ارشيف من :آراء وتحليلات
لبنان في ضوء المشهد السياسي للمنطقة: تجاذبات التهدئة.. وعدم الاستقرار

كتب المحرر السياسي
قيمة المواقف التي تعلن هذه الأيام، أنها تسهم في توضيح صورة المشهد السياسي المقبل في لبنان والمنطقة، في هذا الإطار، يمكن ملاحظة التالي:
أولاً: بالنسبة للتسوية لا تزال الصورة غامضة ويسودها الكثير من البلبلة: واشنطن توكل مبعوثا خاصا من أجلها هو جورج ميتشل، الرئيس الأميركي أوباما يرى منذ الآن أن التسوية لن تكون سهلة خصوصاً في ظل حكومة يمينية في الكيان الإسرائيلي، الأوروبيون من جهتهم يظهرون اهتماماً خاصاً بتحريك عجلة التسوية، ويريدون انخراط الجميع ومنهم لبنان. التقدير السوري ـ كما جاء على لسان الرئيس بشار الأسد ـ لا يميل إلى التفاؤل، نتنياهو يرى ضرورة بناء التسوية على قاعدة اقتصادية فلسطينية، بكلمة أخرى أولوية الاقتصاد كمدخل للسلام، وليس للحل، الوضع الفلسطيني الذي يعتبر في أساس أي تسوية لا يزال عالقاً في خلافاته البينية التي تتداخل فيها كل أنواع الخلافات: الصراع على السلطة، الصراع على منظمة التحرير، الصراع على القرار الفلسطيني ... الخ.
كل ما تقدم يؤكد أن مسار التسوية لن يكون انطلاقه سهلاً، من دون أن يعني ذلك أننا لن نشهد تحركات ومساعي لملء الفراغ. ومن المؤكد هنا، أننا لن نجد حلولاً فعلية في المدى المنظور، وأن القضية الفلسطينية بما هي قضية صراع مع العدو الإسرائيلي ستبقى تراوح مكانها، بل سنشهد محاولات اسرائيلية إضافية لطمس هذه القضية وتحوير مضمونها.
ثانياً: بالنسبة للمصالحات العربية يبدو أن المنجز حتى الآن هو التفاهم على وقف تظهير هذه الخلافات، وإدارتها وفق منطق الصراع والتنافس، وذلك لمصلحة منطق إدارة الخلاف وتنظيمه من دون اللجوء إلى ما من شأنه أن يسعّره. الكلمة السحرية هنا هي التهدئة بما هي شرط أولي تمهيدي يمكن أن يليه ما يعززه، ويمكن أن تبقى الأمور حيث هي، وإذا كان من تقدُّم ممكن فهو بحسب الملفات.
ثالثاً: إيران ما زالت هي محور السياسة الأميركية، وهذا أمر طبيعي نظراً للواقع الأميركي الحالي، وللواقع الإيراني المتنامي قوة وتأثيراً بالمعنى الجيوبوليتيكي للكلمة، وعلى امتداد المنطقة.
ما صدر حتى الآن من مواقف لكلتا الدولتين يكشف عن تبادل للرسائل لكن وفق منطق الدول التي تحترم نفسها: أرسل أوباما رسالة مهمة، تلقفتها إيران بمنطق الدولة القادرة والعزيزة، تريدون حواراً فلتثبتوا نواياكم، لن نفرش لكم السجاد الأحمر، ولن نهرع إلى ما بعد الباب لاستقبالكم، غرفة الاستقبال جاهزة، إلا أنكم تعرفون شروط الضيافة والاستقبال، هنا، ثمة شروط وشروط مضادة وهذا أمر طبيعي، ومن المؤكد أن المشوار ليس سهلاً، وإنما مليء بالعقد والحذر، وحتى سوء الظن من إيران بنوايا واشنطن، لكي يمكن تحقيق نتائج أولاً بأول، ونتائج يمكن مراكمتها والبناء عليها، وهذا ما يقلق كثيرين.
رابعاً: لبنان الذي يتلقى دائماً الإشارات والرسائل الوافدة في المنطقة، يعيش وضعاً ملتبساً بدوره: هناك متغيرات ولا شك، وليست لمصلحة أزلام أميركا التي تبدو همومها اليوم في مكان آخر، قوى المعارضة قوية في الداخل والخارج، المصالحات ليس معلوماً إذا كانت ستنتهي إلى تفاهمات أو تسويات ما، هنا الأمور في دائرة الاحتمالات التالية: تفاهم سوري ـ سعودي ـ أوروبي ـ أميركي: حده الأدنى أمني وموكل إلى دمشق بطريقة مختلفة، وحده الآخر اقتصادي وموكل إلى الرياض و"زلمتها" الحريري، هناك احتمال عدم التفاهم، ما يعني ترك الأطراف تخوض صراعاتها، إلا أن من الواضح للجميع أن النتائج لن تكون بفارقٍ يمكن عده فوزاً لطرف على آخر بالضربة القاتلة، وإنما بفارق طفيف، ما يعني عملياً أن لا نجاح فعلياً لطرف على آخر، اللعب بالتوازن يعني إدخال لبنان في متاهات عدم الاستقرار، لذا، إذا كان مطلوباً إدامة قرار التهدئة، فلا بد من ترجمة التوازن بحكومة وحدة وطنية وفق قاعدة الثلث المعطل، ما يعني بدوره إدامة الوضع الحالي.
حتى الآن، وبالرغم من تباعد تصريحات الفرقاء المتصارعين، لا شيء يشي بعكس ذلك، لأن خطاب ما بعد الانتخابات هو ليس خطاب ما قبلها، ولذا، فإن احتمال أن نشهد خريطة سياسية جديدة أمرٌ وارد بدوره.
الانتقاد/ العدد 1340 ـ 3 نيسان/ أبريل 2009
قيمة المواقف التي تعلن هذه الأيام، أنها تسهم في توضيح صورة المشهد السياسي المقبل في لبنان والمنطقة، في هذا الإطار، يمكن ملاحظة التالي:
أولاً: بالنسبة للتسوية لا تزال الصورة غامضة ويسودها الكثير من البلبلة: واشنطن توكل مبعوثا خاصا من أجلها هو جورج ميتشل، الرئيس الأميركي أوباما يرى منذ الآن أن التسوية لن تكون سهلة خصوصاً في ظل حكومة يمينية في الكيان الإسرائيلي، الأوروبيون من جهتهم يظهرون اهتماماً خاصاً بتحريك عجلة التسوية، ويريدون انخراط الجميع ومنهم لبنان. التقدير السوري ـ كما جاء على لسان الرئيس بشار الأسد ـ لا يميل إلى التفاؤل، نتنياهو يرى ضرورة بناء التسوية على قاعدة اقتصادية فلسطينية، بكلمة أخرى أولوية الاقتصاد كمدخل للسلام، وليس للحل، الوضع الفلسطيني الذي يعتبر في أساس أي تسوية لا يزال عالقاً في خلافاته البينية التي تتداخل فيها كل أنواع الخلافات: الصراع على السلطة، الصراع على منظمة التحرير، الصراع على القرار الفلسطيني ... الخ.
كل ما تقدم يؤكد أن مسار التسوية لن يكون انطلاقه سهلاً، من دون أن يعني ذلك أننا لن نشهد تحركات ومساعي لملء الفراغ. ومن المؤكد هنا، أننا لن نجد حلولاً فعلية في المدى المنظور، وأن القضية الفلسطينية بما هي قضية صراع مع العدو الإسرائيلي ستبقى تراوح مكانها، بل سنشهد محاولات اسرائيلية إضافية لطمس هذه القضية وتحوير مضمونها.
ثانياً: بالنسبة للمصالحات العربية يبدو أن المنجز حتى الآن هو التفاهم على وقف تظهير هذه الخلافات، وإدارتها وفق منطق الصراع والتنافس، وذلك لمصلحة منطق إدارة الخلاف وتنظيمه من دون اللجوء إلى ما من شأنه أن يسعّره. الكلمة السحرية هنا هي التهدئة بما هي شرط أولي تمهيدي يمكن أن يليه ما يعززه، ويمكن أن تبقى الأمور حيث هي، وإذا كان من تقدُّم ممكن فهو بحسب الملفات.
ثالثاً: إيران ما زالت هي محور السياسة الأميركية، وهذا أمر طبيعي نظراً للواقع الأميركي الحالي، وللواقع الإيراني المتنامي قوة وتأثيراً بالمعنى الجيوبوليتيكي للكلمة، وعلى امتداد المنطقة.
ما صدر حتى الآن من مواقف لكلتا الدولتين يكشف عن تبادل للرسائل لكن وفق منطق الدول التي تحترم نفسها: أرسل أوباما رسالة مهمة، تلقفتها إيران بمنطق الدولة القادرة والعزيزة، تريدون حواراً فلتثبتوا نواياكم، لن نفرش لكم السجاد الأحمر، ولن نهرع إلى ما بعد الباب لاستقبالكم، غرفة الاستقبال جاهزة، إلا أنكم تعرفون شروط الضيافة والاستقبال، هنا، ثمة شروط وشروط مضادة وهذا أمر طبيعي، ومن المؤكد أن المشوار ليس سهلاً، وإنما مليء بالعقد والحذر، وحتى سوء الظن من إيران بنوايا واشنطن، لكي يمكن تحقيق نتائج أولاً بأول، ونتائج يمكن مراكمتها والبناء عليها، وهذا ما يقلق كثيرين.
رابعاً: لبنان الذي يتلقى دائماً الإشارات والرسائل الوافدة في المنطقة، يعيش وضعاً ملتبساً بدوره: هناك متغيرات ولا شك، وليست لمصلحة أزلام أميركا التي تبدو همومها اليوم في مكان آخر، قوى المعارضة قوية في الداخل والخارج، المصالحات ليس معلوماً إذا كانت ستنتهي إلى تفاهمات أو تسويات ما، هنا الأمور في دائرة الاحتمالات التالية: تفاهم سوري ـ سعودي ـ أوروبي ـ أميركي: حده الأدنى أمني وموكل إلى دمشق بطريقة مختلفة، وحده الآخر اقتصادي وموكل إلى الرياض و"زلمتها" الحريري، هناك احتمال عدم التفاهم، ما يعني ترك الأطراف تخوض صراعاتها، إلا أن من الواضح للجميع أن النتائج لن تكون بفارقٍ يمكن عده فوزاً لطرف على آخر بالضربة القاتلة، وإنما بفارق طفيف، ما يعني عملياً أن لا نجاح فعلياً لطرف على آخر، اللعب بالتوازن يعني إدخال لبنان في متاهات عدم الاستقرار، لذا، إذا كان مطلوباً إدامة قرار التهدئة، فلا بد من ترجمة التوازن بحكومة وحدة وطنية وفق قاعدة الثلث المعطل، ما يعني بدوره إدامة الوضع الحالي.
حتى الآن، وبالرغم من تباعد تصريحات الفرقاء المتصارعين، لا شيء يشي بعكس ذلك، لأن خطاب ما بعد الانتخابات هو ليس خطاب ما قبلها، ولذا، فإن احتمال أن نشهد خريطة سياسية جديدة أمرٌ وارد بدوره.
الانتقاد/ العدد 1340 ـ 3 نيسان/ أبريل 2009