ارشيف من :آراء وتحليلات

بقلم الرصاص: قبضة العدالة الدولية

بقلم الرصاص: قبضة العدالة الدولية
كتب نصري الصايغ
يتقدم العالم بجدارة، من أجل إقامة عدالة ظالمة، تنتقي المتهمين، وتحاكمهم، وفق أصول وقواعد وأنظمة، وتصور الأحكام، وتنتقي المرتكبين المفضوحين وتمنحهم براءة سياسية وأخلاقية، ولا عجب في ذلك، فالعالم محكوم بقاعدة ذهبية دامية: ازدواجية المعايير.
حتى الآن، وبعد محاكمات نورمبرغ ضد القادة النازيين لم يشهد العالم محاكمات بالتساوي للمجرمين المفترضين الذين برهنوا على الملأ، وأمام شاشات التلفزة، أنهم ارتكبوا الأبشع في تاريخ الهمجية الإنساني. لقد تم القبض على ميلوسيفيتش وعلى بعض أبطال المذابح في رواندا (مذابح عرف فيها الفرنسيون وتكتموا عليها) ونظموا محكمة لمعاقبة سفاحي الخمير الحمر في كمبوديا.
فماذا عن جورج بوش أو أيهود أولمرت وأسلافه من مجرمي الحرب في لبنان وفلسطين و.. صبرا وشاتيلا.
لا شيء..
القاعدة الذهبية تفيد ما يلي: بإمكانك أن ترتكب ما تشاء، من موبقات دموية، إذا كنت معنا، والويل لك، إذا ارتكبت بعض المخالفات إن كنت ضدنا، سيقام مهرجان مناهض لك، من رعاة حقوق الإنسان، ومؤيدي العدالة الدولية، اضافة إلى متعهدي نشر "الضمير العالمي" بصيغته البيضاء، الصافية العنصرية.
في ذكرى سقوط بغداد، عفواً، في ذكرى اغتيال بغداد والعراق، بقرار أحادي اتخذه جورج بوش وطغمته من المحافظين الجدد، تذكير ببعض ما فات العرب الاميركيين، في دراسة صدرت منذ عام بلغ عدد المرات التي كذب فيها بوش وستة من أعوانه ما بين 11 أيلول وبدء الحرب على العراق 935 كذبة، فقط لا غير، ومضمون هذا السيل من الكذب، يتحدث عن الخطر الذي يمثله العراق على أمن الولايات المتحدة الاميركية.
وكان من نتائج هذا المسلسل المرعب من الضخ الاعلامي الكاذب، أن زحفت القوات الاميركية، المنطلقة من أراضٍ عربية (حليفة سابقة لحرب العراق ضد ايران)، على العراق، وقامت بتدمير مؤسساته وإلغاء نظامه، وتسريح جيشه، وتفكيك أواصره، فبات دولة متخلّفة مشرعة للعنف الاميركي، والعنف القبلي/ العشائري، والعنف الطائفي والمذهبي.
وسقط مئات آلاف القتلى،مئات آلاف الجرحى، واعتقل، عشرات آلاف العراقيين، وحالياً، يحتل العراق، المرتبة الأولى، في منظومة الدول الراعية للفساد، وهو في الأساس فساد أميركي برعاية ودعم عراقيين.
عراق دام، عراق مقتول، عراق مسفوك، عراق بصيغة جورج بوش، فمن يحاسبه؟
لا أحد وإن جرؤ أحد على طلب الحساب، فيجب أن يكون مستعداً لنيل العقاب الأميركي، أميركا تحاسِب ولا تحاسَب.
أما أيهود أولمرت، فلا شك أنه نال البراءة الغربية اللازمة، قبل وأثناء مذبحة غزة، ثم إنامة الضمير العالمي من قبل السياسيين وتعطيل "منظمات حقوق الانسان" والطريق إلى مجلس الأمن أو الجمعية العامة لتقديم شكوى ملقمة بالفيتو الاميركي المرضي عنه أوروبياً، بتبريرات المعاملة بالمثل.
اسرائيل لا تُعاقَب، بل تعاقِب، فمن يجرؤ على محاسبتها؟ إذا حصل ولوّح أحد بمثل هذا الطلب فسترفع ضده دعوى "معاداة السامية" و"المشاركة في الهولوكوست" و"ممارسة الإرهاب".
لا عدالة من دون قوة تفرضها، لا تكفي قوة القوانين، ولا قوة الحقوق، القوة الأخلاقية غير ملزمة، إن العدالة بحاجة إلى قبضة قوية لتستقيم، وبما أن العرب يراهنون على الاسترخاء الذاتي، وعلى الضعف الأصيل، فلن يحظوا من عالم عدالة الأقوياء الا القوة.
بيننا وبين العدالة الدولية مسافات ضوئية، وعليه فلا يمكن أن نستحصل على جزء من عدالة قضايانا إلا بقوتنا الذاتية.
قبضتنا هي محكمتنا، إلى أن يتم تحرير المحاكم الدولية والضمير العالمي وحقوق الإنسان من يد الأقوياء في هذا العالم.
إن عالماً اختار أن يكون دائماً إلى جانب الكلمة، وضد الكلمة، لا يواجه بالكلام بل "بما ملكت أياديكم وقلوبكم".
الانتقاد/ العدد 1341 ـ 10 نيسان/ أبريل 2009
2009-04-11