ارشيف من :أخبار عالمية

استراتيجية أوباما الجديدة بخصوص أفغانستان: إصرار على استكمال استراتيجية بوش القديمة

استراتيجية أوباما الجديدة بخصوص أفغانستان: إصرار على استكمال  استراتيجية بوش القديمة

كتب عقيل الشيخ حسين
قبل وصوله إلى الرئاسة، وعد باراك أوباما في حملته الانتخابية بإعطاء أفغانستان أولوية خاصة في سياسته الخارجية. وفور وصوله إلى البيت الأبيض، أمر بإجراء مراجعة واسعة للسياسة الأميركية في أفغانستان، وعيّن ريتشارد هولبروك مبعوثاً خاصاً لواشنطن في أفغانستان وباكستان، على أمل أن يحقق نجاحاً شبيها بذاك الذي حققه من خلال رعايته لاتفاقيات دايتون التي أنهت الحرب في البوسنة في تشرين الثاني/ نوفمبر 1995. وقد اهتم هولبروك بتلك المراجعة التي اسفرت عن وضع الخطوط العريضة للاستراتيجية الأميركية الجديدة في أفغانستان، أو ما يعرف باسم استراتيجية أوباما في أفغانستان. كما قام بمناقشتها مع سفراء البلدان الستة والعشرين الأعضاء في الحلف الأطلسي وبلدان الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين.

نحن إذاً إزاء استراتيجية مدروسة بشكل جيد من قبل حشد كبير من المسؤولين. لكن هذه الاستراتيجية، وإن سميت بالـ"جديدة"، تظل قديمة من حيث سعيها إلى تجاوز الفشل الذي تراكم طيلة تسع سنوات من حرب لم تحقق أي هدف من أهدافها. وإذا كان لا بد من وجود جديد فيها، فإن هذا الجديد يتمثل بالسعي إلى تشكيل مجموعة الاتصال حول أفغانستان وباكستان. وهذه المجموعة يفترض أن تضم، وفق ما يقوله أوباما، جميع الأطراف ذات المصلحة في إقامة سلام دائم وتحقيق الأمن والتنمية في أفغانستان. أما تلك الأطراف، ـ والكلام دائماً لأوباما ـ فتشتمل على حلفاء أميركا في الحلف الأطلسي وحلفاء آخرين في آسيا الوسطى والخليج، إضافة إلى الهند وأطراف غير حليفة هي إيران وروسيا والصين. أي جميع القوى الفاعلة على الساحة الدولية.

ولا بد من الإشارة، إلى أن هذه الأطراف ذات المصلحة تعرف جيداً أن هدف الاهتمام الأميركي بأفغانستان هو شيء آخر غير الشعار المتمثل بتحقيق الأمن للشعب الأفغاني. من هنا، وبالنظر إلى كون المصلحة الأميركية في الهيمنة هي الهدف الأساسي لذلك الاهتمام، فإن الأطراف ذات المصلحة المدعوة للمشاركة في مجموعة الاتصال لن تكون إيجابية إلا بمقدار ما تضمن لها المشاركة تأمين مصالحها. بكلام آخر، هنالك أثمان باهظة لا بد للأميركيين من دفعها خصوصاً لغير الحلفاء، إذا كانوا يرغبون فعلاً في إيجاد تسوية من النوع الذي يقتضيه واقع الحال. أي من النوع الذي يسلّم فيه الأميركيون بهزيمتهم ويوظفون سعيهم باتجاه تأمين خروج من أفغانستان يحفظ ماء وجههم على أكثر تقدير. لكن الاستراتيجية الجديدة تطمح في الحقيقة إلى وضع اليد على أفغانستان، والسؤال هو حول ما إذا كان بإمكان الأميركيين أن يدفعوا تلك الأثمان لهذا العدد الكبير والمتطلب من الأطراف، وحول ما إذا كانوا يرغبون فعلاً في دفع تلك الأثمان التي تنتقص من النصر المطلوب أو حتى تفرغه من مضمونه بشكل كامل.

وعلى هذا، تكون يد أوياما ممدودة لا بهدف المصافحة بل بهدف المضي قدماً نحو تحقيق الانتصارات التي كان الرئيس بوش واثقاً من قدرته على تحقيقها. وبهذا المعنى، لاحظ روبرت كاغان، وهو أحد صقور المحافظين الجدد، وجود "شحنة تواصلية" كبيرة في الأهداف بين بوش وأوباما، ووصف هذا الأخير بأنه "رائع" لأنه يتبع مسار بوش تحت وابل من التصفيق العالمي، بينما كان بوش يتضاءل تحت وابل من الإدانات.

استراتيجية اوباما الجديدة ليست إذاً غير استعادة للاستراتيجية القديمة مع حقنها بعناصر قوة جديدة. أول تلك العناصر هو إعلان أوباما نيته إرسال 17 ألف جندي أميركي إضافي إلى أفغانستان، مع الإلحاف الشديد في مطالبة الحلفاء بالقيام بخطوات مشابهة. لكن إرسال قوات جديدة، قد يعني أيضاً رفع منسوب الخسائر البشرية في صفوف هذه القوات. لا بد إذاً من استخدام هذه القوات في عمليات عسكرية مكثفة وتحييدها عن المهام الأمنية التي يفترض أن تقوم بها قوات الشرطة المحلية والجيش الأفغاني. من هنا تقضي الاستراتيجية الجديدة رفع عديد الجيش الأفغاني من 80 ألفاً إلى 240 ألفاً، ورفع عديد عناصر قوى الأمن إلى 200 ألف شرطي. لكن ذلك لا يحلّ المشكلة بالنظر إلى النقص في فاعلية هذه القوات في ظل تعددية ولاءاتها الاتنية والقبلية. ولحل هذه المشكلة ينوي أوباما إنشاء مركز تأهيل مشترك للشرطة والجيش يقوم عليه ما يتراوح بين 2000 و3000 مدرب غربي لا يبدو أن الغرب جاهز لتأمينهم بسهولة، ففرنسا مثلاً لم تطب نفسها، بعد لأي، إلا بإبداء الاستعداد لإرسال 150 عنصراً للمشاركة في تلك المهمة.

لكن حل المشكلة الأمنية في المناطق الأفغانية الخاضعة للسيطرة، لا يعني كبير شيء فيما لو تحقق. فالحلفاء يجمعون على أن المشكلة لا يمكن أن تحل إلا عبر باكستان التي تحولت، على ما يقولون، إلى خزان لا ينضب لإمداد المقاومة الأفغانية بالرجال والعتاد. لذا فإن المطلوب من باكستان هو التصدي لمتطرفيها الذين باتوا يشكلون "سرطاناً خبيثاً" لا يهدد أفغانستان والولايات المتحدة وحسب، بل يهدد أمن باكستان واستقراره بالدرجة الأولى. وفي المقابل، تحصل باكستان على مبلغ 1،25 مليار دولار سنوياً ولمدة خمس سنوات، أي ما يساوي ثلاثة اضعاف المساعدة التي تقدمها واشنطن إلى إسلام آباد.

هذا بالنسبة للشق الأمني، لكن للاستراتيجية شقاً آخر، مدنياً هذه المرة، وهو عبارة عن محاولة لخطب ود الشعب الأفغاني من خلال مساعدات في مجالات التعليم والصحة والزراعة.

فبالإضافة إلى ثلاثة دولارات يتم دفعها إلى كل منزل في مناطق المواجهات، تسعى الاستراتيجية إلى ضرب ما تسميه أحد مصادر تمويل طالبان، أي زراعة المخدِّرات، عبر استبدالها تدريجياً بزراعات معيشية. وقد دللت التجارب السابقة على فشل هذا التوجه لأن المزارعين كانوا يقبضون المساعدات ويواصلون زراعة الأفيون.  

هنالك إذاً، بالإضافة إلى مجموعة الاتصال، شق عسكري يتم بموجبه إرسال المزيد من القوات، وشق يتعلق بزج باكستان في المواجهة، وشق يتعلق باستمالة الشعب الأفغاني. وكل ذلك محفوف بالمخاطر، ما يعني أن أفضل الاستراتيجيات بالنسبة لأميركا هو ترك أفغانستان لأهلها، والاهتمام ببيتها الداخلي المنهار تحت ضربات الأزمة المالية الطاحنة.
الانتقاد/ العدد 1340 ـ 3 نيسان/ أبريل 2009

2009-03-30