ارشيف من :أخبار عالمية

بغداد تشهد صباحا دمويا.. هل يعود العراق الى المربع الاول؟

بغداد تشهد صباحا دمويا.. هل يعود العراق الى المربع الاول؟
بغداد ـ عادل الجبوري
لم يكاد اهالي العاصمة العراقية بغداد يستيقضوا بالكامل صباح يوم الاثنين الماضي، السادس من شهر نيسان/ أبريل الجاري، حتى هزت سلسلة انفجارات بسيارات مفخخة وعبوات ناسفة عدة مناطق من العاصمة من بينها مدينة الصدر وبغداد الجديدة وعلاوي الحلة والسيدية وام المعالف.
ولم تكن تفصل من الناحية الزمنية بين الانفجارات الستة التي تسببت بسقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى سوى بضعة دقائق.     
ويذكر مشهد تلك العمليات الارهابية التي وقعت معظمها في اماكن مكتظة بالمواطنين، بموجة الارهاب والعنف الدموي التي اجتاحت بغداد ومدن عراقية اخرى خلال عامي 2005 و 2006.   
ومع ان تفجيرات بسيارات مفخخة وعبوات ناسفة ولاصقة وعمليات اغتيال تحصل بأستمرار هنا وهناك، الا ان سلسة تفجيرات يوم الاثنين مثلت صدمة ومفاجأة لصناع القرار السياسي وكبار المسؤولين العسكريين والامنيين في بغداد، لان الجميع تقريبا وصلوا الى قناعة بأن استقرارا امنيا وسياسيا كبيرا قد تحقق، بحيث انه لم يعد بأمكان الجماعات الارهابية المسلحة، سواء كانت من حزب البعث المنحل او تنظيم القاعدة اعادة الامور الى ماكانت عليه في السابق، او بتعبير اخر العودة بالعراق الى المربع الاول.
بيد ان هول الصدمة والمفاجأة احدث قدرا غير قليلا من الارباك، وجعل التساؤلات تنهال كالمطر عن حقيقة الانجازات والمكاسب المتحققة على الصعيد الامني، وعن مدى قدرة القوات الامنية والعسكرية العراقية على الامساك بزمام الامور على الارض من دون مساعدة ودعم اطراف خارجية.
والخطير في الامر ان احداث صباح الاثنين جاءت من حيث التوقيت مرتبطة بجملة معطيات لابد من اخذها بنظر الاعتبار والتوقف عندها مليا حتى تتضح وتتجلى الصورة بالقدر الكامل. مما يعني انها مثلت رسائل واضحة الى حد كبير من حيث مصدرها ودلالاتها وفحواها، وهي لاتختلف بأي حال من الاحوال عن سابقاتها الا بمقدار قليل يتعلق بالتوقيت فحسب.
فهي جاءت قبل ثلاثة ايام فقط من الذكرى السنوية السادسة للاطاحة بنظام صدام، وكذلك في خضم حملة رفض شعبية واسعة للمصالحة مع الحزب البعث، وعدم القبول بأعادته الى الحياة السياسية تحت أي مسمى او عنوان.  
وحملة الرفض هذه اشارت بوضوح الى ان هناك مزاج شعبي عام يرفض التعاطي مع منظومة حزب البعث وان كان هناك الكثيرين من انتموا وعملوا في صفوف الحزب فترات طويلة استطاعوا ان يتعايشوا مع الواقع الجديد بعد التاسع من نيسان-ابريل 2003  
وكذلك فأن سلسلة التفجيرات جاءت بعد وقت قصير من احداث منطقة الفضل التي انتهت بألقاء القبض على قائد مجلس الصحوة فيها عادل كريم المشهداني الذي قيل انه كان يقود تنظيما سريا مسلحا تابعا لحزب البعث المنحل، واعقب احداث الفضل صدور توجيهات من قيادة حزب البعث لعناصرها في العراق تتضمن جملة اجراءات مطلوب  اتخاذها بعد كشف خيوط التنظيم السري في منطقة الفضل.  
وهذا يؤشر الى انه من المرجح ان تنظيمات حزب البعث المنحل هي التي تقف وراء تلك العمليات، وان دور تنظيم القاعدة، اذا كان له دور، فهو ثانوي ومكمل، وليس اساسيا، رغم ان البعض يربط مجمل التراجع الامني الاخير، بأرتفاع حدة التشنج في العلاقات العراقية السعودية، وعدم حصول لقاء بين الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على هامش القمة العربية الحادية والعشرين في العاصمة القطرية الدوحة اواخر شهر اذار-مارس الماضي.     
لكن ثمة اشارات من نوع اخر وهي على درجة كبيرة من الخطورة، وقد تطرق اليها عدد من السياسيين العراقيين وحذروا من عواقبها، الا وهي قيام القوات الاميركية بأطلاق سراح اعدادا غير قليلة من المعتقلين في السجون الخاضعة لاشرافها من دون تنسيق مع الحكومة العراقية، علما ان بعض هؤلاء لديهم سجل حافل بالتورط بأعمال ارهابية.
ويرى البعض ان واشنطن تريد من تلك الخطوة اعادة الامور الى ما كانت عليه في اوقات سابقة، وجعل العراقيين يتراجعون عن الاصرار على تنفيذ اتفاقية تنظيم انسحاب القوات الاميركية المبرمة بين بغداد وواشنطن وفق المواعيد الزمنية المقررة فيها.       
والا كيف تقوم واشنطن بخطوة من هذا القبيل، علما ان مسؤولين امنيين اكدوا ان 60% من الذين تم اطلاق سراحهم من قبل الاميركان قد عاودوا نشاطاتهم الارهابية، ناهيك عن ان اعدادا لايستهان بها من الذين تم اطلاق سراحهم ضمن مشروع المصالحة الوطنية هم من الذين تلطخت اياديهم بدماء الابرياء كما يقول المشرف العام للائتلاف العام لعشائر العراق الشيخ ميثم عمران الاسود.
وبلا شك فأن التأزم والتراجع الامني من شأنه ان يفتح الباب لتراجع سياسي واضطراب غير محسوب النتائج اذا لم يتم اتخاذ اجراءات وخطوات سريعة وحازمة من قبل الحكومة العراقية، لضبط الامور والسيطرة عليها والحؤول دون حصول المزيد من التداعيات. 
ومثلما يقول ساسة ومواطنون أن الدولة باجهزتها الامنية والعسكرية والسياسية ملزمة بأن تعمل على البحث والتقصي الجاد والحقيقي عن مكامن الضعف والخلل، ومعالجتها، والحؤول دون تكرار حصول ما حصل صباح يوم امس الاثنين، ولابد من تشخيص وتحديد المقصرين ومحاسبتهم، لان جانب غير قليل من الضعف والخلل يكمن بالدرجة الاساس في بنية الاجهزة الامنية والعسكرية العراقية، التي يتفق الكثيرون على انها مخترقة من بقايا حزب البعث المنحل وتنظيم القاعدة، وكذلك بأنها خاضعة لاجندات واشنطن اكثر من خضوعها لاجندات بغداد!.
2009-04-07