ارشيف من :أخبار عالمية

خاص الانتقاد.نت: العدوان على العراق في عامه السادس

خاص الانتقاد.نت: العدوان على العراق في عامه السادس
بغداد ـ عادل الجبوري
مرت ستة اعوام على سقوط نظام صدام، الذي تربع على عرش السلطة كنظام فترة خمسة وثلاثين عاما، وكشخص لمدة ثلاثة وعشرين عاما.
وكل من يتأمل ويدقق في وقائع الاعوام الستة المنصرمة ويقارنها بوقائع الاعوام الخمسة والثلاثين، او الاعوام الثلاثة والعشرين التي تربع فيها صدام على عرش السلطة يجد ان هناك اوجه تشابه كثيرة جدا بالنسبة لطبيعة الاستهداف الموجه للغالبية العظمى من ابناء الشعب العراقي، واخره ما حصل صباح يوم الاثنين الماضي في مناطق مختلف من العاصمة بغداد.
فسقوط صدام، لم يعني سقوط النظام بكامل منظومته السياسية والامنية والثقافية، ولم يعني طوي صفحة مأساوية من صفحات تأريخ العراق المليء بالاحداث والوقائع المثيرة، بل انه كان مقدمة لبداية عهد جديد لم يكن ممكنا له ان يتخلص من تبعات ومخلفات العهد البائد بيسر وسهولة.
فنظام صدام كان يمارس العنف والارهاب والظلم بأقسى وافضع انواعه من خلال مؤسساته القمعية الامنية والحزبية والاستخباراتية وضمن اطر وسياقات رسمية، وكان يتمتع بقدرة فائقة على التعتيم على قدر كبير من جرائمه بحق ابناء الشعب العراقي.
فعلى سبيل المثال لم يكن واضحا لمعظم العراقيين كم هو عدد المقابر الجماعية في العراق من الشمال الى الجنوب، ولا عدد السجون والمعتقلات، ولا طبيعة واتجاهات عشرات الالاف من الاشخاص القابعين فيها، بل انه لم يكن واضحا لمعظم العراقيين الطرق والاساليب الذي يستخدمها النظام لتصفية الاف الناس الابرياء وتغييبهم، والدليل على ذلك ان اشخاصا كثيرون غيبتهم اجهزة النظام، ولم يعرف عنهم ذويهم شيئا الا بعد التاسع من نيسان من عام 2003، حيث تبين لهم انه تم اعدامهم ودفنهم في مقابر جماعية مع غيرهم الكثيرين.
وكان بأمكان ذلك النظام عبر قرارات رسمية ان يبيد مدنا وقرى ومزارع ومباني بكاملها بأستخدام الجرافات او المتفجرات او الاسلحة الكيمياوية او غيرها من الاسلحة، وهذا ما حصل في مدينة حلبجة الكردية وفي مدينة الدجيل، وفي كربلاء والنجف والبصرة وغيرها بعد الانتفاضة الشعبانية ربيع عام 1991.
وكان بأمكان ذلك النظام ان يهجر عشرات الالاف من الناس الابرياء تحت ذرائع وحجج واهية، من قبيل التبعية الايرانية، وعدم الولاء السياسي والعمالة والتجسس وما الى ذلك من اتهامات النظم التسلطية الديكتاتورية ضد مواطنيها التي تريد تصفيتهم او تهميشهم او ابعادهم لانهم لايسيرون على نهجها ولا يظهرون الولاء الكافي لها.
وبعد التاسع من نيسان/ ابريل من عام  2003،  واجه العراقيون قمعا وعنفا لم يختلف في جوهره عن عنف وقمع واستبداد النظام، لكن بمظاهر اخرى.
فهؤلاء الذين كانوا في العهد السابق ادوات وعناصر في مؤسسات النظام القمعية، انخرطوا بعد سقوط ذلك النظام في الجماعات الارهابية التي ارادت ان تعيد الامور الى الوراء وتمنع العراقيين من التمتع بالحرية والانفتاح والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.
وهنا فان القسم الاكبر من العراقين وجدوا انفسهم في مواجهة واقع مأساوي ومؤلم، ابتدأ بتخريب وتدمير ونهب مؤسسات البلاد وثرواته من قبل ضعاف النفوس واعداء البلاد، وتواصل بعمليات ارهابية يومية تركزت على المدنيين الابرياء في الشوارع والاسواق والمدارس والجامعات ومحطات النقل، بأساليب ووسائل مختلفة من قبيل السيارات المفخخة والاحزمة والعبوات الناسفة، والانتحاريين، وشتى اسلحة الفتك والقتل والتدمير، الى جانب الاستهداف المتواصل لمفاصل الحياة اليومية، المتمثلة بالمنشات الخدمية مثل شبكات وابراج نقل الطاقة الكهربائية، ومحطات المياه، وانابيب ومصافي النفط وغيرها ومختلف المؤسسات والدوائر الحكومية، لاسيما ذات الطابع الامني والعسكري مثل مراكز الشرطة ومعسكرات الجيش، ناهيك عن عمليات الاختطاف والاغتيال المنظم التي استهدف عدد غير قليل من السياسيين ومسؤولي الدولة ورجال الدين من كافة الطوائف والاديان والطلبة والنساء وعموم الناس.
الى جانب ذلك فأن عمليات التهجير القسري الجماعي على اسس طائفية شكلت ظاهرة خطيرة للغاية تسببت في تعرض الاف العوائل من ابناء الطائفتين السنية والشيعية على حد سواء، ومن الاكراد والتركمان وكذلك المسيحيين لظروف صعبة جدا نتيجة اضطرارهم لترك بيوتهم جراء تهديدات الجماعات الارهابية وحالات القتل لمن لايذعن لها.
ولاتخرج ظاهرة الهجرة الواسعة الى خارج البلاد عن اجواء الارهاب التي اشاعتها الجماعات الارهابية من بقايا حزب البعث المنحل وتنظيم القاعدة، هذه الظاهرة التي ادت الى فقدان البلد الى خيرة كوادره وطاقاته العملية والاكاديمية الفذة والمتميزة من اطباء واستاذة جامعيين ومحامين ومهندسين وخبراء في مجالات مختلفة، فضلا عن عموم الناس الذين يشكلون العنصر الاساس لبناء مجتمع قائم على اسس ومرتكزات سليمة وصحيحة.
واذا كان العام الماضي قد شهدت متغيرات وتحولات ايجابية على الصعيد الامني في الشارع العراقي، وسعت مساحات الامل في نفوس العراقيين، فأن الرؤى والتصورات لدى عدد غير قليل منهم مازالت تحمل مسحة من التشاؤم او الالم او التوجس.
فهناك من يقول ان ما جرى بعد التاسع من نيسان/ ابرايل 2003 هو في الواقع نتاج سياسات خاطئة وغير ممنهجة يتحمل تبعاتها الاحتلال، سواء كانت مقصودة او غير مقصودة، واذا كان زوال نظام صدام قد مثل حلما بالنسبة لمعظم – ان لم يكن كل- العراقيين، فأنه لم يكن هناك من يتمنى او حتى يتوقع ان يشهد العراق ذلك القدر من الفوضى والاضطراب السياسي والامني والاجتماعي بعد زواله.
بينما يرى آخرون ان الحرب الاميركية - الاميركية البريطانية مثلت ايذانا ببدء عهد جديد ليس في حياة العراقيين فحسب، بل وفي حياة شعوب ودول المنطقة بالكامل، وأنه لم يكن هناك مفر مما حصل، لان التجارب اثبتت ان نظام صدام الذي كان صنيعة غربية - اميركية ولعب ادوارا ومهاما في غاية الاهمية خدمة للمصالح الاستراتيجية الغربية في المنطقة، ما كان ممكنا ان يزول ويختفي الا عبر نفس الادوات التي اوجدته وجعلت منه بعبعا يدخل الرعب في نفوس الكثيرين.
وهذا لايختلف عن ما يقال من ان الحرب وما افرزته من تداعيات مختلفة الجوانب والابعاد تكزت تأثيراتها واثارها الايجابية والسلبية المباشرة على العراقيين اكثر من سواهم، وإنها اذا كانت قد مهدت وادت الى الاطاحة بصدام ونظامه الدموي، ووفرت للعراقيين فضاءات واسعة من حرية التعبير كما يبدو في ظاهر الامر، فهي في ذات الوقت دفعت بهم  الى دوامات من الازمات والمشاكل اليومية التي لا بداية لها ولانهاية.
ويبدو ان الستة اعوام المنصرمة وما حفلت به من حراك كبير في المشهد العراقي، ليست كافية للخروج بتقييمات ورؤى نهائية لعموم التجربة، فما زالت الكثير من الملفات، مثل ملف الاحتلال، وملف تركة ومخلفات النظام السابق، وملف البناء السياسي للدولة – النظام السياسي الجديد- وملف الاقتصاد بمختلف عناوينه وتشعباته، كل هذه الملفات وربما غيرها لم تغلق بعد، ومن المستبعد ان تغلق جميعها في نطاق المستقبل المنظور، وهو ما يعني ان المشهد العراقي سيبقى مفتوحا على عدة خيارات، وعلى عدة فضاءات فيها من  السعة والشمول والتنوع والاختلاف والتناقض والتقاطع الشيء الكثير.
2009-04-09