ارشيف من :أخبار لبنانية

خاص الانتقاد.نت: الشيخ الكفعمي شامخاً بنتاج أضاء بلاد الشام والعراق وخراسان ومقامه عاد مقصداً للزوار ومركزاً للعبادة

خاص الانتقاد.نت: الشيخ الكفعمي شامخاً بنتاج أضاء بلاد الشام والعراق وخراسان ومقامه عاد مقصداً للزوار ومركزاً للعبادة

كتبت أمل شبيب
خاص الانتقاد.نت: الشيخ الكفعمي شامخاً بنتاج أضاء بلاد الشام والعراق وخراسان ومقامه عاد مقصداً للزوار ومركزاً للعبادةتحتضن بلدة "جبشيت" في جبل عامل رفات عالم كبير، رفد المكتبات والحوزات بنتاج علمي لا يزال الى يومنا هذا مصدراً ومرجعاً لطلبة العلم والباحثين، وعلى واحدة من تلال البلدة يشمخ مقام الشيخ الجليل ابراهيم بن علي العاملي الكفعمي ويشمخ معه تاريخ طويل من العلوم أضاء بلاد الشام والعراق وخراسان، وكان مقام الشيخ الكفعمي شهد إهمالاً امتد لسنوات بسبب الظروف التي مرّت على جنوب لبنان منذ منتصف القرن العشرين، وأعادت البلدية مؤخراً تجديده وترميمه ليعود مرة ثانية مقصداً للزوار ومركزاً للعبادة كما كانت سيرته الأولى منذ دفنه في المكان.
"الانتقاد.نت" زارت مرقد الشيخ الكفعمي وتذكرت انجازاته العلمية.
بين حجارة هذا المقام يتربع قبر قديم نقش على لوحته الرخامية "هذا قبر الشيخ إبراهيم بن علي الكفعمي رحمه ‏الله" وبحسب التأريخ يقول الباحث والكاتب "ديب هاشم" إن الشيخ ابراهيم بن علي العاملي الكفعمي كان واحداً من أهم الفقهاء والمتحدثين الذين عرفهم تاريخ جبل عامل، ولد في كفر عيما سنة 840 هجرية، حيث قبره ومقامه الآن، من أسرة علمية مثقفة دينياً كسائر علماء جبل عامل، والده الشيخ علي الكفعمي، وهو يعتبر واحد من علماء الدين عبر التاريخ الذين وظّفوا ووجهوا أبناءهم لخدمة الدين الإسلامي من خلال العلم والمعرفة، لُقِّب بتقي الدين نظراً لمكانته الدينية والروحية، ونتيجة شغفه بالعلم والبحث والاهتمام بشؤون الدين انتقل الشيخ ابراهيم الكفعمي الى العراق حيث استقر فيه لفترة طويلة اكمل خلالها دراسته الدينية والحوزوية وأمضى جزءاً منها في الكتابة والتأليف.
لا يزال التاريخ حافظاً لحياة هذا الشيخ الجليل، ويشير الباحث "ديب هاشم" الى ان الشيخ الكفعمي كان قد تتلمذ على يد مجموعة مهمة من الأساتذة ممن حفظهم التاريخ وذكرت اسماؤهم في كتب الرجال والتراجم ومن جملتهم: علي بن حسن الكفعمي اي والده، وكان هو من أعطاه إجازة نقل الرواية، والسيد حسين بن مساعد الحسيني، صاحب كتاب تحفة الأبرار في مناقب الأئمة الأبرار، والسيد علي بن عبد الحسين الموسوي الحسيني، صاحب كتاب دفع الملامة عن علي عليه‏السلام في ترك الإمامة.
عاشى الشيخ ابراهيم الكفعمي ما يقارب الـ65 سنة قضاها في التأليف والكتابة، فكتب الرسائل وألّف الكتب العلمية في مختلف المواضيع، ووضع بعض الكتب من تأليفه تختص بالأدعية والزيارات، وهي حتى اليوم لا تزال دليلا على زهده وقوة ايمانه وتقواه والتزامه الفكري والعلمي بالأئمة الأطهار (ع)، حتى وصلت مجموع مؤلفاته الى 49 مؤلفاً ذكرها السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة، وأهمها:
1. جنة الأمان الواقية والجنة الباقية أو مصباح الكفعمي، أما سبب تسميته بالمصباح فهو مشابهته لكتاب مصباح المتهجد للشيخ الطوسي، واشتهر بمصباح الكفعمي لكي لا يشتبه بمصباح المتهجد، وفيه يعرّف الكفعمي نفسه بأنه حارثي نسبة الى حارث الهمداني الصحابي الجليل لمولى المتقين الإمام علي أمير المؤمنين.
2. الجنة الواقية، مختصر المصباح.
3. البلد الأمين والدرع الحصين، وهو من أكبر مؤلفاته، وهو أوسع حجماً من المصباح ولو أنه يشابهه من حيث المحتوى.
4. الفوائد الطريفة الشريفة في شرح الصحيفة السجادية.
5. المقصد الأسنى في شرح الأسماء الحسنى.
6. محاسبة النفس اللوامة وتنبيه الروح النوامة.
7. نهاية الأدب في أمثال العرب، في مجلدين، وقد صرح كبار العلماء بأنه أفضل كتاب ألف في هذا المجال.
8. قراضة النضير، وهو خلاصة تفسير مجمع البيان.
9. لمع البرق في معرفة الفرق.
10. زهر الربيع في شواهد البديع.
11. فروق اللغة.
12. سفط الصفات في شرح دعاء السمات.
خاص الانتقاد.نت: الشيخ الكفعمي شامخاً بنتاج أضاء بلاد الشام والعراق وخراسان ومقامه عاد مقصداً للزوار ومركزاً للعبادةوغيرها من الكتب والمؤلفات التي تدلّ على غزارة هذا العالم وتاريخه في الكتابة والتأليف.
تنوّع اهتمام الشيخ الكفعمي العملي والديني، فعدا عن تأليف الكتب الدينية، ترك مساحة خاصة للحياة الشعرية، وأهمها قصيدة في أمير المؤمنين الإمام علي(ع) يصف فيها عيد الغدير بمئة وتسعين بيتاً يقول فيها:
هنيـئاً هنيـئاً ليـوم الغـديـرِ ويومِ الحُبور ويـوم السـرورِ
ويـوم الـكمـال لدين الإلـه وإتـمـامِ نعمـةِ ربٍّ غفـورِ
ويـومِ العقـود ويوم الشهـود ويـومِ المـدود لصنو البشيـرِ
ويـوم الفلاح ويـوم النجـاح ويـوم الصـلاح بكل الأمـورِ
ويـوم الإمـارة للمـرتضـى أبي الحسنَيـنِ الإمـامِ الأميـرِ
علـيِّ الوصـي وصي النبـي وغـوثِ الوليّ وحتف الكَفُـورِ
وغيـثِ المُحول وزوج البتـول وصنو الرسول السراج المنيـرِ
إمامِ البـلاد وسـاقي العـبـاد بـيـوم المعـاد بعـذبٍ نميـرِ
أميـر السرايـا بـأمـر النبـي وليـس عليـه بهـا مـن أميـرِ
تَـرى ألـفَ عبـد لـه مُعتَقـاً ويختار في القُوت قرصَ الشعيرِ
وفي مدحه نزلت «هـل أتى» وفي ابنَيـهِ والأمِّ ذاتِ الطَّهـور
وآيُ الـتبـاهـل دلّـت علـى مقـامٍ عـظيـم ومجـدٍ كبيـرِ
وأولادُه الغـرّ سُـفْـن النجـاة هـداةُ الأنـام إلـى كـلِّ نـورِ
لم يقتصر اهتمام الشيخ الكفعمي على الكتابة والتأليف، بل كان خير الأساتذة لتعليم الرسالة الإسلامية الدينية التي عمل لحفظها طوال فترة حياته، فتتلمذ على يده وفكره ودينه وأدبه مجموعة من علماء الدين عرف منهم السيّد علي بن عبد الحسين بن سلطان الموسوي الحسيني صاحب كتاب رفع الملامة عن عليّ عليه السّلام في ترك الإمامة، والشيخ شمس الدين المشغري.
وبعد سنوات طويلة من الكتابة والعلم والعمل في مجال الدين والأدب عاد من العراق من كربلاء ليلبي نداء ربّه فتوفي ودفن في مسقط رأسه في الكفعمي في جبشيت، وخلال السنوات الطويلة التي مرّت عرف هذا المقام اهمالاً نتيجة ظروف مختلفة عاشها جبل عامل وقراه، حتى أعادت بلدية جبشيت برئيس بلديته فؤاد فحص إعادة إعمار وترميم هذا المقام الذي بقي حتى رغم إهماله مقصداً ومزاراً للناس يقصدونه من مختلف القرى والبلدات الجنوبية، ويتعرّفون الى سيرة حياته.
ولم يغفل التاريخ حقّه فكتب الكثير عنه وقيل الكثير عنه ليبقى الشيخ ابراهيم الكفعمي الملقب بـ "تقي الدين الكفعمي" حاضراً بفكره وخلقه ومؤلفاته، وليكون نتاجه مدرسة في الدين ايضاً، ومن جملة ما قيل عنه وما قاله المجلسي بأن "الشيخ الكفعمي من مشاهير الفضلاء والمحدّثين والصلحاء المتورعين، وكان بين الشهيد الأول والثاني رضي الله عنهم، وله تصانيف كثيرة في الدعوات وغيرها".
كما قال عنه "صاحب رياض العلماء" الشيخ الأجل الفاضل الكامل الفقيه المعروف بالكفعمي من أجلّة علماء الأصحاب، وكان عصره متصلاً بزمن إسماعيل الصفوي وله اليد الطولى في أنواع العلوم لا سيما العربية والأدب، جامع حافل كثير التتبع وكان عنده كتب كثيرة جداً وأكثرها من الكتب الغريبة اللطيفة المعتبرة، وسمعت أنه ورد المشهد الغروي على مشرِّفه السلام وأقام به مدة وطالع في كتب خزانة الحضرة الغروية، ومن تلك الكتب ألف كتبه الكثيرة في أنواع العلوم المشتملة على غرائب الأخبار وبذلك صرح في بعض مجاميعه التي رأيتها بخطه، وكان واسع الاطلاع طويل الباع في الأدب سريع البديهة في الشعر والنثر كما يظهر من مصنفاته خصوصاً من شرح بديعيته حسن الخط وجد بخطه كتاب دروس الشهيد قدس سره فرغ من كتابته سنة 850 هـجرية، وعليه قراءته وبعض الحواشي الدالة على فضله، ورأيت بعض الكتب بخطه في بعض خزائن الكتب في كربلاء سنة 1353هـجرية".
ونختم بما قال عنه الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة: "ان الشيخ الكفعمي كان ثقة فاضلاً أديباً شاعراً عابداً ورعاً".
هذه سيرة رجل واحد من رجال قرى جبل عامل الدينية الذين حفظوا الإسلام ايماناً وعقلاً وفكراً وقيماً، وهم يستحقون وقفات عزّ نسترجعها من التاريخ لتبقى حاضرة في هذا الزمن.

2009-03-30