ارشيف من :آراء وتحليلات

جنبلاط وسياسة تحديد الخسائر

جنبلاط وسياسة تحديد الخسائر
كتب ليلى نقولا الرحباني
كانت الصرخة التي أطلقها النائب وليد جنبلاط ضد حلفائه معبّرة جداً، فالتزاحم على المقاعد في الشوف بلغ أشده بين الحلفاء، لدرجة جعلت زعيم المختارة يطلق صرخة من "قلب مجروح" فيقول: "أشعر بأنني سأحتاج بعد قليل الى إذن كي أترشح في الشوف".
ان المراقب لحركة جنبلاط السياسية وتصريحاته الأخيرة، وخاصة بعد أحداث 7 أيار واتفاق الدوحة، يلاحظ أنه في قمة الارتباك السياسي، ويبدو كمن "يبلع الموسى ويسكت". فبرغم استيائه الشديد من حلفائه، لكنه يبدو مفضلاً السكوت، تاركاً المجال لهم "للتناتش" على المقاعد في لائحته، مكتفياً بتوجيه الرسائل فقط، والتهديد بأن وقت الحساب لم يحن بعد. ولعل أبلغ عبارة كانت تلك التي قالها عن ترشيح غطاس خوري: "لا تعليق.. يأتي يوم ونتكلم".. في إشارة تهديدية أكثر منها قبولا بالواقع.
أما الارتباك السياسي الذي يعانيه جنبلاط، فليس وليد لحظة الانتخابات الحالية، بل بدأ منذ استشعر وليد بك انهيار المشروع الأميركي الذي سار فيه كرأس حربة، وجعل نفسه ناطقاً باسم المحافظين الجدد في لبنان. وقد ازداد الارتباك بعدما دُفع جنبلاط وحلفاؤه الى المواجهة مع المقاومة من خلال القرارين الشهيرين اللذين اتخذتهما حكومة السنيورة، وقيل ان جنبلاط كان وراءهما، اضافة الى الضجة التي افتعلها جنبلاط حول قضية كاميرات جهاد البناء.
بلا شك فإن الانعطافة الجنبلاطية والارتباك السياسي له أسبابه ومبرراته، ولكن ما الذي يجعل جنبلاط "يبلع" الغصة ويسمح لحلفائه بهذا القدر من التطاول ومحاولة الاستفادة من شعبيته الى هذا الحد؟
يشير المراقبون الى أن جنبلاط يعاني من طمع حلفائه في مقاعد الشوف وعاليه المسيحية، لكونها الأكثر ترجيحاً لفوز الموالاة في المقاعد المسيحية على وسع الوطن، كما يشعر جنبلاط بأنه مضطر للتنازل عن مقعد لطلال أرسلان، كرسالة سياسية موجهة نحو السوريين الذين باتوا على بعد قوسين أو أدنى من قطف ثمار التراجع الأميركي عن المشروع الذي كان يسير به جورج بوش، أكثر مما هي عرفان بالجميل لما قام به أرسلان من احتواء الموقف في 7 أيار، حينما قام أرسلان بتغطية جنبلاط وتسويق مخرج مشرّف له مما أوقع نفسه فيه.
وبرغم أن الانعطافة الجنبلاطية تشير الى انه يتجه للتخلي عن "ثورة الأرز" وأربابها، فجنبلاط ليس معتاداً أن يكون "حطباً للثورة"، بل هو اعتاد أن يقاتل بالآخرين على الدوام.. لكنه لا يستطيع الآن أن يقلب الهيكل على من فيه في هذه الفترة بالذات، لأن تخليه عن حلفائه يعني بالتأكيد نهاية "ثورة الأرز" ودفنها الى الأبد، لأن جنبلاط شكّل بمواقفه الاستفزازية طيلة سنوات ثلاث وحركته الدولية، الرافعة الكبرى لثوار الأرز والمشروع الأميركي في المنطقة. لذلك يبدو السكوت الجنبلاطي "وسياسة بلع الموسى" وسيلة لتحديد الخسائر، بعدما وصل الموالون الى حافة السقوط في الهاوية، أكثر مما هي التزام بالنهج الموالي الذي ساد طيلة سنوات ثلاث.
الانتقاد/ العدد 1340 ـ 3 نيسان/ أبريل 2009
2009-04-03