ارشيف من :أخبار لبنانية
خاص الانتقاد.نت: المحكمة الدولية طلبت ملف الحريري للمحاكمة والحكومة اللبنانية تماطل/ بقلم جوزف أبو فاضل(*)

من المؤكد في هذا المجال أن هناك ظروفاً ومعطيات ستطرأ ويكون لها دور حاسم في هذه التحالفات، منها ما هو قريب وقريب جدّاً ويتعلق بقضية احتجاز الضباط الأربعة، اللواء الركن جميل السيّد واللواء علي الحاج والعميد ريمون عازار والعميد مصطفى حمدان.
... ومنها ما هو مقيّد بالحوار والتفاهم للوصول لتسويات إقليمية لا سيّما الحوار السوري – السعودي، والحوار الفلسطيني – الفلسطيني عبر القاهرة وفيها، والحوار الأميركي – الإيراني الذي انطلق سرياً وبقوة وظهر الى العلن من خلال الحوار الذي جمع الوفدين الأميركي والإيراني في المؤتمر الأخير الذي عُقد في "لاهاي"، والذي كان مخصصاً لبحث الأزمة الأفغانية.
في موضوع الضباط الأربعة بدأت القضية تتحرك وتتجه نحو الحسم إما بالإفراج عنهم وإما باستمرار اعتقالهم (العودة الى مقالنا في 1 آذار 2009).
فمن المعروف أنه مع إعلان أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون انطلاق المحكمة الدولية الخاصة بالرئيس الشهيد رفيق الحريري في الأول من آذار 2009، تم تعيين القضاة اللبنانيين والدوليين وانتقالهم الى لاهاي، وانتخابهم القاضي انطونيو كاسيني رئيساً للمحكمة الدولية الخاصة، وكذلك تعيين القاضي البلجيكي دانيال فرنسيتي قاضي الاجراءات التمهيدية في المحكمة المذكورة.
... ومع انطلاق هذه الاجراءات والتشكيلات نكون قد دخلنا في مهلة الستين يوماً ( 60 يوماً) الذي حددها نظام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والتي يجب خلالها على قاضي الاجراءات التمهيدية بناء على طلب المدعي العام القاضي دانيال بيلمار أن يطلب من القضاء اللبناني التنازل عن قضية اغتيال الحريري وإحالة نتائج التحقيق، ونسخة من السجل من المحقق العدلي اللبناني، بالإضافة الى قائمة بجميع الأسماء المحتجزين رهن التحقيق في هذه القضية.
وهذا ما حصل بالفعل في 25 آذار/ مارس 2009، حيث تقدم المدعي العام بيلمار من قاضي الإجراءات التمهيدية بطلب الى الحكومة اللبنانية التنازل عن اختصاصها لمصلحة المحكمة الدولية، وأن تحيل الى المدعي العام كل ما يتعلق بهذه القضية، وقد أُحيل طلب القاضي فرنسين الى الحكومة اللبنانية في 27 آذار 2009 بواسطة السفير اللبناني في لاهاي زيدان الصغير.
المفاجأة
... هنا حصلت المفاجأة التي قد تتحول الى فضيحة وإدانة لكل من كان يدّعي أنه مع إنشاء المحكمة الدولية وينتظر اللحظات والدقائق التي تباشر بها عملها للاقتصاص من القتلة من اجل "الحقيقة".
إذ تبيّن أنهم يعيقون فعلاً عمل هذه المحكمة، أو في أفضل الأحوال يتعمّدون التأخير والمماطلة واستنفاد المهل المحددة ...
فمن المعروف أن المحكمة الدولية التي باشرت عملها في الأول من آذار 2009، كان قد أعلن عن ذلك قبل خمسة أشهر، وكان من الممكن أن يطلب قاضي الإجراءات التمهيدية أن يطلب من القضاء اللبناني التنازل عن اختصاص وإحالة الملف الى المحقق الدولي، وذلك في الأسبوع الأول من آذار.
لكن ولأمور نجهلها، تأخر هذا الطلب حتى نهاية شهر آذار كما سبق وذكرنا، أي في منتصف المهلة المحددة (60 يوماً) وبالتالي هدف القضاء الدولي من جراء هذا التوقيف أن يكون عادلاً، ومنصفاً، فلا يأتي طلبه في الأسبوع الأول من آذار ولا في الأسبوع الأخير من نيسان.
إلى ذلك ... يستدل من هذه الأمور والقصص والحكايات أن القضاء اللبناني كان ومنذ أشهر طويلة موضوعاً في صورة وحتمية هذا الطلب الذي سيأتي في أي وقت خلال مهلة الستين يوماً ... وحين تقدم القضاء الدولي بطلبه حصلت المفاجأة غير السارة للذين هم مثلنا يطالبون بالحقيقة!!
... استناداً الى قواعد الإجراء والإثبات في المحكمة لا سيما المادة 17 منه التي وضعها القضاة اللبنانيون والدوليون في اجتماعاتهم في لاهاي، حيث جاء في المادة (أ) بناء على المادة (4) الفقرة (2) من النظام الأساسي.
وفي مهلة لا تتجاوز الشهرين من تسلم المدعي العام مهماته، يطلب قاضي الإجراءات التمهيدية، بناء على طلب المدعي العام، من السلطة القضائية المكلفة بالتحقيق في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري أن تعمد ضمن مهلة أقصاها 14 يوماً للقيام بالآتي:
1.التنازل عن اختصاصها للمحكمة.
2.إحالة نتائج التحقيق العدلي وسواها من مواد الإثبات ذات الصلة على المدعي العام.
3.تقديم قائمة بأسماء الأشخاص الموقوفين رهن التحقيق في القضية الى قاضي الإجراءات التمهيدية (...).
مماطلة القضاء الدولي وتأخير البتّ أو الدخول في إجراءات قانونية الى ما بعد 7 حزيران يعني تسيِّساً و"رصاصة الرحمة" في رأس المحكمة الدولية بالمماطلة سقطت "ورقة التوت" وعرف اللبنانيون من يريد فعلاً "الحقيقة" ومن يتاجر بـ "الحقيقة" ومن يتلطى وراء "الحقيقة" ويتاجر بدم الشهيد الحريري لتحقيق مكاسب للتحكم في "وطن الأرز" |
.. ومهما يكن من أمر فإنه في الرابع عشر من نيسان ستصبح القضيّة في عهدة القضاء الدولي ، وعندها سيعمد المدّعي العام الدولي القاضي دانيال بلمار وفي "أقرب وقت ممكن" الى التقدّم من قاضي الإجراءات التمهيدية بطلب معلّل مؤيّد بالشروحات المتوافرة لكل شخص وارد في القائمة لتحديد ما إذا كان يرغب في استمرار توقيفه أو لا يعارض إطلاقه.
وعليه، ابتداءً من 14 نيسان وضمن مهلة لا يجب أن تتعدّى الأسبوعين إذا تعتمدنا على نصّ المادة 17 وتفسير فقرة " أقرب وقت ممكن" يُفترض أن يصدر القرار الدولي المنتظر، والذي سيكون بمثابة الزلزال، كون كل المؤشّرات الحالية تشير الى براءة الضبّاط الأربعة وعدم ضلوعهم في جريمة تغتيال الرئيس الشهيد الحريري.
فلو كان التحقيق اللبناني يملك الأدلة لإدانة هؤلاء الضبّاط ، لكان بادر فوراً بإحالتهم الى القضاء الدولي عند طلبه لإعطاء قراره السابق مصداقية ومشروعية والخروج من دائرة التشكيك والاتهام ، لكن القضاء اللبناني يعرف جيداً أن إحالة الضبّاط الأربعة الى المحكمة الدولية تعني إطلاقهم، والنتيجة تكون إصابته بسهام مميتة (ونحن لا نقبل ذلك).
وعندها لن ينفع القضاء، بأنه أقدم على إصدار مذكرات توقيف بحق هؤلاء الضبّاط بناءً على طلب المحقّق الدولي ديتليف ميليس الذي أساء الى التحقيق الدولي ولبنان والرئيس الشهيد الحريري ، فالكل يعرف أن ديتليف ميليس قد سيّس التحقيق واستند الى أدلة كاذبة وشهود فبركهم بعض أركان قوى 14 شباط وصفّق لهم الباقون ، وكاد عمله ، ميليس المذكور، أن يتسبّب بفضيحة للأمم المتّحدة التي بادرت فوراً الى استبداله في أقرب فرصة سنحت لها بذلك بالمحقّق البلجيكي القاضي سيرج برامرتس الذي أعاد التحقيق الى حرفيته ومهنيته .
وكذلك أبلغ برامرتس القضاء اللبناني ، بموجب مذكرة لم يُعلن عنها أنه لا يعارض إطلاق سراح الضبّاط الأربعة ، ويترك الأمر للقضاء اللبناني ، وهذا يعني أن توقيف الضبّاط الأربعة كان بناءً لطلب القضاء الدولي (ميليس) لكن استمرار تحتجازهم جاء بناءً لرغبته وإصرار من القضاء اللبناني ، بحيث لا يمكنه بأي حال من الأحوال التلطّي وراء القضاء الدولي الذي تراجع القاضي براميرتس عن كل ما اتخذه سلفه ديتليف ميليس من إجراءات وتسييس لملف تحقيق لجريمة بهذا الحجم.
القاضي دانيال بيلمار سار على خطى سلفه القاضي سيرج براميرتس ولا يمكنه الآن إلاّ أن يصدر قراره بالإفراج عن الضبّاط الأربعة . لأن ما سيرده من القضاء اللبناني لا يشكّل جديداً في موضوع التحقيق، فالمعلومات لدى القضاء اللبناني كانت في جزء كبير منها نتيجة التحقيق الدولي، أو في أفضل الأحوال نتيجة التعاون بين الجانبين . ولا يمكن إذاً من هذه المعلومات أن تبدّل المعطيات القائمة .
الضباط الأربعة الى الحرية .. وإلا !!
إذاً، الضبّاط الأربعة الى الحريّة .. ابتداءً من النصف الثاني من شهر نيسان/ أبريل الحالي 2009 . وفي مهلة أقصاها حتّى منتصف شهر أيار/ مايو القادم 2009 .
أمّا في حال تأخير الموضوع الى ما بعد الانتخابات النيابية من خلال تأخير قرار المدّعي العام الدولي بيلمار أو من خلال استئناف هذا القرار من قبل مكتب الدفاع، فهذا يعني وبكل بساطة أن المحكمة الدولية تكون قد تحوّلت الى أداة للتسييس والدخول في الصراعات الداخلية اللبنانية وتغليب فريق على آخر، عندها يفترض أن يكون هناك موقف آخر من المحكمة الدولية، ويصبح التشكيك بدورها أمراً مشروعاً .
إن هذه الفرضية مبرّرة ومشروعة في ظلّ كل ما رافق إطلاق وإنشاء التحقيق والمحكمة الدولية من إجراءات وخطوات استهدفت فريقاً لبنانياً معيّناً، وكي لا نستبق الأمور فإن قواعد الإجراء والإثبات التي يفترض اتباعها في عمل المحكمة جاءت قانونية وعادلة، ويفترض أن يتم تحقيقها وعلى سبيل المثال تقول المادة المعنيّة بهذا الأمر ... بالنسبة الى كل شخص عارض المدعي العام إطلاقه، على قاضي الاجراءات التمهيدية في أقرب وقت ممكن أن يدعو هذا الشخص ووكيله الى جلسة علنية قد تتم في جلسة متلفزة عند الاقتضاء لتحديد ما إذا كان يجب نقله الى مكان التوقيف لدى المحكمة عملاً بالمادة 4 من الفقرة 2 من النظام الأساسي، أو إصدار أمر أو مذكرة بتوقيفه بعد الاستماع إليه أو لوكيله.
القضاء اللبناني مدعو الى الاسراع بإجابة الطلب الدولي والتنازل عن اختصاصه لمصلحة المحكمة الدولية لإعطاء كل ذي حقّ حقه.
كما على القضاء الدولي أن يبتّ بموضوع الضباط الأربعة في غضون أيام أو أسابيع معدودة انسجاماً مع "نظام القواعد والإثبات" التي تنصّ على "أقرب وقت ممكن" وعدم إطالة الأمر الى ما بعد السابع من حزيران/ يونيو 2009، كي لا تسقط المحكمة سقوطاً كبيراً.
وكذلك على القاضي بيلمار وهو المدعي العام أن يسرع بإنجاز قراره الاتهامي لكي يكون أمام انعقاد المحكمة، أقله مادة وحيدة تخولها لبدء جلساتها تمهيداً لإصدار الحكم – هذا إذا كان هناك من حكم في المدى المنظور، لأن إطالة التحقيق لسنوات وسنوات (وهو مستمر حتى الآن منذ 4 سنوات) أمر أصبح واضحاً ومرفوضاً!
كذلك إطالة المحكمة لسنوات وسنوات يعني أن حياة شعب بأكمله قد ضاع عقد منها بحثاً عن "الحقيقة" لكنه لم يصل إليها. فتحوّلت بهمّة "تركيب الملفات " الى سراب .
(*) محامي، كاتب ومحلل سياسي