ارشيف من :آراء وتحليلات

الحلف الشباطي يحاول إحياء العظام وهي رميم: "القوات اللبنانية" أحد الامثلة!

الحلف الشباطي يحاول إحياء العظام وهي رميم: "القوات اللبنانية" أحد الامثلة!
كتب ابراهيم صالح
كان عصرياً ونوعياً مشهد الاضاءة في قاعة "البيال" في منطقة مرفأ بيروت بعد ظهر السبت الماضي وهي تتلألأ بإضاءات فنية ابتكرها عقل "القوات اللبنانية" للاحتفال بذكرى حل هذا التنظيم عام 1994 وبإطلاق لائحة هذا الفريق السياسي للانتخابات المقبلة، ولكن الذي لم يكن نوعياً وعصرياً هو الفيلم الذي عرض في المناسبة، والكلام الذي أطلقه رئيس هذا الفريق سمير جعجع.
فإذا كانت الأضواء الليزرية التي أضاءت القاعة قد شدت نظر الحضور، فإن الفيلم الذي عرض تنتمي مشاهده الى عصر انطوت اوراقه، ومضامين خطاب جعجع في المناسبة تنتسب الى مرحلة انقضت.
وعليه، يكون هذا الفريق المحاصر بتهم شتى في تاريخه، قد نجح في تحضير المدخل الحديث، العصري، الباقي، لكنه حمل معه شواهد وقرائن على عصر قديم مرذول من الجميع كونه يذكرهم بمرحلة قادت الى كوارث وويلات حلّت على المجتمع المسيحي وما زال حتى الساعة يعاني تردداتها، ويقاسي من تداعياتها، منذ ان اختار الفريق الشباطي العمل لإعادة فريق القوات اللبنانية التي كانت منحلة، الى الواجهة والساحة، وان ينتشلها من بين الركام والانقاض، لعلّه عبر هذا المسخ السياسي يمسك مباشرة بزمام الساحة المسيحية ويعمل على مصادرة قرارها ويحول دون نمو زعامتها الحقيقية المتمثلة بالعماد ميشال عون الذي بدأوا يخشونه وهو في منفاه الباريسي، ويتمنون على السلطات الفرنسية ابقاءه حيث هو حتى تنتهي الانتخابات النيابية عام 2005 لأنهم أدركوا انه عصي على الاستيعاب، وممانع لأي تطويع.
ومنذ ان أخرج جعجع من السجن الذي مكث فيه نحو عشرة اعوام انفاذا لأحكام قضائية واضحة وبينة جوهرها جرم القتل والاغتيال بدءا من شمعون مروراً بالرئيس رشيد كرامي والى العشرات سواه.
من ذلك الوقت يسعى جعجع جاهداً لبلوغ أمرين أساسيين:
الاول: إعادة نفسه وتنظيمه المشتت المشرذم الى ساحة المعادلة المسيحية ثم ساحة المعادلة اللبنانية.
الثاني: تبرئة نفسه من تهمتين واقعتين لاحقتين به، وهما رحلة تصفية خصومه وحلفائه على حد سواء، وهي الرحلة التي استمرت طويلاً، وخلفت وراءها عشرات الضحايا، بدءاً من مجزرة اهدن التي مهدت له الطريق لبلوغ سدة القيادة. والثانية تهمة قيادة المسيحيين من كارثة الى كارثة ومن مأزق الى آخر. اذ ان ما من مواجهة تصدى لها هذا الرجل الا وانهزم فيها شر هزيمة، حتى صار عنوان الهزائم ورمز الانكسارات والخيبات، فمن معارك الجبل بعد عام 1982 والتي انتهت بهزيمة مشهود لها، دفع ثمنها المسيحيون القاطنون في الجبل تهجيراً واسعاً ما زالت فصوله مستمرة حتى الآن فضلاً عن مئات الضحايا، وعشرات البلدات والقرى المدمرة.
والى معارك شرق صيدا، التي انتهت ايضاً بهزيمة شنعاء للقوات اللبنانية وبتهجير مماثل لمسيحيي المنطقة، بعد ان عاشوا طوال فترة الحرب الاهلية في استقرار وأمان، وهي في الفترة التي كانوا فيها بمنأى عن سيطرة "القوات اللبنانية".
وعندما عاد "بطل" الهزائم المتكررة من حروبه الخائبة، اندفع باتجاه الداخل المسيحي، فعاث فيه فساداً واجراماً وقمعاً، وعمم "ثقافة الخوات" والضرائب لـ"مجهود حربي"، ثم بدأ لاحقاً باتهام رفاقه وحلفائه، فكانت انقلاباته المتتالية، ضد الرئيس امين الجميل اولاً ثم ضد ايلي حبيقة، واخيراً وليس آخراً انقلب على الجميل نفسه بعدما احتل منطقة المتن الشمالي، وأجبره على مغادرة لبنان الى الخارج.
وبعدها جاءت صراعات جعجع مع الجيش اللبناني بقيادة العماد ميشال عون والتي استمرت نحو ثلاثة أعوام.
وليس سراً القول ان تلك المواجهات انتهت بانتصارات ميدانية للجيش، وبهزائم متتالية لقوات جعجع.
ومع ان ابواب التوبة فتحت لاحقاً، بعد اتفاق الطائف، امام جعجع لكي يدخل فعلياً في رحاب العملية السياسية التي نشأت بعد انتخاب الرئيس الياس الهراوي، الا انه آثر ان يسلك طريقاً معاكساً قاده لاحقاً الى ارتكاب جريمة كنيسة سيدة النجاة التي أدت الى مجزرة ذهب ضحيتها عشرات المسيحيين.
ولئن كان جعجع دفع في سجن وزارة الدفاع في اليرزة بعضاً مما كان يتوجب عليه ان يدفعه اي شخص ارتكب هذا الكم من الجرائم، شاءت حسابات الحقد لدى بعض القوى ان تطلقه من سجنه بعفو خاص لا ينطبق بطبيعة سجله ولا تسقط عنه جرائمه، فإن جعجع اختير لمهمة اكثر قذارة من المهمات التي كان يُكلف بها، او يعطي امراً لنفسه بتنفيذها، وهي مهمة مواجهة الشخصية التي اقترع لها السواد الاعظم من الشارع المسيحي لتكون ممثلة له في مجلس النواب، وناطقة باسمه، وهي العماد عون.
وانفاذا لهذه المهمة كان الدور القذر لعناصر القوات اللبنانية يوم احتجاج المعارضة في بداية عام 2006، في مواجهة المتظاهرين العزل، بالرصاص والقوة، وهو أمر باهى جعجع لاحقاً رفاقه في الحلف الشباطي وغيرهم بأنه انقذهم من السقوط المحتم في ذاك اليوم المشهود.
ولأن جعجع يدرك تمام الادراك ان منافسه على الساحة المسيحية ذو توجه سلمي حضاري، يجافي ثقافة العنف، ويرفض الانجرار لها، انصرف جعجع الى لعب دور "القوة الشرسة" التي تحاول ترهيب خصومها، عبر افتعال الاحداث والاشكالات الامنية في بعض المناطق.
ولأن جعحع "ابن السلاح" كما يقول عن نفسه وابن التجربة المعتمدة على الفكر العسكري عكف دوماً على ابراز الدور الترهيبي والتهويلي لأنصاره ومحازبيه، وعلى التذكير دوماً تصريحاً او تلميحاً بالمرحلة التي كان هو وفريقه فيها نجم الساحة المسيحية بفعل البندقية.
اذ كان وما يزال يعتقد بأن تلك الصورة الماضية التي كان هو مرتدياً البزة العسكرية، ووحداته المسلحة تطبق على المناطق ذات الاغلبية المسيحية من شأنها ان تدغدغ مشاعر الانسان المسيحي وتثير فيه الرغبة الى عودة ذلك الزمن الغابر، اي الى ذلك الوقت الذي كانت فيه "بندقية القوات فوق كل اعتبار".
ومن هذا المنطلق دون سواه اختار جعجع وفريقه الاحتفال الذي اقيم مؤخرا بذكرى حلّ حزبه ليعرض الفيلم الذي تضمن مشاهد عن دبابات وآليات قواته وهي تسير في عروض عسكرية.
ومن هذا المنطلق اختار جعجع ان يعيد عجلة الزمن الى الوراء نحو 20 عاما لعلّ ذلك يكون بمثابة مدخل يعبر به مجدداً الى ساحة الحاضر.
ولكن لا هذا الاستعراض للأضواء في "البيال" ولا هذا التذكير بماض ولى الى غير رجعة، يمكن ان يرجع هذا الرجل وتنظيمه الى الوجدان المسيحي، الذي صار الآن ذاكرة وحاضراً في مكان آخر تماماً.
لم يعد أمام هذا الرجل الا ان يعتمد عنصر المبالغة، فهو رشح عشرة أشخاص في عشر دوائر، وأعلن احد نوابه ان كتلة حزبه ستكون ما بين 12 الى 15 نائباً، مع انه يعلم علم اليقين ان كتلته المقبلة في أحسن الاحوال لن تتعدى ثلاثة او اربعة نواب بينهم نائب لن يكون بمقدوره اطلاقاً رؤية الفوز لو لم يكن على لائحة النائب وليد جنبلاط.
انها محاولة اخرى بائسة من محاولات الحلف الشباطي الساعي الى تضخيم حضور ودور حلفائه في الشارع المسيحي، وقادة هذا الحلف يدركون قبل سواهم ان ليس بالامكان احياء العظام وهي رميم مهما بلغت رسائل الدعم والاسناد.
الانتقاد/ العدد 1341 ـ 10 نيسان/ أبريل 2009
2009-04-11