ارشيف من :آراء وتحليلات

فصول من الصراعات والأطماع الانتخابية التي تعصف بالفريق الشباطي!

فصول من الصراعات والأطماع الانتخابية التي تعصف بالفريق الشباطي!
كتب ابراهيم صالح
لم تعد قضية الخلاف والتباين الحاصل بين النائب سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط حول مسألة ترشيح النائب السابق غطاس خوري عن دائرة الشوف، واعتراض جنبلاط على هذا الامر، وبلوغ اعتراضه حد التهديد بالانسحاب من فريق 14 شباط، في جوهرها قصة خلاف حول مقعد نيابي، بل تعكس هذه القصة امورا اساسسية ابرزها:
- ان التناقض في داخل هذا الفريق، وبالتحديد ركنيه الابرزين جنبلاط والحريري، لم يعد بالامكان كتمانه او التعتيم عليه، وبلغ درجة التهديد بانفراط عقد هذا التجمع السياسي الهشّ المسمى لقاء 14 آذار.
- ان الامر كله يتصل بما هو أبعد من مقعد نيابي او "حمولة زائدة"، اذ يرتبط بشكل وثيق بمستقبل العلاقة ومآلها بين جنبلاط والحريري، وخصوصاً ان ثمة منطقة جغرافية ومجموعة بشرية مشتركة بينهما هي اقليم الخروب يشعر الاول بأنه لم يعد مرجعيتها كما في خوالي الايام، بل باتت تعود الى قريطم وتتخذها مظلة وزعامة.
وهذا الواقع بالنسبة لجنبلاط، امر يبعث على القلق الشديد، خصوصاً اذا ما أتى اليوم الذي ستنفصم به عرى التحالف بين الرجلين وتنتهي المرحلة التي كان فيها جنباً الى جنب في تحالف فرضته ظروف وتحولات باتت آيلة الى التحول فالزوال.
وفي هذا السياق، ليست عابرة الرسائل المشفرة حيناً، والفصيحة حيناً آخر التي يوجهها جنبلاط الى من يعنيهم الامر ليقول من خلالها ان مكانه في 14 شباط قد ضاق به الى حد الاختناق، ومن هذه الرسائل على سبيل المثال زيارة جنبلاط المفاجئة للنائب السابق زاهر الخطيب، الذي كان يضعه جنبلاط في مقدم خصومه السياسيين.
- ان مسألة تأمين موقع نيابي للنائب السابق غطاس خوري، بأي ثمن، تعكس في جانب من جوانبها كيفية نوعية الشخصيات التي يتعامل معها الفريق الشباطي وبالتحديد تيار "المستقبل" وكيفية استخدامها لهم، ما دامت قد وجدت في هذا الفريق ضالتها المنشودة في بلوغ الناخب وتأمين "المستقبل" المالي.
فالمعلوم ان خوري هو المثال الاوضح والاكثر نموذجية لهذا التوصيف، فهو وبإقرار الجميع كان مجرد طبيب عادي في الجامعة الاميركية، رسم له بعض زملائه خريطة الطريق الى قريطم، ومنها عبر الى منصب نقيب الاطباء، حيث "لمع" واشتهر هناك لا من باب "الانجازات" بل من باب ملف بناء مقر بيت الطبيب الذي انتهى بشكوى محفوظة لدى القضاء تدينه باختلاس مبلغ يعادل الخمسة مليارات دولار. وطبعاً لتأمين حمايته الشخصية أُمن له طريق الوصول الى النيابة في دورة تموز 2000 عن المقعد الماروني في بيروت.
وبرغم ما أبداه خوري من تفجع مبالغ به اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الا ان رغبة النائب سعد الحريري في ارضاء "القوات اللبنانية" وبالتحديد آل الجميل، أزاحته عن النيابة في انتخابات عام 2005 لتحل محله سولانج الجميل.
وعندما حان موعد تأليف الوزارة الاول بعد انتخابات ذلك العام، برز اسم خوري لبعض الوقت ثم اختفى لاعتبارات عدة تتصل بمسألة التمثيل المسيحي في هذه الحكومة.
وعليه اضطر هذا الرجل ان يأخذ دور "الكشاف" على الطريق بين تجمع 14 شباط وواشنطن، فهو رفيق جنبلاط وكل الذين بعث بهم هذا التجمع الى العاصمة الاميركية لتأمين التواصل وتلقي التعليمات.
لكن هذا الدور، لم يشفع له في تأمين مقعد وزاري في حكومة السنيورة الثانية اذ يذكر الجميع مشهد الاسى يسكن وجهه وهو على باب قريطم ينتقد "حلفاءه" واصدقاءه الاعضاء السابقين في لقاء قرنة شهوان المنفرط عقده.
ثم جاء الوقت الموعود له، وهو الانتخابات النيابية الحالية، ليكتشف خوري ان مكانه في دائرة بيروت الاولى غير شاغر وان مكانه في دائرة الشوف ممنوع عليه، فما كان عليه الا ان "يبتلع" اهانة مزدوجة من النائب جنبلاط ومن النائب الحريري، فاضطر ان يعود الى بيروت يجتر مرارة وخيبة عرف مثلها مراراً، لكن الثابت ان الرجل مضطر مجدداً لابتلاع الضربة، ما دام انه متيقن ان لا مكان له خارج هذه الدائرة، فهو قيمة مضافة، وما دام عاجزا عن العودة الى الطب حيث ينتظره صيته غير الناصع وملف بيت الطبيب الذي ما زال بيد القضاء سيفاً مصلتاً على رقبته.
- ان الخلاف العاصف بفريق 14 شباط ليس محصوراً في حدود الخلاف بين "المستقبل" والحزب التقدمي، فحدوده تمتد الى داخل ما بات يعرف بـمسيحيي 14 شباط" وبالتحديد بين كتائب امين الجميل و"قوات" سمير جعجع، فالذين هم على بينة من تفاصيل هذا الخلاف يعلمون تماماً ان "رحلة" جعجع المفاجئة والملتبسة الى زحلة، لم تكن بقصد دعم لائحة قوى 14 شباط في هذه الدائرة التي تشهد معركة حامية، بل هي تدخل في صلب خلاف عاصف بين الفريقين يبدأ بزحلة ويمتد الى دائرتي المتن والبترون وصولاً الى اقصى الشمال. والخلاف هو في جوهره صراع على الاحجام والمواقع.
فعلى سبيل المثال لا الحصر يتصرف امين الجميل على انه "ملك" المتن غير المتوج، وهو القابض على ناصية لائحة فريق 14 شباط هناك، وبالتالي لم يعط كلمة نهائية لفريق القوات في شأن مطلبها بضم مرشحها ادي ابي اللمع الى هذه اللائحة التي تشهد مخاضاً عسيراً.
وفي المقابل لم يعد خافياً ان استمرار ترشيح سامر سعادة في البترون هو بحد ذاته مظهر من مظاهر الخلاف بين الفريقين، اللذين يمارسان عملية ابتزاز لبعضهما البعض.
وليس خافياً ان الجميل يمارس ايضاً سياسة الابتزاز نفسها على النائب الحريري، فهو على سبيل المثال يرشح برنار جرباقة عن مقعد الاقليات في دائرة بيروت الثالثة ويصر على أخذه على اللائحة للفريق الشباطي ويبعث برسائل "تهديد" بإجراءات ومواقف ما لم يتم الوقوف على "خاطره" في هذا الاطار.
والابتزاز عينه تمارسه "القوات اللبنانية" في شأن مقعد الروم الارثوذكس في عكار، اذ ترشح العميد المتقاعد وهبي قاطيشا، لعلّها تستطيع لاحقاً فرضه كأمر واقع ليكون على لائحة تيار "المستقبل" هناك.
ولكن المعلومات تؤكد ان الحريري أبلغ القوات ان جائزة الترضية الوحيدة ستكون النائب جورج عدوان في الشوف، وبالتالي لم يعد امامها الا ان تشحذ قواتها في البترون وبشري والمتن وزحلة وتأخذ نصيبها بيدها.
ويبقى ان البحث جار لدى الحريري في كيفية ارضاء النائب سمير فرنجية الذي باتت ابواب دائرة زغرتا مقفلة بعدما رفض ابن رينيه معوض اخذه معه، وبعدما اتضح له ان ترشحه منفرداً في هذه الدائرة عبث ما بعده عبث، كونه لا يستطيع الحصول على أكثر من صوت.
ولا ريب ان حبل الاشكالات طويل، بالنسبة للفريق الشباطي، فالحريري مضطر على سبيل المثال للتعامل مع رغبة خالد ضاهر وسواه من الذين يندرجون في قائمة القوى والتيارات السلفية الذين يعتبرون انهم "سلّفوا" تيار "المستقبل" الكثير.
.. غداً ستنطوي صفحة الانتخابات النيابية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هل بالامكان جمع الفريق الشباطي مجدداً.
كل الاجابات تؤكد ان عقد هذا الفريق آيل الى الانفراط، فقد ولت الظروف التي اجبرته على الدخول في إطار واحد.    
الانتقاد/ العدد 1340 ـ 3 نيسان/ أبريل 2009
2009-04-03