ارشيف من :أخبار لبنانية
آية الله فضل الله: أمريكا ومعها الاتحاد الأوروبي لا تحترم إلا الأقوياء أما الضعفاء فلا موقع لهم في احترام حقوقهم الحيوية

ألقى آية الله سماحة السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
في المشهد العربي، تذكّر القادة العرب "القيم والتقاليد العربية النبيلة"، فأرادوا للقمة الأخيرة أن تؤكد "الالتزام بالتضامن العربي"، والارتقاء بالعلاقات العربية نحو أفقٍ أرحب... فإذا بهذه العلاقات تدخل في مرحلة جديدة تقترب فيها الزعامات من بعضها فيما يشبه العلاقات الشخصية، وتغيب فيها الاستراتيجيات التي تبرز فيها الشعوب العربية بطاقاتها الكبرى وإمكاناتها العظمى، لتدافع عن وجودها ومستقبلها في ظل الاستباحة الاستكبارية والصهيونية لأرضها وأمنها، وحتى لقراراتها السياسية.
وعلى مسافة زمنية قريبة من القمة، كانت الولادة المشؤومة لحكومة صهيونية جديدة سارع رئيسها لمحاكاة بعض الأصوات العربية التي انطلقت لتتحدث ـ من داخل القمة ـ عن رفضها للتدخّل الخارجي في الشؤون العربية الداخلية، فأشار إلى خطر إيران على كيانه، وتحدث عن "مصلحة مشتركة بين إسرائيل والدول العربية في مواجهة إيران، التنين المتعصّب الذي يهددنا جميعاً"، كما زعم... وقد كان لافتاً أن تنطلق أقلام عربية لتكتب: "كيف نختار بين العدوّين الإسرائيلي والإيراني"، بدلاً من أن ينطلق الحديث في كيف نستفيد من قوة إيران وانفتاحها بما يخدم القضايا العربية الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
لقد كنا ننتظر من قمة الدوحة أن ترسم إستراتيجية عربية، تلتقي بالإستراتيجية الإسلامية التي تبلورت بعض ملامحها في الموقفين الإيراني والتركي إزاء العدوان على غزة، وأن تضع حداً لهذا السقوط العربي في زمن التحولات والمتغيرات العالمية، ولكن الإنجازات العربية تبقى في حدود المصالحات السطحية والشخصية التي تولد فجأة وتموت فجأة، من دون أن ينطلق الحساب في كيف بدأ الشقاق وكيف جاء الوفاق، وقد اعتاد العرب على ذلك لأنهم يعيشون في دول العائلات والأشخاص، ولا يتحركون في نطاق دول المؤسسات.
وعلى الرغم من رسائل التهديد الإسرائيلية بتوسيع الاستيطان، وإعلان "نتنياهو" بأنه لا يخشى من ضغط الإدارة الأمريكية الجديدة على سياسته الرافضة للحقوق الفلسطينية، ولمبدأ "الدولتين" كأساس للحل الذي تدعو إليه واشنطن، وحديثه عن رؤيته "لسلام اقتصادي" يُفضي إلى إسقاط مقولة الدولة الفلسطينية، فإن اللهاث العربي نحو ما يسمّونه الـ "سلام" مع عدوّهم التاريخي استمر فيما يشبه العتب من خلال الحديث عن أن المبادرة العربية لن تبقى طويلاً فوق الطاولة، غير آبهين بكل هذا الاحتقار الذي تختزنه المواقف الإسرائيلية المتواصلة حيال تنازلاتهم.
لقد أكدت التجارب أن مؤتمرات القمم العربية لا تحرك ساكناً على المستوى الذي من شأنه أن يحدث تغييراً فعلياً في المنطقة، ويضغط على مصالح أمريكا الحاضنة لليهود على حساب المصالح العربية الحيوية، بل كل ما يصدر عنها هو القرارات الإنشائية التي لا قيمة لها إلا بمقدار قيمة الحبر الذي تكتب به، والورق الذي تسجّل فيه... وهذا ما قرأناه في إعلان قمة الدوحة في كلماته المتضمنة لـ"المطالبة" و"الدعوة" و"التأكيد"، إلى أمثالها من الكلمات الموجَّهة للآخرين، أو للشعوب العربية التي ملّت من سماع هذه الكلمات الاستهلاكية التي لا تجد فيها قوة الموقف الذي يضغط على العدو وعلى المجتمع الدولي، وعلى الإدارة الأمريكية، ولا رفض التطبيع وإنتاج المقاومة...
ولذلك، فإن أمريكا، ومعها الاتحاد الأوروبي، لا تحترم إلا الأقوياء، أما الضعفاء فلا موقع لهم في احترام حقوقهم الحيوية وقضاياهم المصيرية، الأمر الذي جعل من إسرائيل القوة العظمى التي تتحرك طائراتها نحو أكثر من بلد عربي بحجة تدمير السلاح الذي يُرسَل إلى المجاهدين في غزة، ومنع أية دولة عربية من إنتاج عناصر قوة ذاتية فاعلة، من دون أن تواجه استنكاراً من الدول الكبرى، بل ربما شاركتها هذه الدول بعدوانها وأيدتها في اتهاماتها التي قد لا تكون واقعية. وقد صرّح رئيس وزراء العدوّ السابق أن يده إسرائيل طويلة وقادرة على ضرب أي مكان تشعر بالخطر على مصالحها فيه، ولا تستطيع أيّ دولة عربية أن تتحداها في أعمالها العدوانية، لأن أمريكا تقف بالمرصاد لكل من يواجه إسرائيل حتى في موقع دفاعه عن النفس. إنها مشكلة العجز العربي المزمن الذي لا يحاول المسؤولون الخروج منه إلى مواقع القوة التي يحترمون فيها أمتهم وشعوبهم.
ومن جانب آخر، فإن قمة الدوحة التي أخذت عنوان قمة المصالحات العربية، أظهرت في تعقيداتها الرئاسية أن العلاقات الثنائية بين دولة عربية ودولة أخرى تتقدّم على القضايا المصيرية التي ترتبط بسلامة الأمة كلها، عندما تؤدي الخلافات بين حاكم وآخر إلى مقاطعة الحضور في المؤتمر الذي أنعقد في بلد تتعقّد علاقات مسؤوليه بالبلد الآخر، الأمر الذي ينعكس سلباً على القرارات الإستراتيجية الفاعلة.
وهذا هو الذي يجعل المصالحات منفتحة على الشكل لا على المضمون، وهي أصلاً لم تكن شاملة بل جاءت ثنائية أو ثلاثية، فيما استمر الجمود على محاور أخرى، ما قد يوحي أن الجامعة العربية تحوّلت إلى ساحة التناقضات العربية لا إلى ساحة الوحدة، الأمر الذي يجعلها في مواقع الرؤساء والمسؤولين لا في مواقع الشعب الغائب عن ديمقراطية الاختيار الحر تحت تأثير الأجهزة الاستخبارية وقوانين الطوارئ، وتتحوّل أصوات الناس في الانتخابات إلى نكتة سياسية يتندّر في تفاصيلها الموالون والمعارضون.
وفي جانب آخر، فإن المسألة الأفغانية التي تمتد إلى الساحة الباكستانية في الحرب التي يقودها حلف الأطلسي بقيادة أمريكية، قد تحوّلت إلى عبء ثقيل للقوات الدولية، بفعل عمليات الاستنزاف التي أنهكت هذه القوات المحتلة، ولذلك بادرت الإدارة الأمريكية إلى عقد اجتماع دولي تحضره إيران لبحث المأزق الأفغاني الذي اعترفت أمريكا بأنه لا يمكن الخروج منه بالحرب، ما يفرض البحث عن وسيلة سلمية للمفاوضات مع من تسمّيهم "المعتدلين".
إننا نعتقد أن على الدول المسلمة، وخصوصاً إيران، أن تنطلق من خلال مسؤوليتها الإسلامية، لتوجيه هذه المؤتمرات بما يخدم أمن الشعب الأفغاني، وأمن المنطقة الإسلامية، وبما يؤكد على إخراج قوى الاحتلال وقوات حلف الأطلسي من المنطقة لتقرر شعوبها مصيرها، بعيداً من ضغط قوى الهيمنة العالمية التي استخدمت عنوان مكافحة الإرهاب لاستباحة المنطقة العربية والإسلامية بالكامل.
وفي مقاربة "قمة العشرين" التي عُقدت في العاصمة البريطانية، لاحظنا التظاهرات الكبرى التي انطلق بها عشرات الآلاف في مواجهة هذه الدول التي مثلّت العولمة المتوحشة بأبشع صورها، والتي ناصرت الأغنياء وتنكّرت لحقوق الفقراء، وعملت على نهب ثروات العالم الثالث، وضاعفت بوسائلها الصناعية من خطر الاحتباس الحراري، وتهديدها للبيئة العالمية... وقد أظهرت هذه التظاهرات أن هذه الدول لا تمثل مشكلة لشعوبنا ولشعوب العالم الثالث فحسب، بل أيضاً لشعوبها ولكل المستضعفين في الأرض، الأمر الذي يستدعي تداولاً وتنسيقاً على أعلى المستويات بين كل المتضررين من دول الهيمنة والعولمة المتوحشة لحماية واقعهم وإنسانهم وتراثهم.
ونصل إلى لبنان، لنلاحظ أنه في الوقت الذي ترتفع حدة الصخب الداخلي حول الانتخابات النيابية، فإن هذه الانتخابات دخلت في خطوط المساومات الإقليمية، وأُلحقت بملفات المصالحات العربية، ورُسمت آفاقها وبعض نتائجها السعيدة أو غير السعيدة، بمعرفة من اللبنانيين أو بمعرفة بعضهم، وبموافقتهم أو من دون موافقتهم، لتبرز إلى السطح حقيقة جديدة مفادها أن المناداة بالويل والثبور وعظائم الأمور، ليست بضاعة رائجة في لبنان، وأن التسويات إن لم تنطلق في لبنان من الداخل فسوف تأتيه من الخارج، مسقطة كل العناوين التي احتشدت حولها مواقع وأسماء وشخصيات...
إننا نريد للبنانيين أن يفهموا جيداً اللعبة التي تتحرك من حولهم، حتى لا يكونوا حطباً للشرارات المتفرقة، وأن يعملوا على إنتاج وحدتهم مستفيدين من قراءة الظروف الإقليمية والدولية المناسبة أو غير المناسبة، وألا يسمحوا للصراخ الانتخابي بأن يستثير فيهم روح العصبية والقبلية الحزبية والمذهبية والطائفية، فقد بلغ السيل الزبى، وقد لُدغنا من الجحر مئات المرات... فهل نستفيق من سباتنا، ونعود إلى رشدنا؟
في المشهد العربي، تذكّر القادة العرب "القيم والتقاليد العربية النبيلة"، فأرادوا للقمة الأخيرة أن تؤكد "الالتزام بالتضامن العربي"، والارتقاء بالعلاقات العربية نحو أفقٍ أرحب... فإذا بهذه العلاقات تدخل في مرحلة جديدة تقترب فيها الزعامات من بعضها فيما يشبه العلاقات الشخصية، وتغيب فيها الاستراتيجيات التي تبرز فيها الشعوب العربية بطاقاتها الكبرى وإمكاناتها العظمى، لتدافع عن وجودها ومستقبلها في ظل الاستباحة الاستكبارية والصهيونية لأرضها وأمنها، وحتى لقراراتها السياسية.
وعلى مسافة زمنية قريبة من القمة، كانت الولادة المشؤومة لحكومة صهيونية جديدة سارع رئيسها لمحاكاة بعض الأصوات العربية التي انطلقت لتتحدث ـ من داخل القمة ـ عن رفضها للتدخّل الخارجي في الشؤون العربية الداخلية، فأشار إلى خطر إيران على كيانه، وتحدث عن "مصلحة مشتركة بين إسرائيل والدول العربية في مواجهة إيران، التنين المتعصّب الذي يهددنا جميعاً"، كما زعم... وقد كان لافتاً أن تنطلق أقلام عربية لتكتب: "كيف نختار بين العدوّين الإسرائيلي والإيراني"، بدلاً من أن ينطلق الحديث في كيف نستفيد من قوة إيران وانفتاحها بما يخدم القضايا العربية الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
لقد كنا ننتظر من قمة الدوحة أن ترسم إستراتيجية عربية، تلتقي بالإستراتيجية الإسلامية التي تبلورت بعض ملامحها في الموقفين الإيراني والتركي إزاء العدوان على غزة، وأن تضع حداً لهذا السقوط العربي في زمن التحولات والمتغيرات العالمية، ولكن الإنجازات العربية تبقى في حدود المصالحات السطحية والشخصية التي تولد فجأة وتموت فجأة، من دون أن ينطلق الحساب في كيف بدأ الشقاق وكيف جاء الوفاق، وقد اعتاد العرب على ذلك لأنهم يعيشون في دول العائلات والأشخاص، ولا يتحركون في نطاق دول المؤسسات.
وعلى الرغم من رسائل التهديد الإسرائيلية بتوسيع الاستيطان، وإعلان "نتنياهو" بأنه لا يخشى من ضغط الإدارة الأمريكية الجديدة على سياسته الرافضة للحقوق الفلسطينية، ولمبدأ "الدولتين" كأساس للحل الذي تدعو إليه واشنطن، وحديثه عن رؤيته "لسلام اقتصادي" يُفضي إلى إسقاط مقولة الدولة الفلسطينية، فإن اللهاث العربي نحو ما يسمّونه الـ "سلام" مع عدوّهم التاريخي استمر فيما يشبه العتب من خلال الحديث عن أن المبادرة العربية لن تبقى طويلاً فوق الطاولة، غير آبهين بكل هذا الاحتقار الذي تختزنه المواقف الإسرائيلية المتواصلة حيال تنازلاتهم.
لقد أكدت التجارب أن مؤتمرات القمم العربية لا تحرك ساكناً على المستوى الذي من شأنه أن يحدث تغييراً فعلياً في المنطقة، ويضغط على مصالح أمريكا الحاضنة لليهود على حساب المصالح العربية الحيوية، بل كل ما يصدر عنها هو القرارات الإنشائية التي لا قيمة لها إلا بمقدار قيمة الحبر الذي تكتب به، والورق الذي تسجّل فيه... وهذا ما قرأناه في إعلان قمة الدوحة في كلماته المتضمنة لـ"المطالبة" و"الدعوة" و"التأكيد"، إلى أمثالها من الكلمات الموجَّهة للآخرين، أو للشعوب العربية التي ملّت من سماع هذه الكلمات الاستهلاكية التي لا تجد فيها قوة الموقف الذي يضغط على العدو وعلى المجتمع الدولي، وعلى الإدارة الأمريكية، ولا رفض التطبيع وإنتاج المقاومة...
ولذلك، فإن أمريكا، ومعها الاتحاد الأوروبي، لا تحترم إلا الأقوياء، أما الضعفاء فلا موقع لهم في احترام حقوقهم الحيوية وقضاياهم المصيرية، الأمر الذي جعل من إسرائيل القوة العظمى التي تتحرك طائراتها نحو أكثر من بلد عربي بحجة تدمير السلاح الذي يُرسَل إلى المجاهدين في غزة، ومنع أية دولة عربية من إنتاج عناصر قوة ذاتية فاعلة، من دون أن تواجه استنكاراً من الدول الكبرى، بل ربما شاركتها هذه الدول بعدوانها وأيدتها في اتهاماتها التي قد لا تكون واقعية. وقد صرّح رئيس وزراء العدوّ السابق أن يده إسرائيل طويلة وقادرة على ضرب أي مكان تشعر بالخطر على مصالحها فيه، ولا تستطيع أيّ دولة عربية أن تتحداها في أعمالها العدوانية، لأن أمريكا تقف بالمرصاد لكل من يواجه إسرائيل حتى في موقع دفاعه عن النفس. إنها مشكلة العجز العربي المزمن الذي لا يحاول المسؤولون الخروج منه إلى مواقع القوة التي يحترمون فيها أمتهم وشعوبهم.
ومن جانب آخر، فإن قمة الدوحة التي أخذت عنوان قمة المصالحات العربية، أظهرت في تعقيداتها الرئاسية أن العلاقات الثنائية بين دولة عربية ودولة أخرى تتقدّم على القضايا المصيرية التي ترتبط بسلامة الأمة كلها، عندما تؤدي الخلافات بين حاكم وآخر إلى مقاطعة الحضور في المؤتمر الذي أنعقد في بلد تتعقّد علاقات مسؤوليه بالبلد الآخر، الأمر الذي ينعكس سلباً على القرارات الإستراتيجية الفاعلة.
وهذا هو الذي يجعل المصالحات منفتحة على الشكل لا على المضمون، وهي أصلاً لم تكن شاملة بل جاءت ثنائية أو ثلاثية، فيما استمر الجمود على محاور أخرى، ما قد يوحي أن الجامعة العربية تحوّلت إلى ساحة التناقضات العربية لا إلى ساحة الوحدة، الأمر الذي يجعلها في مواقع الرؤساء والمسؤولين لا في مواقع الشعب الغائب عن ديمقراطية الاختيار الحر تحت تأثير الأجهزة الاستخبارية وقوانين الطوارئ، وتتحوّل أصوات الناس في الانتخابات إلى نكتة سياسية يتندّر في تفاصيلها الموالون والمعارضون.
وفي جانب آخر، فإن المسألة الأفغانية التي تمتد إلى الساحة الباكستانية في الحرب التي يقودها حلف الأطلسي بقيادة أمريكية، قد تحوّلت إلى عبء ثقيل للقوات الدولية، بفعل عمليات الاستنزاف التي أنهكت هذه القوات المحتلة، ولذلك بادرت الإدارة الأمريكية إلى عقد اجتماع دولي تحضره إيران لبحث المأزق الأفغاني الذي اعترفت أمريكا بأنه لا يمكن الخروج منه بالحرب، ما يفرض البحث عن وسيلة سلمية للمفاوضات مع من تسمّيهم "المعتدلين".
إننا نعتقد أن على الدول المسلمة، وخصوصاً إيران، أن تنطلق من خلال مسؤوليتها الإسلامية، لتوجيه هذه المؤتمرات بما يخدم أمن الشعب الأفغاني، وأمن المنطقة الإسلامية، وبما يؤكد على إخراج قوى الاحتلال وقوات حلف الأطلسي من المنطقة لتقرر شعوبها مصيرها، بعيداً من ضغط قوى الهيمنة العالمية التي استخدمت عنوان مكافحة الإرهاب لاستباحة المنطقة العربية والإسلامية بالكامل.
وفي مقاربة "قمة العشرين" التي عُقدت في العاصمة البريطانية، لاحظنا التظاهرات الكبرى التي انطلق بها عشرات الآلاف في مواجهة هذه الدول التي مثلّت العولمة المتوحشة بأبشع صورها، والتي ناصرت الأغنياء وتنكّرت لحقوق الفقراء، وعملت على نهب ثروات العالم الثالث، وضاعفت بوسائلها الصناعية من خطر الاحتباس الحراري، وتهديدها للبيئة العالمية... وقد أظهرت هذه التظاهرات أن هذه الدول لا تمثل مشكلة لشعوبنا ولشعوب العالم الثالث فحسب، بل أيضاً لشعوبها ولكل المستضعفين في الأرض، الأمر الذي يستدعي تداولاً وتنسيقاً على أعلى المستويات بين كل المتضررين من دول الهيمنة والعولمة المتوحشة لحماية واقعهم وإنسانهم وتراثهم.
ونصل إلى لبنان، لنلاحظ أنه في الوقت الذي ترتفع حدة الصخب الداخلي حول الانتخابات النيابية، فإن هذه الانتخابات دخلت في خطوط المساومات الإقليمية، وأُلحقت بملفات المصالحات العربية، ورُسمت آفاقها وبعض نتائجها السعيدة أو غير السعيدة، بمعرفة من اللبنانيين أو بمعرفة بعضهم، وبموافقتهم أو من دون موافقتهم، لتبرز إلى السطح حقيقة جديدة مفادها أن المناداة بالويل والثبور وعظائم الأمور، ليست بضاعة رائجة في لبنان، وأن التسويات إن لم تنطلق في لبنان من الداخل فسوف تأتيه من الخارج، مسقطة كل العناوين التي احتشدت حولها مواقع وأسماء وشخصيات...
إننا نريد للبنانيين أن يفهموا جيداً اللعبة التي تتحرك من حولهم، حتى لا يكونوا حطباً للشرارات المتفرقة، وأن يعملوا على إنتاج وحدتهم مستفيدين من قراءة الظروف الإقليمية والدولية المناسبة أو غير المناسبة، وألا يسمحوا للصراخ الانتخابي بأن يستثير فيهم روح العصبية والقبلية الحزبية والمذهبية والطائفية، فقد بلغ السيل الزبى، وقد لُدغنا من الجحر مئات المرات... فهل نستفيق من سباتنا، ونعود إلى رشدنا؟