ارشيف من :أخبار عالمية
تأجيل اضطراري للعدوان العسكري على الفلسطينيين: "إسرائيل" تلعق تهديداتها
كتب يحيى دبوق
خيم نوع من الارتباك على القرار الإسرائيلي الذي حشرت القيادة الإسرائيلية نفسها فيه، فهي التي أطلقت التهديدات والوعود، وأصرت على المقولة المبتذلة التي رددها القادة الإسرائيليون في الأسابيع الماضية، والتي اشتدت في الأيام الأخيرة، من انه لا مفر من عملية عسكرية واسعة النطاق على قطاع غزة "تجتث الإرهاب الفلسطيني".
إلى حين صدور قرار "إسرائيل" الرسمي المتوقع، عن المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية، بمشاركة كل من أولمرت وباراك وليفني والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، والمشتمل على إعطاء فرصة إضافية للوسيط المصري لإنهاء مفاوضاته حول التهدئة مع الفلسطينيين، تنازع الإسرائيليين اتجاهان معلنان، الأول تمثل في قبول التهدئة والثاني في القيام بعمل عسكري واسع ضد غزة. بينما أشار التسويف والتأجيل واجترار المواقف إلى انه ليس في حيازة "إسرائيل" خيارات فعلية سوى الانتظار وتكرار المواقف "الفارغة" من مضمونها.
من جهة أولى، يخيم الفشل الإسرائيلي في حرب تموز عام 2006 ضد حزب الله، على متخذي القرار الإسرائيلي، الأمر الذي يدفعهم إلى التروي قبل اتخاذهم أي قرار، سواء لجهة التهدئة أو بشكل أشد لجهة التصعيد العسكري، فلا يمكن لـ"إسرائيل" ما بعد فشلها في لبنان أن تقوم بحملة عسكرية واسعة النطاق، حتى ضد قطاع غزة المحدود القدرات العسكرية نسبيا، لتعود من بعدها إلى واقع ميداني وسياسي شبيه بواقعها ما قبل الحملة. أي بعبارة أخرى، لا يمكنها شن عملية عسكرية لا تحقق نتائج كاملة ودون مخرج سياسي ملائم، وكما يعبر بعض المعلقين العسكريين الإسرائيليين، فإن النتيجة ستكون "إعلانا للنصر من قبل الفلسطينيين"، وهو نصر من ناحية عملية، غير مشكوك فيه.
من جهة ثانية، تعتبر تهديدات ما قبل القرار الإسرائيلي، أي بالتروي لحين انجاز المصريين وساطتهم، التي لا يبدو أنها ستنتهي، نوعا من الصراخ الفارغ في هواء لا يقوى على حمل الترددات الصوتية التي توصله إلى الطرف الآخر، أي للفلسطينيين، وهي نوع من التهديد غير المشبع بعناصر ميدانية مساعدة، وهو ما تدركه الفصائل الفلسطينية جيدا، والتي من ناحية أخرى لا مفر لها إلا أن تواجه إمكان تحول التهديدات الإسرائيلية إلى أفعال عسكرية، إذ أنها غير قادرة على القبول بالتهدئة المطروحة إسرائيليا والتي تعني في محصلتها النهائية استسلاما للإسرائيليين وتحقيقا لنتائج الحملة العسكرية الإسرائيلية بوسائل سلمية ومن دون خسائر إسرائيلية.
ما بين هذا وذاك، إلى أين تتجه الأمور في ظل "تأجيل" الإسرائيليين لقراراتهم العسكرية، وغير العسكرية أيضا؟.
لا يبدو ان في الأفق القريب حلا للمسألة، فالفلسطينيون من جهتهم يدركون أن قدرهم التصبر على الحصار والتعامل معه كحقيقة واقعة، وعليهم التكيف معها إلى حين "استسلام" إسرائيل للتهدئة المشرفة لهم. بينما يدرك الإسرائيليون انه لا يمكنهم القبول بالتهدئة كما هي مطروحة من قبل المصريين، ولا يمكنهم أيضا الشروع في عملية عسكرية من الثابت عدم نجاعتها. بل إن المصريين أساسا، وهم "شركاء" للإسرائيليين في الخشية من الانتصار الفلسطيني في القطاع، يدركون أنه لا يمكنهم التمادي في طرح مطالب غير ممكنة فلسطينيا، وإلا سيعانون بدورهم من ردود فعل غير محسوبة النتائج تنطلق من القطاع، ليس أقلها إعادة فتح المعابر نحو مصر بالقوة..
إذاً، يعني القرار الإسرائيلي الأخير، وللمفارقة انه صدر برغم معارضة "معظم وزراء المجلس الوزاري المصغر"!، كما يشير المراسلون الإسرائيليون، إلى أن الحكومة الصهيونية قد اختارت التهدئة الساخنة على التهدئة الباردة، بمعنى أن الأمور ستبقى على ما هي عليه إلى حين حدوث تغييرات دراماتيكية تدفع الفلسطينيين إلى قبول الشروط الإسرائيلية... علماً أن التغييرات الدراماتيكية، التي لا تملك "إسرائيل" تحديد مساراتها بمفردها، قد تكون دافعة للإسرائيليين، وليس للفلسطينيين، للقبول بالشروط الفلسطينية..
والى حين ذلك، ستبقى "إسرائيل" تُسمع صراخها بين الحين والآخر من انه "لا مفر من عملية عسكرية ضد الفلسطينيين".. وعلينا الاعتياد على هذا الصراخ، الذي سنسمعه بالتأكيد تكرارا في المستقبل المنظور.
الانتقاد/ العدد 1272ـ 13 حزيران/ يونيو 2008
خيم نوع من الارتباك على القرار الإسرائيلي الذي حشرت القيادة الإسرائيلية نفسها فيه، فهي التي أطلقت التهديدات والوعود، وأصرت على المقولة المبتذلة التي رددها القادة الإسرائيليون في الأسابيع الماضية، والتي اشتدت في الأيام الأخيرة، من انه لا مفر من عملية عسكرية واسعة النطاق على قطاع غزة "تجتث الإرهاب الفلسطيني".
إلى حين صدور قرار "إسرائيل" الرسمي المتوقع، عن المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية، بمشاركة كل من أولمرت وباراك وليفني والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، والمشتمل على إعطاء فرصة إضافية للوسيط المصري لإنهاء مفاوضاته حول التهدئة مع الفلسطينيين، تنازع الإسرائيليين اتجاهان معلنان، الأول تمثل في قبول التهدئة والثاني في القيام بعمل عسكري واسع ضد غزة. بينما أشار التسويف والتأجيل واجترار المواقف إلى انه ليس في حيازة "إسرائيل" خيارات فعلية سوى الانتظار وتكرار المواقف "الفارغة" من مضمونها.
من جهة أولى، يخيم الفشل الإسرائيلي في حرب تموز عام 2006 ضد حزب الله، على متخذي القرار الإسرائيلي، الأمر الذي يدفعهم إلى التروي قبل اتخاذهم أي قرار، سواء لجهة التهدئة أو بشكل أشد لجهة التصعيد العسكري، فلا يمكن لـ"إسرائيل" ما بعد فشلها في لبنان أن تقوم بحملة عسكرية واسعة النطاق، حتى ضد قطاع غزة المحدود القدرات العسكرية نسبيا، لتعود من بعدها إلى واقع ميداني وسياسي شبيه بواقعها ما قبل الحملة. أي بعبارة أخرى، لا يمكنها شن عملية عسكرية لا تحقق نتائج كاملة ودون مخرج سياسي ملائم، وكما يعبر بعض المعلقين العسكريين الإسرائيليين، فإن النتيجة ستكون "إعلانا للنصر من قبل الفلسطينيين"، وهو نصر من ناحية عملية، غير مشكوك فيه.
من جهة ثانية، تعتبر تهديدات ما قبل القرار الإسرائيلي، أي بالتروي لحين انجاز المصريين وساطتهم، التي لا يبدو أنها ستنتهي، نوعا من الصراخ الفارغ في هواء لا يقوى على حمل الترددات الصوتية التي توصله إلى الطرف الآخر، أي للفلسطينيين، وهي نوع من التهديد غير المشبع بعناصر ميدانية مساعدة، وهو ما تدركه الفصائل الفلسطينية جيدا، والتي من ناحية أخرى لا مفر لها إلا أن تواجه إمكان تحول التهديدات الإسرائيلية إلى أفعال عسكرية، إذ أنها غير قادرة على القبول بالتهدئة المطروحة إسرائيليا والتي تعني في محصلتها النهائية استسلاما للإسرائيليين وتحقيقا لنتائج الحملة العسكرية الإسرائيلية بوسائل سلمية ومن دون خسائر إسرائيلية.
ما بين هذا وذاك، إلى أين تتجه الأمور في ظل "تأجيل" الإسرائيليين لقراراتهم العسكرية، وغير العسكرية أيضا؟.
لا يبدو ان في الأفق القريب حلا للمسألة، فالفلسطينيون من جهتهم يدركون أن قدرهم التصبر على الحصار والتعامل معه كحقيقة واقعة، وعليهم التكيف معها إلى حين "استسلام" إسرائيل للتهدئة المشرفة لهم. بينما يدرك الإسرائيليون انه لا يمكنهم القبول بالتهدئة كما هي مطروحة من قبل المصريين، ولا يمكنهم أيضا الشروع في عملية عسكرية من الثابت عدم نجاعتها. بل إن المصريين أساسا، وهم "شركاء" للإسرائيليين في الخشية من الانتصار الفلسطيني في القطاع، يدركون أنه لا يمكنهم التمادي في طرح مطالب غير ممكنة فلسطينيا، وإلا سيعانون بدورهم من ردود فعل غير محسوبة النتائج تنطلق من القطاع، ليس أقلها إعادة فتح المعابر نحو مصر بالقوة..
إذاً، يعني القرار الإسرائيلي الأخير، وللمفارقة انه صدر برغم معارضة "معظم وزراء المجلس الوزاري المصغر"!، كما يشير المراسلون الإسرائيليون، إلى أن الحكومة الصهيونية قد اختارت التهدئة الساخنة على التهدئة الباردة، بمعنى أن الأمور ستبقى على ما هي عليه إلى حين حدوث تغييرات دراماتيكية تدفع الفلسطينيين إلى قبول الشروط الإسرائيلية... علماً أن التغييرات الدراماتيكية، التي لا تملك "إسرائيل" تحديد مساراتها بمفردها، قد تكون دافعة للإسرائيليين، وليس للفلسطينيين، للقبول بالشروط الفلسطينية..
والى حين ذلك، ستبقى "إسرائيل" تُسمع صراخها بين الحين والآخر من انه "لا مفر من عملية عسكرية ضد الفلسطينيين".. وعلينا الاعتياد على هذا الصراخ، الذي سنسمعه بالتأكيد تكرارا في المستقبل المنظور.
الانتقاد/ العدد 1272ـ 13 حزيران/ يونيو 2008