحالي 2009 لمدة عام كامل،وهو أمر بسيط جداً مقابل المفاوضات المباشرة التي تجري بينهما بناء لطلب اوباما الذي مددّ للعقوبات الإقتصادية والمالية على إيران ذاتها.
المسألة الثالثة
هي المسألة الأساسية والمفصلية إذ اكدّ أوباما دعم الولايات المتحدة الأميركية لإيران أن تأخذ مكانها ومكانتها بين الدول، وأرفق ذلك بأنّ هذا الأمر لن يتحقق باعتماد إيران الحروب والإرهاب وفق تعبيره الذي يهدف من ورائه للإحتفاظ ببعض الأوراق للمفاوضات لاحقاً.
فمكانة إيران ودورها لا بدّ أن يكون كبيراً ويتجاوز نطاقها الجغرافي ليشمل نطاقها الإستراتيجي، تماماً كما هو النطاق الإستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية.
فلا يمكن للولايات المتحدة الأميركية أن تتذرّع وتدّعي أنّ لها مصالح استراتجية وحيوية في منطقة الشرق الأوسط التي تبعد عنها جغرافيا آلاف الأميال، وتمنع ذلك عن إيران، فلإيران مصالح استراتجية والولايات المتحدة على إستعداد للإقرار بهذه المصالح في حال التفاهم مع إيران.
رسالة اوباما هي الكوّة التي ستهدم الجدار – جدار العداء الذي أقامتها الإدارة الأميركية السابقة مع كلّ من سوريا وإيران وستدخل المنطقة مرحلة جديدة ستترك آثارها وبصماتها على مُجمل الوضع القائم.
14 شباط وخطابات... لا جدوى من أرشيفها
في ظلّ هذا الوضع الجديد أين لبنان؟ وكيف سيتأثر بما يجري من حوله؟
الجواب انّ كلّ ما سمعناه طيلة الأربع سنوات والأشهر الماضية على لسان قادة 14 شباط قد أصبح جزء من الماضي يحفظه أرشيف الصحف ووسائل الإعلام المختلفة ليكون شاهداً على سذاجة أو عمالة معظم اركان هذا الفريق الذي فضّل السلطة على الدولة.
الإنتخابات النيابية القادمة ستكون محكومة بمفاعيل التسويات في المنطقة، بحيث تأتي منسجمة ومتوافقة معها: توزيع السلطة وفقاً لأحجام القوى المؤثرة والفاعلة التي ثبتتْ في مواقفها، وجازفت بمستقبلها عن قناعة وراهنت على صوابية مواقفه الوطنية. ولم تجرفها قيد أنملة وعود السلطة والتسلّط التي كانت تنزل من حيرات جورج بوش وجاك شيراك، لكن هذه التسوية ستنصف هذه القوى التي حافظت على لبنان بحيث ستعطيها دورها وموقعها.
عنّ كلّ ما نسمعه اليوم ونراه ونشاهده من مهرجانات وخطابات وحشود وتحالفات ومستقلين،
قد اصبح أيضاً جزء من ارشيفنا والذي ربما قد نرجع اليه يوماً وربما لا لزوم لذلك..؟
القمّة العربية وانعكاسها على الإنتخابات النيابية
أمّا الواقع الجديد العملاني الذي ستدخله المنطقة في الأشهر القليلة القادمة فيتمثّل من بداياته بمؤتمر القمّة العربية في الدوحة آخر شهر آذار الحالي 2009، والذي سيرسم خارطة طريق الإنتخابات النيابية اللبنانية القادمة، فيكرّس وجود ثلاث قوى أساسية وفاعلة ستتمثّل بكلّ من:
حزب الله برئاسة الأمين العام سماحة السيّد حسن نصرالله، وحركة أمل برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه برّي وذلك على الساحة الشيعية.
التيار الوطني الحرّ برئاسة الجنرال ميشال عون وهو صاحب الحصّة الأكبر وبتيار المردة برئاسة الوزير سليمان فرنجية، والكتلة الشعبية برئاسة الوزير ايلي سكاف، والكتلة الأرمنية برئاسة حزب الطاشناق وذلك على الساحة المسيحية.
تيار المستقبل برئاسة النائب سعد الحريري وذلك على الساحة السنيّة في حال إستفاق بسرعة عن أخطاء بنى حساباته عليها، وعاد الى قراءة تاريخية وجغرافية للواقع اللبناني تُحتّم عليه إنتهاج خطة جديدة تستند الى العلم السياسي والحكمة اللتان تحلاّ بهما والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
الخاسرون ورياح التفاهم
أمّا الخاسرون فماذا سأقول لهم وفي مقدمهم القوات اللبنانية برئاسة الهيئة التنفيذية سمير جعجع وغبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، وما تبقّى من "لقاء قرنة شهوان" لن يكون أمامهم سوى الإعتزال والإعتكاف بانتظار ظروف قد تكون لمصلحتهم، ولكن لا نعرف متى ستكون هذه الظروف، فالمنجمّون لا يرونها في العقود القادمة... لكن ربما تكون في القرون القادمة "والله علاّم الغيوب".
أمّا بالنسبة لرئيس الحزب التقّدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط فهو يلتزم الهدوء في هذه المرحلة. فهو تراجع عن كل الكلام الذي قاله في السنوات الماضية وهو كلام كان يمكنه الإستغناء عنه وهو الذي يستشهد دائماً بكتب والده الشهيد كمال جنبلاط (أدب الحياة) فربما يتمكّن النائب جنبلاط من الإحتفاظ بحجمه الحقيقي، وذلك بعدما شغل طيلة السنوات الماضية حجماً وموقعاً أكبر منه على الصعيد السياسي.
لبنان إذاً سيتعرض في الأشهر القادمة لرياح التفاهم الإقليمي التي أطلقت عبر لقاء الرياض الرئاسي المؤلف من الملك السعودي عبدلله بن عبد العزيز آل سعود، والرئيس السوري الدكتور بشار الأسد، والرئيس المصري حسني مبارك، وأمير كويت الشيخ صباح الأحمد صباح.
أتت رسالة الرئيس الأميركي باراك أوباما المتلفزة لتعززّ الرسالة الأولى العربية وتوسّع نطاقها فتشمل إيران. ولتعيد تصويب الأمور لدى بعض العرب الذين يصرّون عن قلّة حنكة في السياسة عبر إستبعاد إيران الدولة العظمى في المنطقة لا بل معاداتها!