ارشيف من :آراء وتحليلات
نقطة حبر: القصة التي غيرت حياة السنائي

كتب حسن نعيم
الحكيم والشاعر أبو المجد عبد المجيد بن آدم السنائي الغزنوي أحد النجوم المتألقة في سماء الأدب الفارسي في أواخر القرن الخامس واوائل القرن السادس الهجري.
وُلِد هذا الشاعر، والعارف الكبير سنة 467 للهجرة في مدينة غزنة وتوفي عام 529هـ، ووري جثمانه في الثرى في نفس هذه المدينة التي تقع اليوم في شرق افغانستان.
كانت اسرة السنائي من الاسر الاصيلة في غزنة، وكان والده صاحب حظ من المعرفة، واستناداً الى احدى الروايات التي نجدها في اعمال السنائي ايضا فقد كان والده يتمتع بمكانة مرموقة في تربية اولاد اعيان عصره.
في مثل هذه الاسرة، وفي ظل بيئة كانت آنذاك مركزاً من المراكز المهمة للفضل والادب، انشغل السنائي في تحصيل العلم والمعرفة، واستطاع بفضل تعرّفه الى علوم عصره، وتمتعه بلسان فصيح وبليغ، وطبع فياض ان يشق طريقه منذ مطلع شبابه بين الادباء والفضلاء.
قضى السنائي شطراً من حياته في السفر والتنقل، فسافر الى بَلْخ وسَرَخْس، وهرات، ونيسابور ومدن خراسان الاخرى، وفي خلال تلك الاسفار كان يحضر مجالس وحلقات دروس عرفاء وعلماء عصره مثل محمد بن منصور السرخسي.
وتشكل مدائح الامراء والحكام قسماً من اشعار السنائي، وذلك عندما كان يعيش في بلاطهم، ويتنقل بينها كما كان حال اكثر شعراء عصره.
الى أن حدث مع هذا الشاعر العظيم ما غير حياته, وقلبها رأساً على عقب. فما هي هذه القصة التي شكلت التحول الأبرز في حياة هذا الحكيم الكبير؟
قيل ان السنائي مر بمجنون كان يقول لصاحبه: املأ الكأس كي أشربها على رغم أنف ابراهيم الغزنوي, وهو الملك الذي يمتدحه السنائي. فقال له صاحبه: ان ابراهيم ملك عادل فلا تذمه, فقال المجنون هذا صحيح ولكنه بلا إنصاف. فرغم أنه لم يضبط أمور غزنين بعد, نراه يفكر بولاية أخرى في هذا الشتاء القارص. ثم تناول منه تلك الكأس ورشفها وقال: املأ قدحاً أخرى رغم أنف الشاعر السنائي، فقال له صاحبه: لا تطعن في هذا الرجل لأنه ظريف، حسن الطبع, ومقبول من قبل الخاص والعام فقال: إنه رجل أحمق, فقد ثرثر بعض الثرثرات التي أطلق عليها اسم الشعر. دفعه طمعه لوضع يد على يد وأوقف نفسه بين يدي أبله آخر فاغراً فاه يمدحه, متجاهلاً أنه لم يخلق من أجل الشعر والكلام الفارغ, فلو سئل في يوم العرض الأكبر: ما الذي جئت به إلينا؟ فماذا ستكون إجابته؟ وحينما سمع السنائي ذلك الكلام, تغيرت حاله, ونزع قلبه من المخلوق, وبردت علاقته مع الدنيا, وألقى ديوان مدح الملوك في الماء, وقضى ما تبقى له من حياة في الانقطاع والعبادة.
الانتقاد/ العدد 1341 ـ 10 نيسان/ أبريل 2009
الحكيم والشاعر أبو المجد عبد المجيد بن آدم السنائي الغزنوي أحد النجوم المتألقة في سماء الأدب الفارسي في أواخر القرن الخامس واوائل القرن السادس الهجري.
وُلِد هذا الشاعر، والعارف الكبير سنة 467 للهجرة في مدينة غزنة وتوفي عام 529هـ، ووري جثمانه في الثرى في نفس هذه المدينة التي تقع اليوم في شرق افغانستان.
كانت اسرة السنائي من الاسر الاصيلة في غزنة، وكان والده صاحب حظ من المعرفة، واستناداً الى احدى الروايات التي نجدها في اعمال السنائي ايضا فقد كان والده يتمتع بمكانة مرموقة في تربية اولاد اعيان عصره.
في مثل هذه الاسرة، وفي ظل بيئة كانت آنذاك مركزاً من المراكز المهمة للفضل والادب، انشغل السنائي في تحصيل العلم والمعرفة، واستطاع بفضل تعرّفه الى علوم عصره، وتمتعه بلسان فصيح وبليغ، وطبع فياض ان يشق طريقه منذ مطلع شبابه بين الادباء والفضلاء.
قضى السنائي شطراً من حياته في السفر والتنقل، فسافر الى بَلْخ وسَرَخْس، وهرات، ونيسابور ومدن خراسان الاخرى، وفي خلال تلك الاسفار كان يحضر مجالس وحلقات دروس عرفاء وعلماء عصره مثل محمد بن منصور السرخسي.
وتشكل مدائح الامراء والحكام قسماً من اشعار السنائي، وذلك عندما كان يعيش في بلاطهم، ويتنقل بينها كما كان حال اكثر شعراء عصره.
الى أن حدث مع هذا الشاعر العظيم ما غير حياته, وقلبها رأساً على عقب. فما هي هذه القصة التي شكلت التحول الأبرز في حياة هذا الحكيم الكبير؟
قيل ان السنائي مر بمجنون كان يقول لصاحبه: املأ الكأس كي أشربها على رغم أنف ابراهيم الغزنوي, وهو الملك الذي يمتدحه السنائي. فقال له صاحبه: ان ابراهيم ملك عادل فلا تذمه, فقال المجنون هذا صحيح ولكنه بلا إنصاف. فرغم أنه لم يضبط أمور غزنين بعد, نراه يفكر بولاية أخرى في هذا الشتاء القارص. ثم تناول منه تلك الكأس ورشفها وقال: املأ قدحاً أخرى رغم أنف الشاعر السنائي، فقال له صاحبه: لا تطعن في هذا الرجل لأنه ظريف، حسن الطبع, ومقبول من قبل الخاص والعام فقال: إنه رجل أحمق, فقد ثرثر بعض الثرثرات التي أطلق عليها اسم الشعر. دفعه طمعه لوضع يد على يد وأوقف نفسه بين يدي أبله آخر فاغراً فاه يمدحه, متجاهلاً أنه لم يخلق من أجل الشعر والكلام الفارغ, فلو سئل في يوم العرض الأكبر: ما الذي جئت به إلينا؟ فماذا ستكون إجابته؟ وحينما سمع السنائي ذلك الكلام, تغيرت حاله, ونزع قلبه من المخلوق, وبردت علاقته مع الدنيا, وألقى ديوان مدح الملوك في الماء, وقضى ما تبقى له من حياة في الانقطاع والعبادة.
الانتقاد/ العدد 1341 ـ 10 نيسان/ أبريل 2009