ارشيف من :أخبار عالمية

قمة الدوحة.. لا جديد!

قمة الدوحة.. لا جديد!
بغداد ـ عادل الجبوري                                                    
هل جاءت القمة العربية الاخيرة في العاصمة القطرية الدوحة بجديد؟  
أي مواطن عربي من الممكن والطبيعي ان يجيب سريعا عن هذا التساؤل بالقول "لم تأت بجديد ولم يكن متوقعا لها ان تأت بجديد"!. 
وحينما يطرح التساؤل على أي مواطن عراقي ـ وقد طرحته شخصيا على البعض ـ لن يكون الجواب مختلفا من حيث الجوهر والمضمون، مع ان زاوية التقويم والنظر ستكون عراقية، والمواطن العراقي سيضيف على جواب شقيقه المواطن العربي "بأن العراق ذهب الى العرب بأشياء جديدة، لكنه لم يلمس منهم ما هو جديد".     
وبالنسبة للقمم العربية السابقة كانت هناك مشتركات عديدة فيما بينها، لعل من أهمها، انها مثلت بالنسبة لبعض الاطراف فرصة للتشهير بأطراف اخرى، وتبادل الاتهامات، وانها لم تخرج بحلول ومعالجات عملية وواقعية للمشاكل والازمات العربية بمختلف ابعادها وجوانبها، وانها مثلت في معظم الاحيان فرصا ومناسبات لالقاء خطب نارية فيها القدر الكبير من المثالية في اطار التنظير، لكن لا وجود لمصاديق لها على صعيد التطبيق، وان اية قمة عربية من القمم الاثنتين والثلاثين، ما بين قمم عادية وقمم طارئة، لم تساهم في التقريب بين العرب ان لم تكن قد باعدت فيما بينهم وعمقت الهوة القائمة، وان معظم القمم العربية - ان لم يكن جميعها- كانت تأتي وكأنها نتاج او انعكاس لأزمة ما في الساحة العربية، او مقدمة لها.
وما حصل في قمة الدوحة وقبلها كل القمم الاخرى، لم يكن سوى عرض للمشاكل والازمات، واستعراض للمواقف، وتأكيد على ما ينبغي ان يكون، ولا نعتقد ان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ولا أي زعيم او سياسي عربي ذهب الى القمة، وهو يأمل حلولا ومعالجات واقعية لمشاكل بلده او مشاكل البلدان الاخرى.        
لا تمثل القمم العربية - مثلما هي القمم الاوروبية او قمم الدول الصناعية الكبرى وغيرها- مكانا مناسبا للتوصل الى مخارج للازمات الشائكة، او تحديدا للمسارات الصائبة، او تشخيصا للخطوات اللاحقة.  
والكثيرون يتذكرون ان القمة العربية التي عقدت في بغداد في شهر ايار/ مايو من العام 1990، اطلقت اشارات واضحة للغاية على قرب وقوع الكارثة، وبالفعل لم تمر ثلاثة شهور الا ونظام صدام قد ابتلع الكويت، وخلط كل الاوراق.
وحينما يتأمل المراقب الواقع الراهن يجد ان ملفات الخلافات والتجاذبات العربية - العربية، والأزمات الداخلية المزمنة هي التي طغت وهيمنت على أجواء ومناخات قمة الدوحة، فالاختلافات والخلافات بين أطراف عربية مهمة مثل دمشق والقاهرة والرياض لم تنطو صفحاتها بالكامل، والاختلافات بين الدوحة والقاهرة، أدت الى مقاطعة حسني مبارك زعيم أكبر وأهم دولة عربية للقمة، وتقدير عدم الخروج عن المألوف والمتوقع دفع زعماء أكثر من دولة عربية الى إرسال من يشغل المقاعد المخصصة لهم ويتولى إلقاء كلماتهم، والقطيعة بين الرياض وطرابلس الغرب أوجدت أجواء كانت مدعاة للسخرية والتهكم من باب "شر البلية ما يضحك".  
ولعل استعراضا سريعا لتاريخ القمم العربية يؤكد ويشير الى عمق الاختلافات والخلافات والتقاطعات والتناقضات العربية - العربية واستحالة حلها وفك عقدها المستعصية، إذ أن كل القمم العربية كانت تؤكد وتشدد على محورية القضية الفلسطينية وحق الفسلطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وما الى ذلك من المصطلحات والعبارات والشعارات العريضة إلا ان شيئا ايجابيا لم يتحقق، بل حصل العكس.  
فأول قمة عربية عقدت في مدينة انشاص المصرية في ايار/ مايو من عام 1946 وكانت طارئة دعا اليها الملك فاروق ملك مصر حينذاك لمناصرة القضية الفلسطينية، وتلتها قمة اخرى في بيروت بعد عشرة أعوام، وتحديدا في عام 1956 لدعم مصر في مواجهة العدوان الثلاثي عليها. ومن ثم قمة في القاهرة في عام 1964 بدعوة من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر تمحورت حول اهمية إنهاء الخلافات، وتصفية الجو العربي، وتحقيق المصالح العربية العادلة المشتركة، ودعوة دول العالم وشعوبها إلى الوقوف إلى جانب الأمة العربية في دفع العدوان الإسرائيلي.
وبعدها جاءت قمة الإسكندرية بعد شهور قلائل من نفس العام لدعم التضامن العربي وتحديد الهدف القومي ومواجهة التحديات، والترحيب بمنظمة التحرير الفلسطينية بعد الاعلان عن تأسيسها.
وبعد عام تقريبا عقدت قمة عربية اخرى في مدينة الدار البيضاء (كازابلانكا) بالمغرب بدعوة من الملك المغربي الراحل الحسن الثاني، وتقرر فيها الالتزام بميثاق التضامن العربي، ودعم قضية فلسطين عربيا ودوليا، والتخلي عن سياسة القوة وحل المشاكل الدولية بالطرق السلمية، وتصفية القواعد الأجنبية وتأييد نزع السلاح.
اما قمة الخرطوم التي عقدت في شهر آب/ أغسطس من عام 1967 فقد صدرت عنها اللاءات الثلاث الشهيرة وهي لا صلح، ولا تفاوض مع اسرائيل، ولا اعتراف بها!.
 وبعد اكثر من عامين بقليل، وتحديدا في كانون الاول/ ديسمبر 1969 عقدت قمة الرباط، حيث دعت إلى إنهاء العمليات العسكرية في الأردن بين المقاتلين الفلسطينيين والقوات المسلحة الأردنية، ودعم الثورة الفلسطينية.
وفي القاهرة عقدت قمة عربية اخرى طارئة عام 1970 بعد ما عرف بأحداث "أيلول الأسود" التي شهدتها المخيمات الفلسطينية في الأردن، وكان من أهم التوصيات التي خرجت بها القمة، الإنهاء الفوري لجميع العمليات العسكرية من جانب القوات المسلحة الأردنية وقوات المقاومة الفلسطينية، والسحب السريع لكلا القوتين من العاصمة عمان، وإرجاعها إلى قواعدها الطبيعية والمناسبة، وانتهت مشاورات المؤتمر إلى مصالحة كل من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية وملك الأردن الراحل الملك حسين.
وبعد ثلاثة اعوام عقدت قمة في الجزائر، أكدت استحالة فرض حل على العرب، في أعقاب حرب تشرين الاول/ أكتوبر 1973 التي اعتبرتها القمة نتيجة حتمية لسياسة "إسرائيل" العدوانية.
ومرة اخرى استضافت العاصمة المغربية قمة عربية في عام 1974 تم خلالها وضع أسس العمل العربي المشترك، والالتزام باستعادة حقوق الشعب الفلسطيني، واعتماد منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني.
وفي العاصمة السعودية الرياض، عقدت قمة عربية طارئة في تشرين الاول/ اكتوبر 1976 في أعقاب اندلاع الحرب الاهلية في لبنان، إذ دعت القمة إلى وقف إطلاق النار في لبنان وإعادة الحياة الطبيعية إليه واحترام سيادته ورفض تقسيمه، وإعادة إعماره، وتشكيل لجنة عربية لتنفيذ اتفاقية القاهرة، وجاءت في نفس الشهر قمة اخرى في القاهرة صادقت على قرارات قمة الرياض ليس الا!.
وفي بغداد عقدت قمة عربية في ايار/ مايو من عام 1978 اثر إبرام اتفاقية "كامب ديفيد" بين مصر و"اسرائيل"، حيث تم في القمة رفض الاتفاقية، واتخاذ قرار بنقل مقر الجامعة العربية إلى تونس وتعليق عضوية مصر ومقاطعتها.
وفي قمة تونس عام 1979 تم التأكيد على تطبيق المقاطعة على مصر، ومنع تزويد "إسرائيل" بمياه النيل، وإدانة سياسة الولايات المتحدة وتأييدها لـ"إسرائيل". وشهدت قمة عمان في تشرين الثاني/ نوفمبر 1980 تأكيدا على ان قرار مجلس الأمن الدولي (242) لا يشكل أساسا صالحا للحل في المنطقة، ودعت إلى تسوية الخلافات العربية.
أما قمة فاس في المغرب في تشرين الثاني/ نوفمبر 1981 فقد بحثت في مشروع السلام العربي، والموقف العربي من الحرب العراقية ـ الإيرانية، وموضوع القرن الإفريقي.
وجاءت قمة الدار البيضاء الطارئة في آب/ اغسطس 1985 لتبحث القضية الفلسطينية، وتدهور الأوضاع في لبنان، والإرهاب الدولي.
أما قمة عمان غير العادية في تشرين الثاني/ نوفمبر 1987 فقد بحثت موضوع الحرب العراقية الإيرانية والتضامن مع العراق، والنزاع العربي الإسرائيلي، وموضوع عودة مصر إلى الصف العربي.
وجاءت قمة الجزائر غير العادية في شهر حزيران/ يونيو من عام 1988 لتؤكد الدعم العربي للانتفاضة الفلسطينية الأولى، وتناقش موضوع المؤتمر الدولي حول السلام، والسياسة الأميركية وقضية فلسطين.
بعدها شهدت قمة الدار البيضاء غير العادية التي عقدت في ايار/ مايو من عام 1989 إعادة مصر إلى عضوية الجامعة العربية، وبحث قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، والمؤتمر الدولي للسلام، وتشكيل لجنة لحل الأزمة اللبنانية، والتضامن مع العراق، تلتها قمة بغداد غير العادية التي عقدت في ايار/ مايو من عام 1990، والتي اعتبرت القدس عاصمة لدولة فلسطين، ودعمت قيام اليمن الموحد، وحذرت من تصاعد موجات الهجرة اليهودية الى فلسطين وخطورتها على الأمن القومي العربي، وإدانة قرار الكونغرس الاميركي باعتبار القدس عاصمة لـ"إسرائيل"، لكن في الواقع حفلت تلك القمة بسجالات وتجاذبات كانت ايذانا بوقوع كارثة غزو نظام صدام للكويت.
وبعد شهرين من غزو دولة الكويت انعقدت قمة عربية طارئة في القاهرة ادانت العدوان العراقي على الكويت، وأكدت سيادة الكويت، وشجب التهديدات العراقية للدول الخليجية.
وفي الاعوام 1996 و2000 و2001 عقدت ثلاث قمم عربية غير عادية، اثنتان في القاهرة وواحدة في عمان.
ومن ثم عقدت قمة في بيروت عام 2002 تمحورت حول الوضع الفلسطيني المتأزم، واعقبتها قمة في القاهرة في اذار/ مارس من عام 2003، قبل بضعة ايام من حرب الاطاحة بنظام صدام، حيث شدد العرب على احترام سيادة العراق، لكنهم خرجوا بحال اسوأ مما دخلوا حيث تبادل الزعيم الليبي معمر القذافي "الاتهامات" في جلسة على الهواء مع ولي العهد السعودي آنذاك الملك عبد الله بن عبد العزيز.
وأحدثت مبادرة الإمارات التي اقترحت تنحى صدام عن السلطة ردود فعل مختلفة بين القادة العرب، وكانت سببا بعد ذلك في حدوث أزمة عميقة بين الإمارات وأمين عام الجامعة عمرو موسى.
وجاءت قمة تونس في ايار/ مايو 2004 لتشدد على ضرورة استمرار الجهود وتكثيفها لمواصلة مسيرة التطوير في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية في الدول العربية بما يتفق مع قيمها ومفاهيمها الثقافية والدينية والحضارية وظروف كل دولة وإمكانياتها.
ولم تأت قمة الجزائر في عام 2005، وكذلك قمة الخرطوم 2006، وقمة الرياض 2007 بشيء جديد الا اجترار وتكرار لعبارات تقليدية بقي الجزء الاكبر منها حبرا على ورق، كما هو حال مقررات وتوصيات القمم السابقة لها.
اذا كان واقع القمم العربية على امتداد اكثر من ستين عاما بهذا المستوى من التشتت والضعف والتقاطعات والاختلافات، فهل يمكن ان نتوقع ان تأتي قمة الدوحة بشيء مختلف وتخرج بقرارات حاسمة ومصيرية تغير ذلك الواقع؟
وجواب المواطن العربي - والعراقي ايضا- هو الصحيح والدقيق.. فتغيير الواقع العربي يبدو مستبعدا الى حد كبير، ان لم يكن مستحيلا، لان المقدمات تدعو الى الإحباط اكثر مما تدفع الى التفاؤل بكثير.
الانتقاد/ العدد 1340 ـ 3 نيسان/ أبريل 2009
2009-04-04