ارشيف من :أخبار لبنانية
"نظام 14 آذار" مصطلح جديد في قاموس فريق البيال: "الاقتصاد" عنوان جديد في حملة الموالاة الانتخابية على المعارضة

كتب محمد الحسيني
أطلق زعيم أكثرية الموالاة النائب سعد الحريري سلسلة مواقف، جاء أهمها خلال محاضرة ألقاها في "مركز الأبحاث المستقل حول القضايا الدولية" في لندن (تشاتهام). وكانت هذه المواقف بمثابة محطة في إطار التحرك الداخلي والخارجي الذي تقوم به "قوى البيال" سعياً لاستجماع ما أمكن من عناصر انتخابية - بشرية في الدرجة الأولى، خصوصاً بعد أن ثبت لديه ولدى حلفائه أن المواقف التصعيدية ومعسول الكلام من وراء البحار لم يؤدِّ مبتغاه، فكيف الحال اليوم وبوصلة الحوارات والزيارات الأميركية والأوروبية قد اتجهت إلى دمشق وطهران اللتين لم تعودا من "محور الشر" في الأدبيات السياسية الأميركية، بل شريكتين في صنع مستقبل المنطقة.
"مصيرية" الانتخابات
ولكن هل استوعب النائب الحريري هذه التحولات الجديدة؟ يبدو أن النائب الخائف على زعامة فريقه لما يُحط بعد بجوانب المسألة، حيث لا يزال يروّج لمعزوفات قديمة صاغها أتباعه، فيما بدأ بعض الحلفاء يعدّلون من اللهجة استشرافاً للمعادلة التي ستستجد بعد السابع من حزيران، موعد الانتخابات النيابية. ولعل تركيز الحريري على "حماية إنجازات ثورة الأرز" وربطها "بشكل كبير بنتائج الانتخابات النيابية المقبلة"، باعتبار أن هذه الانتخابات "مصيرية وتاريخية وستحدد الوجهة المستقبلية لبلدنا"، على حد قوله.
وبرغم أن هذه المواقف تحمل طابعاً تجييشياً، إلا أنها تعكس حالة خوف حقيقية من السقوط. ومن هنا يمكن تبرير وتفسير استخدام قوى الموالاة لكل أنواع التعبئة، بدءاً من إثارة المخاوف من الاندثار والتحريض واستقدام الغائب واستحضار المستقيلين من بلادهم، وكل ذلك خدمة للصوت الانتخابي. واختار الحريري مصطلحاً جديداً في وصفه لركيزة المعركة المصيرية القادمة بالحديث عن "النظام الجديد الذي تبلور في 14 آذار" بعناوينه القديمة: "السيادة والاستقلال والديموقراطية". وأضاف إليها كلمة "الاعتدال"، كعبارة غربية محببة.
لبنان المحايد بأي ثمن؟
وكما في كل محطة يشعر فيها الشباطيون بالحرج على المستوى الشعبي، تعود معزوفة المحكمة الدولية والمحور السوري ـ الإيراني القديمة المتجددة لتحذر من خطورة عودة لبنان إلى حظيرة الحكم السوري سياسياً اذا فازت قوى 8 آذار. وكأن هذا الفريق ما زال يعيش خارج المرحلة ولا يرى قوافل الزائرين التي تحج إلى دمشق، ولا يسمعون ابتهالات المتقربين إلى حزب الله وطهران.. وكأنهم لا يريدون التصديق أن العالم والمنطقة دخلت في طريق بعكس الاتجاهات الغربية السابقة.
ولكن يبدو أن الحريري يأمل من خلال تركيزه على هذا الجانب، الاستفادة من رواسب حملة العام 2005 التي جاءت في ظل وهج دماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فضلاً عن تبيان "حسنات" الانسحاب السوري وصدور القرار 1701، وتأكيد تحييد لبنان عن الصراعات والتوترات في منطقة الشرق الأوسط، وهي عناوين راج استخدامها منذ ما قبل وخلال وبعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز 2006، لتشكل الخطوط العريضة لقاموس السياسة الشباطية المتماهية مع النمط الأميركي. ولكن لبنان المحايد الذي يريده هذا الفريق ليس موجوداً على أرض الواقع، ولا يمكن أن يحظى بفرصة الوجود ما دام هذا البلد كان وما زال قطب الرحى والرقم الصعب في المعادلة الإقليمية والدولية.
الاقتصاد عنوان الهجمة الجديدة
لقد حاول النائب الحريري في معظم محطاته المحلية والخارجية أن يكرّس مقولة فصل قوى المعارضة عن الانتماء الوطني، واندفع قدماً في هذا الاتجاه ليعلن رفض المشاركة في أي حكم تحت لواء قوى 8 آذار، ليلاقي بذلك دعوات المعارضة الى التوافق والمضي معاً في إدارة شؤون البلد. ولئن كان موقفه يعبّر عن حنق سياسي، إلا أنه في الوقت نفسه يترجم قناعاته وسياسة الفريق الذي يقوده، بناء على نهج الاستئثار ورفض منطق الشراكة الوطنية. وبرغم تعديل موقفه في لندن من خلال إعلانه التطلع اذا فازت الموالاة إلى "تشكيل حكومة متناغمة في ما بينها وتعكس نتائج الانتخابات، وفي حال لم نفز سنكون في المعارضة"، إلا أنه عاد إلى اعتماد المنطق الاستئثاري نفسه من خلال التحذير بويل أكبر، بالتحذير من أنه "في حال فازت قوى 8 آذار فإن لبنان سيواجه أوقاتاً صعبة جداً تهدد استمرارية نموه الاقتصادي".
إن التجني الجديد يحمل بحد ذاته دعوة الى تشكيل نوع من جدار العزل، وافتراء كبير يجرّه بحق قوى المعارضة، في استحضار مقنّع لشعارات كانت الموالاة قد رفعتها خلال تنفيذ القوى الوطنية اعتصامها في الوسط التجاري في بيروت. وهذا يؤكد أن قوى الموالاة لا توفر أي وسيلة لاستنقاذ نفسها من التهاوي، ومحاولة تقوية أوراقها في اللعبة الانتخابية المقبلة. ويظهر من خلال تتبع مؤشر المجريات التي حصلت في الفترة القليلة الماضية، أن هذه المحاولات ستأخذ أشكالاً أقسى، خصوصاً مع بدء تمظهر التشتت الشباطي على بيدر الحسابات الانتخابية. وبالتالي فإن الساحة المحلية مرجحة إلى أن تشهد مفاجآت متوقعة، لا سيما على مستوى إعادة تشكيل الاصطفافات على المقلب الشباطي، ما سينعكس حكماً على إعادة تشكل القوى السياسية وهوية النظام السياسي في لبنان، والذي لن يكون أبداً على شاكلة نظام 14 آذار.
الانتقاد/ العدد 1340 ـ 3 نيسان/ أبريل 2009