ارشيف من :أخبار عالمية

اتحاد من أجل المتوسط والعقبة إسرائيلية

اتحاد من أجل المتوسط والعقبة إسرائيلية
كتب عقيل الشيخ حسين

يفترض أن تنعقد في 13 تموز/ يوليو المقبل قمة في باريس للإعلان عن مشروع "الاتحاد من أجل المتوسط" الذي اقترحته فرنسا قبل ثلاثة اشهر.
صحيح ان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يولي هذه المسألة اهتماماً خاصاً منذ ما قبل وصوله إلى الإليزيه، ولكن مشروع المتوسط أو، بكلام أكثر وضوحاً، مشروع توحيد البلدان المحيطة بالبحر المتوسط، نظراً لتوسطه ومركزيته، قديم قدم التاريخ. وقد كاد هذا البحر يفقد اسمه ذات مرة، ليصبح "مارا نوسترا" (بحرنا) بلاتينية الإمبراطورية الرومانية التي كانت الوحيدة التي تمكنت من فرض هيمنتها على كامل ضفتيه، خلال حقبة من الزمن، قبل أن تسقط بصيغتها البيزنطية، تحت ضربات العثمانيين الذين لم يتمكنوا من أكثر من توحيد ثلاثة أرباع هذا البحر، بعد أن توغلوا وصولاً إلى فيينا، في أعماق القارة الأوروبية.

ومنذ ما قبل سقوط الإمبراطورية العثمانية، في أوائل القرن الماضي، كانت الضفة الشمالية متمثلة بفرنسا وإسبانيا وإيطاليا قد فرضت نفسها، استعمارياً، على القسم الأكبر من الضفتين الجنوبية والشرقية، في حين وضعت بريطانيا يدها على القسم المتبقي، أي على مصر وفلسطين. ثم كانت الاستقلالات ونشأت الدول الحالية على الضفتين الجنوبية والشرقية، ودخل اللاعبان الإسرائيلي والأميركي بقوة على خط إعادة رسم المنطقة، وظهرت، في هذا السياق، صيغ توحيدية تحت أسماء الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، والشرق الأوسط الجديد.

ولعل الارتباك الذي تعاني منه الصيغة الأخيرة، في ظل إخفاق الحرب على العراق، هو في أساس تجدد الدعوة الفرنسية إلى الاتحاد من أجل المتوسط كاستكمال للشراكة  المتوسطية التي أطلقت في برشلونة الإسبانية، عام 95، دون أن تحرز تقدماً يذكر. 

ومنذ إطلاق الدعوة، قبل ثلاثة أشهر، بدأت المعوّقات تطل برأسها، في ظل كثرة القوى والأقطاب والمصالح المتضاربة بين بلدان كل من الضفتين.
أولاً، داخل الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً من قبل ألمانيا التي تبدي قلقاً طبيعياً إزاء امتداد نفوذ شريكها وغريمها الفرنسي داخل الاتحاد، إلى مناطق يمتلك فيها أوراقاً هامة بفعل وجوده التاريخي والثقافي.

كما سمع كلام اوروبي عن مشاريع كبيرة تقودها فرنسا وتفضي إلى توريط الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى انتقادات لساركوزي المتحمس لبيع الخبرة النووية إلى بلدان عربية، ومشاريع اتحادات منافسة، كذلك الذي تقدمت به السويد وبولندا لإقامة "الإتحاد من أجل الشرق" مع البلدان المشاطئة لا للبحر الأبيض، بل للبحر الأسود المتوسط. 

وإذا كان الأوروبيون قد أعطوا موافقتهم على الفكرة ضمن إطار مسار برشلونة، فإن قرارهم الأخير سيعرف في القمة الأوروبية التي ستنعقد في العشرين من الشهر الحالي، إلا أنه من غير المنتظر أن يشتمل على صيغ محددة تتجاوز الحديث العام عن التعاون التجاري والثقافي والأمني وتعزيز الديموقراطية وحقوق الإنسان...
أما من الجانب الآخر، فقد ظهرت ردود فعل سلبية، من الجزائر مثلاً، على توجه فرنسي لإعطاء تفضيلات لمصر والمغرب وتونس لجهة رئاسة المشروع ومقره وأمانته العامة.

وخلال الأسبوع الماضي، شهدت كل من فاس في المغرب، والعاصمتين الجزائرية والليبية، لقاءات ومنتديات وقمة مصغرة للتداول في موضوع الاتحاد. لقاء فاس ركز على ما لا يحصى من المسائل الثقافية والبنيوية ذات الصلة بالمشروع، في حين تناول منتدى الجزائر مسألة انعكاسات انضمام "إسرائيل" إلى مشروع الشراكة، الأمر الذي قابله الرئيس ساركوزي بشيء من الاعتداد عندما أكد، من أثينا، أن وجود "إسرائيل" في الإتحاد لا يطرح مشكلة بالنسبة لدول عربية كمصر والمغرب وتونس، في حين تحدث مسؤولون فرنسيون آخرون عن إمكانية عدم إجبار الدول العربية التي لا تقيم علاقات مع "إسرائيل" على الدخول معها في مشاريع مشتركة من خلال الإتحاد. وقد ردت الجزائر على ذلك بربط موقفها من قمة باريس للإعلان عن إطلاق المشروع بالحصول على الإيضاحات المطلوبة.

لكن المفاجأة الكبرى جاءت من قمة طرابلس العربية المصغرة التي غابت عنها مصر وحضرتها كل من سوريا ممثلة بالرئيس بشار الأسد، والمغرب وتونس والجزائر وموريتانيا، إضافة إلى البلد المضيف، ليبيا. صحيح أن القمة قد عجزت عن الخروج بموقف موحد، لكنها تميزت بموقف الرئيس الليبي معمر القذافي الذي رفض فكرة مشروع الإتحاد جملة وتفصيلاً.

فقد رأى القذافي في المشروع مساساً بالجامعة العربية وبمنظمة الوحدة الإفريقية اللتين تنتمي إليهما، أو إلى إحداهما، جميع البلدان العربية المعنية بالمشروع، معتبراً أن الاتحاد الأوروبي يحرص على تماسكه ولا يقبل تجزئته لكنه يسعى، في الوقت نفسه، إلى إقامة شراكات مع بعض دول الكتلتين لا معهما جميعاً، مؤكداً أن على أوروبا، إذا ما أرادت التعاون، أن تفعل ذلك مع الجامعة العربية أو الاتحاد الإفريقي ككل.

كما اعتبر أن المشاريع الموعودة هي استثنائية وعابرة يلوح بها الأوروبيون كطعم وتشكل إهانة لدول جنوب المتوسط، ملخصاً موقفه بالقول للاوروبيين: "نحن لسنا جياعاً ولا كلاباً لترموا لنا الطعام". وفي السياق نفسه، أوضح أحمد قذاف الدم، منسق العلاقات المصرية - الليبية، أن المشروع سيقسم العالم العربي إلى ثلاثة أجزاء، ويؤسس لاتحاد مع "إسرائيل"، قبل أن يتحد العرب أنفسهم.

والأكيد أن ظهور مواقف عربية غير انبطاحية كتلك التي ظهرت في القمة المصغرة، هو ما أثار العديد من التصريحات الأوروبية التي ركزت على أن الموقف الأوروبي من مشكلة الشرق الأوسط هو محك صدقية المشروع المتوسطي، وعلى ضرورة إفهام "إسرائيل" بأن عليها دفع ثمن السلام بالانسحاب إلى حدود العام 1967.
الانتقاد/ العدد 1272 ـ 13 حزيران/ يونيو 2008
2008-06-12