ارشيف من :آراء وتحليلات

تركيا في حسابات أوباما

تركيا في حسابات أوباما
كتب مصطفى الحاج علي
تركيا كانت هي الدولة التي وقع اختيار أوباما عليها لمخاطبة العالم الإسلامي، الاختيار لم يكن عشوائياً، وإنما مدروساً إلى أقصى الحدود:
أولاً: الموقع الجيوبوليتيكي لتركيا، فهي تشكل من جهة همزة وصل كبيرة بين أوروبا والعالم العربي والإسلامي، من هنا، فما يجمعها مع أوروبا يجعلها أخف وطأة، وأكثر صلاحية اميركياً وغربياً عموماً لمخاطبة العالم العربي والإسلامي، كما أن تركيا على حدود سوريا وإيران والعراق، وهي ثلاث دول تشكل مجتمعة دينامو الأحداث والتطورات في المنطقة، يزيد من أهمية هذا الموقع دور تركيا إزاء الاتحاد السوفياتي سابقاً وروسيا حالياً، التي استرجعت بعضاً من دورها السابق.
ثانياً: إن تركيا هي الدولة الأقرب إلى العالم العربي المعني أكثر من غيره باستراتيجية تحسين الصورة الاميركية في العالم الاسلامي.
ثالثاً: إن تركيا التي تحكمها حكومة ذات وجه اسلامي هي الدولة التي تمتاز بعلاقات تاريخية جيدة مع الكيان الإسرائيلي، وبالتالي، فإن مخاطبة العالم الاسلامي في سياق التقرب منه، لا تعود تشكل عامل استفزاز لهذا الكيان، بكلمة أخرى، ثمة مراعاة اميركية هنا للمشاعر الاسرائيلية.
رابعاً: إن اختيار تركيا هو علامة على مسألتين أساسيتين: الأولى، عدم صلاحية أي من الدول العربية ذات الوزن والحيثية والرمزية الاسلامية كمصر والسعودية، ولا سيما أن هاتين الدولتين ارتبطتا بشكل مباشر بما تسميه واشنطن الإرهاب الأصولي، ويكفي أن نذكر هنا، أن زعيمي القاعدة، أي بن لادن والظواهري، هما من هذين البلدين، فالأول من السعودية وإن كانت جذوره يمنية، والثاني مصرية.
وأما المسألة الثانية، فتتمثل بانعدام الوزن العربي، وفقدان الدور، وأي تأثير فاعل في مجريات الأمور، فالعالم العربي ـ الرسمي هو خارج إطار الحسابات الدولية عموماً والاميركية تحديداً.
خامساً: إن اختيار تركيا هو مؤشر بدوره على صعود أدوار الدول الاقليمية على حساب النظام العربي ـ الرسمي لا سيما إيران وتركيا وبالتالي، فإن اختيار تركيا هو اعتراف بدورها الاقليمي الذي يحمل بدوره اعترافاً غير مباشر بدور إيران الاقليمي، الذي سبق لأوباما نفسه أن أكده في أكثر من مناسبة.
سادساً: إن اختيار تركيا هو مؤشر أيضاً، على الدور الذي تريده لها واشنطن في المنطقة وذلك باتجاهين: الأول، لموازنة الدور الايراني انطلاقاً من البعد السني لتركيا، وكتعويض أو بالتكامل مع البعد السني ـ العربي لا سيما لكل من النظامين المصري والسعودي. وهنا، يحضر العراق كشاهد مهم، مع ملاحظة أساسية أن الدور التركي في العراق ليس بالسهولة نفسها التي يتمتع بها الدور الإيراني، ولا سيما أن العقدة الكردية تبقى حاضرة في الحسبان.
والاتجاه الثاني، يتمثل بتوظيف الدور التركي الوسائطي بين الكيان الاسرائيلي والدول العربية والحركات الاسلامية، خصوصاً مع سوريا وحركة حماس، كما بدا ذلك مؤخراً في المساعي التركية التي انطلقت بقوة خلال العدوان الاسرائيلي على غزة.
سابعاً: تركيا أيضاً ليست بعيدة عن لعب دور وسيط بين اميركا وايران، ولا سيما أن تركيا معنية بقوة بأن تبقى الأوضاع هادئة، إذ يكفيها الاضطراب في العراق، وانعكاساته السلبية عليها.
ثامناً: ان واشنطن يهمها أن تبعث برسالة خاصة إلى أن مشكلتها ليست مع المسلمين أو الإسلام بصورة عامة، وإنما هي بشكل خاص مع ما تسميه الإسلام الأصولي وبالتالي، فهي لا تعارض مثلاً النموذج الاسلامي التركي، بل يهمها أن تعممه كنموذج جدير بالاتباع في مواجهة كل أشكال الاسلامويات في المنطقة.
اختار أوباما تركيا ليقول كل ما تقدم، وإن كان خطابه في النهاية لم يحمل جديداً، إذ لم يصل إلى حدود الاعتذار الفعلي في كل ما ألحقته الولايات المتحدة بالعالم العربي والإسلامي من دمار وقتل وتخريب ونهب من خلال أعنف حملة استعمارية في التاريخ المعاصر، فالخطاب في عمومه تقليدي سبقه اليه بوش، وإن كان من تغيير فهو في اللهجة والشكل ليس إلا.
الانتقاد/ العدد 1341 ـ 10 نيسان/ أبريل 2009
2009-04-11