ارشيف من :آراء وتحليلات
تقاطعان المشهد عربياً وإسرائيلياً وإقليمياً : المنطقة ينتظرها وضع مترجرج ولبنان أمامه مرحلة تكيف صعبة

كتب مصطفى الحاج علي
مشاهد المؤتمرات تتوالى فصولاً من الدوحة حيث جرت أحداث قمتين: القمة العربية الحادية والعشرون، والقمة اللاتينية ـ العربية الأولى، وصولاً إلى قمة أو مؤتمر لاهاي للدول المحيطة بأفغانستان والمخصص لها، والذي يمكن عده استناداً إلى الرؤية الأوبامية للمصير المشترك الذي بات يجمع أفغانستان وباكستان، مؤتمراً للثانية أيضاً، وإن بطريقة غير مباشرة، ووسط زحمة القمم والمؤتمرات يأتي نيل الحكومة اليمينية برئاسة نتنياهو الثقة من الكنيست الإسرائيلي، ليكتمل معها المشهد العام في المنطقة، الذي أقل ما يقال فيه، انه مشهد مضطرب تسوده المفارقات، هذا المشهد الذي سوف تسير فيه الانتخابات النيابية في لبنان بكل حروبها الصغيرة والكبيرة، وسجالاتها التي لا تنتهي.
ثمة إجماع بأن قمة الدوحة العربية لم تكن على مستوى التحديات والأخطار، فالعرب الذين شاركوا وصلوا إلى القمة وهم مثخنون بجراح الخلافات البينية التي لم تطو صفحتها بعد، وما زالت محاولات معالجتها في البدايات الأولى، كما وصلوا إلى القمة ولكلٍ منهم همومه الداخلية الخاصة التي تبدأ بالأمن، وتمر بالاقتصاد، ولا تنتهي بخمائر عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي التي تتفاعل بصمت لكن بقوة في الآن نفسه.
وأكثر من ذلك، وصل هؤلاء إلى القمة وهم يعانون من انعدام وزن سياسي، وفقدان لأي موقع أو دور فاعل على امتداد المنطقة، وذلك لمصلحة تنامي أدوار ثقيلة لدول اقليمية وازنة كإيران وتركيا، وهؤلاء العرب ارتضوا أن يخرجوا بمواقف بغيضة من القضية الفلسطينية، وكأن حرب غزة حدثت منذ سنوات، ولم تزل حرارة دماء الشهداء الفلسطينيين حارة، وأجسادهم طرية، هذه القضية التي تواجه اليوم تحديات استراتيجية بالغة التعقيد والصعوبة، وهؤلاء العرب ارتضوا بمواقف هزيلة من الكيان الاسرائيلي والقضية الفلسطينية، وكأنهم لم يروا أو يسمعوا أن هناك حكومة هي الأشد تطرفاً في تاريخ هذا الكيان، حكومة سارعت إلى الاعلان بأن همها الأول لن يكون سياسياً، بمعنى أنه لن يكون هماً يتصل بالتسوية والحلول، وإنما هماً اقتصادياً، استناداً إلى نظرية تقول بأن الاقتصاد هو من يؤسس للسلام، وليس العكس، والفلسفة البعيدة المدى لهذه المقاربة: أن لا تسوية في المدى المنظور، وأن الأمور ستبقى على ما هي عليه في حصار أمني، وتقطيع أوصال، ويكتفى بمنح الفلسطينيين إدارة تجمعاتهم المنذرة اقتصادياً ومعيشياً، وليتغنوا بقصائد السلطة ومدحها ما يشاؤون.
الأولوية الاسرائيلية هي لما يسميه هذا الكيان الخطر الإسلامي المتطرف، والتهديد النووي ـ الإيراني، بكلمة أخرى الأولوية الإسرائيلية بالمعنى العام هي بمثابة إعلان تدخل في كل شأن عربي ما دام الخطر الإسلامي يخص كلاً منها، وهو يشكل قاسما مشتركا مع منظومة عرب أميركا التي ترى بدورها أن التحدي الإيراني يأتي أول.
نتنياهو يلتقط التحديات التي تواجه شرعيات منظومة عرب أميركا ويحولها أولويات اسرائيلية، ليحول بوصلة الاهتمام بالكلية عن القضية الفلسطينية لمصلحة هذه الأولويات. هنا، تصبح المواقف الهزيلة في القمة من القضية الفلسطينية ملاقاة موضوعية مع المقاربة الإسرائيلية، لا سيما أن عرب اميركا أنفسهم بالقمة أرادوا لها أيضاً أن تكون قمة في مواجهة ايران، وبالتالي أخذ الأولويات العربية باتجاه الخارج، لا باتجاه جوهر أزمات المنطقة وقضاياها أي القضية الفلسطينية، والمفارقة هنا أيضاً، أن هؤلاء العرب ما زالوا متمسكين بما أسموه مبادرة السلام العربية ولو قيدوا ذلك زمنياً بثلاثة أشهر، المفارقة أن هؤلاء يدركون في صميمهم أن لا معنى بعد لهذه المبادرة، وأنها دفنت منذ أمدٍ بعيد، فكيف الحال مع حكومة يمينية كحكومة نتنتياهو، وإذا كانت لها من وظيفة فلأنها باتت تشكل رمزاً للاستمرار بخيار التسوية، الذي قامت عليه الشرعية السياسية لعرب التسوية تحديداً!!
في المشهد الآخر، تأخذ إيران كامل حضورها في لاهاي، حضور انتزعته انتزاعاً بقوة منطق الدولة، وصناعة منطق القوة بكل مستلزماته السياسية والاجتماعية والتنموية والتحديثية والثقافية، منطق قام وما زال على التمسك والدفاع عن حقوق المستضعفين والمظلومين، ومناهضة الامبريالية، والوجود الغاصب للكيان الإسرائيلي، في لاهاي كان الغزل الأميركي حاضراً، تبادل الخطوات بقدرها، وهي خطوات مفتوحة على حوار استراتيجي متكافئ، من شأنه أن يخلط الأوراق والتوازنات.
إلا أن هذا المشهد يجب أن لا يعمينا عن رؤية التكامل بين هذه المشاهد، وهي وفق التالي:
أولاً: صحيح، أن مقاربة أوباما الجديدة باتجاه ايران وسوريا تقوم حالياً على الحوار واستبعاد ما من شأنه أن يستفز كل منهما كاتخاذ المزيد من العقوبات، أو التلويح بورقة العمل العسكري، إلا أننا إذا أخذنا رؤية نتنتياهو من جهة، وكلام وزير الدفاع الأميركي الذي أعلن مؤخراً أنه يفضل لعبة العقوبات مع ايران إذا ما أردنا الحصول على نتائج من الديبلوماسية، وإذا ما أخذنا جملة مواقف عرب التسوية بالحسبان، نستطيع القول ان ادارة أوباما ما زالت تحتفظ بسياسة العصا والجزرة، وان كانت العصا التي تلوح بها اليوم لم تعد اميركية، وإنما هي مروحة تجمع الكيان الإسرائيلي وعرب التسوية إلى العقوبات الاقتصادية.
بكلمة أخرى، أوباما يريد أن يفاوض إيران وهو متسلح بهؤلاء جميعاً.
ثانياً: في هذا الإطار، فإن سياسات التهدئة والمصالحات هي احتوائية، وفي سياق خدمة الاستراتيجية الآنفة.
ثالثاً: إن السقوف الزمنية الموضوعة للحوارات والاتصالات لن تكون مفتوحة، فالأميركي يريد نتائج سريعة في أكثر من ملف، ولذا قد نشهد تحريكاً للضغوط من فترة لأخرى تبدأ بالمواقف وقد تنتهي بما هو أعلى، كل ذلك بحسب النتائج التي سيتم التوصل اليها.
بناءً عليه، فالمرحلة المقبلة ستكون رجراجة وتتطلب الكثير من الحذر والانتباه والجهوزية.
رابعاً: المشهد اللبناني سيبقى خاضعاً لمقتضيات اللعبة الاقليمية ـ الدولية، وتموضع الأطراف فيه استناداً إلى لعبة التفكيك والتركيب التي ستكون خاضعة بدورها لما ستؤول اليه الأمور في المنطقة، ولذا الجميع على مقعد الانتظار والمراقبة.
الانتقاد/ العدد 1340 ـ 3 نيسان/ أبريل 2009
مشاهد المؤتمرات تتوالى فصولاً من الدوحة حيث جرت أحداث قمتين: القمة العربية الحادية والعشرون، والقمة اللاتينية ـ العربية الأولى، وصولاً إلى قمة أو مؤتمر لاهاي للدول المحيطة بأفغانستان والمخصص لها، والذي يمكن عده استناداً إلى الرؤية الأوبامية للمصير المشترك الذي بات يجمع أفغانستان وباكستان، مؤتمراً للثانية أيضاً، وإن بطريقة غير مباشرة، ووسط زحمة القمم والمؤتمرات يأتي نيل الحكومة اليمينية برئاسة نتنياهو الثقة من الكنيست الإسرائيلي، ليكتمل معها المشهد العام في المنطقة، الذي أقل ما يقال فيه، انه مشهد مضطرب تسوده المفارقات، هذا المشهد الذي سوف تسير فيه الانتخابات النيابية في لبنان بكل حروبها الصغيرة والكبيرة، وسجالاتها التي لا تنتهي.
ثمة إجماع بأن قمة الدوحة العربية لم تكن على مستوى التحديات والأخطار، فالعرب الذين شاركوا وصلوا إلى القمة وهم مثخنون بجراح الخلافات البينية التي لم تطو صفحتها بعد، وما زالت محاولات معالجتها في البدايات الأولى، كما وصلوا إلى القمة ولكلٍ منهم همومه الداخلية الخاصة التي تبدأ بالأمن، وتمر بالاقتصاد، ولا تنتهي بخمائر عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي التي تتفاعل بصمت لكن بقوة في الآن نفسه.
وأكثر من ذلك، وصل هؤلاء إلى القمة وهم يعانون من انعدام وزن سياسي، وفقدان لأي موقع أو دور فاعل على امتداد المنطقة، وذلك لمصلحة تنامي أدوار ثقيلة لدول اقليمية وازنة كإيران وتركيا، وهؤلاء العرب ارتضوا أن يخرجوا بمواقف بغيضة من القضية الفلسطينية، وكأن حرب غزة حدثت منذ سنوات، ولم تزل حرارة دماء الشهداء الفلسطينيين حارة، وأجسادهم طرية، هذه القضية التي تواجه اليوم تحديات استراتيجية بالغة التعقيد والصعوبة، وهؤلاء العرب ارتضوا بمواقف هزيلة من الكيان الاسرائيلي والقضية الفلسطينية، وكأنهم لم يروا أو يسمعوا أن هناك حكومة هي الأشد تطرفاً في تاريخ هذا الكيان، حكومة سارعت إلى الاعلان بأن همها الأول لن يكون سياسياً، بمعنى أنه لن يكون هماً يتصل بالتسوية والحلول، وإنما هماً اقتصادياً، استناداً إلى نظرية تقول بأن الاقتصاد هو من يؤسس للسلام، وليس العكس، والفلسفة البعيدة المدى لهذه المقاربة: أن لا تسوية في المدى المنظور، وأن الأمور ستبقى على ما هي عليه في حصار أمني، وتقطيع أوصال، ويكتفى بمنح الفلسطينيين إدارة تجمعاتهم المنذرة اقتصادياً ومعيشياً، وليتغنوا بقصائد السلطة ومدحها ما يشاؤون.
الأولوية الاسرائيلية هي لما يسميه هذا الكيان الخطر الإسلامي المتطرف، والتهديد النووي ـ الإيراني، بكلمة أخرى الأولوية الإسرائيلية بالمعنى العام هي بمثابة إعلان تدخل في كل شأن عربي ما دام الخطر الإسلامي يخص كلاً منها، وهو يشكل قاسما مشتركا مع منظومة عرب أميركا التي ترى بدورها أن التحدي الإيراني يأتي أول.
نتنياهو يلتقط التحديات التي تواجه شرعيات منظومة عرب أميركا ويحولها أولويات اسرائيلية، ليحول بوصلة الاهتمام بالكلية عن القضية الفلسطينية لمصلحة هذه الأولويات. هنا، تصبح المواقف الهزيلة في القمة من القضية الفلسطينية ملاقاة موضوعية مع المقاربة الإسرائيلية، لا سيما أن عرب اميركا أنفسهم بالقمة أرادوا لها أيضاً أن تكون قمة في مواجهة ايران، وبالتالي أخذ الأولويات العربية باتجاه الخارج، لا باتجاه جوهر أزمات المنطقة وقضاياها أي القضية الفلسطينية، والمفارقة هنا أيضاً، أن هؤلاء العرب ما زالوا متمسكين بما أسموه مبادرة السلام العربية ولو قيدوا ذلك زمنياً بثلاثة أشهر، المفارقة أن هؤلاء يدركون في صميمهم أن لا معنى بعد لهذه المبادرة، وأنها دفنت منذ أمدٍ بعيد، فكيف الحال مع حكومة يمينية كحكومة نتنتياهو، وإذا كانت لها من وظيفة فلأنها باتت تشكل رمزاً للاستمرار بخيار التسوية، الذي قامت عليه الشرعية السياسية لعرب التسوية تحديداً!!
في المشهد الآخر، تأخذ إيران كامل حضورها في لاهاي، حضور انتزعته انتزاعاً بقوة منطق الدولة، وصناعة منطق القوة بكل مستلزماته السياسية والاجتماعية والتنموية والتحديثية والثقافية، منطق قام وما زال على التمسك والدفاع عن حقوق المستضعفين والمظلومين، ومناهضة الامبريالية، والوجود الغاصب للكيان الإسرائيلي، في لاهاي كان الغزل الأميركي حاضراً، تبادل الخطوات بقدرها، وهي خطوات مفتوحة على حوار استراتيجي متكافئ، من شأنه أن يخلط الأوراق والتوازنات.
إلا أن هذا المشهد يجب أن لا يعمينا عن رؤية التكامل بين هذه المشاهد، وهي وفق التالي:
أولاً: صحيح، أن مقاربة أوباما الجديدة باتجاه ايران وسوريا تقوم حالياً على الحوار واستبعاد ما من شأنه أن يستفز كل منهما كاتخاذ المزيد من العقوبات، أو التلويح بورقة العمل العسكري، إلا أننا إذا أخذنا رؤية نتنتياهو من جهة، وكلام وزير الدفاع الأميركي الذي أعلن مؤخراً أنه يفضل لعبة العقوبات مع ايران إذا ما أردنا الحصول على نتائج من الديبلوماسية، وإذا ما أخذنا جملة مواقف عرب التسوية بالحسبان، نستطيع القول ان ادارة أوباما ما زالت تحتفظ بسياسة العصا والجزرة، وان كانت العصا التي تلوح بها اليوم لم تعد اميركية، وإنما هي مروحة تجمع الكيان الإسرائيلي وعرب التسوية إلى العقوبات الاقتصادية.
بكلمة أخرى، أوباما يريد أن يفاوض إيران وهو متسلح بهؤلاء جميعاً.
ثانياً: في هذا الإطار، فإن سياسات التهدئة والمصالحات هي احتوائية، وفي سياق خدمة الاستراتيجية الآنفة.
ثالثاً: إن السقوف الزمنية الموضوعة للحوارات والاتصالات لن تكون مفتوحة، فالأميركي يريد نتائج سريعة في أكثر من ملف، ولذا قد نشهد تحريكاً للضغوط من فترة لأخرى تبدأ بالمواقف وقد تنتهي بما هو أعلى، كل ذلك بحسب النتائج التي سيتم التوصل اليها.
بناءً عليه، فالمرحلة المقبلة ستكون رجراجة وتتطلب الكثير من الحذر والانتباه والجهوزية.
رابعاً: المشهد اللبناني سيبقى خاضعاً لمقتضيات اللعبة الاقليمية ـ الدولية، وتموضع الأطراف فيه استناداً إلى لعبة التفكيك والتركيب التي ستكون خاضعة بدورها لما ستؤول اليه الأمور في المنطقة، ولذا الجميع على مقعد الانتظار والمراقبة.
الانتقاد/ العدد 1340 ـ 3 نيسان/ أبريل 2009