ارشيف من :أخبار لبنانية
حاكم مصر لنصر اللّه: أريد تعهّداً بترك غزّة لي (2)
ابراهيم الأمين
ليس من السهل توقع نهاية الحملة التي يشنّها الحكم في مصر على المقاومة في لبنان وفلسطين. لكن آخر الرسائل التي وردت من القاهرة عبر جهات وسيطة لبنانية وغير لبنانية تركز على أمر واحد: إقفال الملف هو رهن إعلان رسمي إيراني ومثبت من حزب الله بوقف أعمال الدعم العسكري لقطاع غزة عبر الأراضي المصرية، وتعهّد بوقف أي نوع من أنواع الأنشطة التي تعدّها القاهرة مساً بالسيادة المصرية.
قد تفيد هذه الرسالة في توضيح جملة من الأسباب التي تفسّر الحملة المصرية وتوقيتها، إذ إن الخلاف بين النظام في مصر وقوى المقاومة ـــــ وعلى رأسها حزب الله ـــــ هو خلاف معلن، وأساسه أن في القاهرة من يرى خيار المقاومة تعبيراً عن اللاشيء وأن التسوية هي التي تقود إلى استرداد الحق العربي. وفي قيادة مصر من يصرّ على اعتبار أن المقاومة جُرّبت في لبنان وفلسطين ولم تثمر سوى الدمار والخراب. وهو كلام قاله بصراحة رئيس الاستخبارات المصرية عمر سليمان خلال افتتاحه أعمال الحوار الفلسطيني ـــــ الفلسطيني، وعاد وشرحه مفصلاً في لقاءات ثنائية مع قوى المقاومة الفلسطينية.
أما رسائل النظام المصري، فيمكن اختصارها بالآتي:
يريد نظام القاهرة إفهام العالم قبل إيران وقوى المقاومة أن مصر وحدها صاحبة الحق في إدارة الملف الفلسطيني، وأنها الجهة الوحيدة التي تملك تفويضاً إسرائيلياً لإدارة الحوارات المباشرة وغير المباشرة مع القوى الفلسطينية، من سلطة محمود عباس إلى حركة حماس وفصائل المقاومة، وأنها الجهة الوحيدة التي تملك إمكانات كبيرة في التأثير على الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، بما يمكّنها من إلزام الطرفين التنازل لمصلحة ما تراه مناسباً من تسوية.
يريد نظام القاهرة إفهام العالم العربي أن حرب غزة لم تُجهز على "قوى الاعتدال"، وذلك من خلال حملة أمنية على قوى المقاومة (مصر، الأردن وسلطة محمود عباس) وحملة إعلامية على قوى المقاومة (وسائل إعلام السعودية وقوى 14 آذار في لبنان وحشد الكتبة والناطقين باسم هذه الجبهة المنتشرين على الشبكة الإلكترونية).
يريد نظام القاهرة توجيه رسالة إلى الدول العربية التي دعمت المقاومة في لبنان وفلسطين من سوريا وقطر وإيران، وحتى السودان، بأنها لا تهتم لما يجري من مصالحات هي في الحقيقة تعبير عن رغبة في عدم أخذ الأمور نحو مواجهة شاملة. لكن النظام في مصر، الذي لم يحصد أية نتائج منذ أعوام حتى الآن على مستوى ملفات المنطقة، يعتقد أنه بهذه الطريقة يرفع الصوت ويهدد بأنه مستعد لتجاوز ما اتفق عليه في قمتي الكويت والرياض، وأنه مستعد لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل حرب غزة.
يريد نظام القاهرة إبلاغ الجهات الفلسطينية في المقاومة أن رفض مقترحات سليمان الخاصة بالحوار الفلسطيني ـــــ الفلسطيني ومستقبل السلطة في الضفة وغزة له كلفته، وهي كلفة تتصل بقطع الشرايين الحيوية التي تمد قطاع غزة بالغذاء والدواء أو التي تمد قوى المقاومة في القطاع بالعتاد والمال.
لكنّ الاستهداف المباشر ترك انعكاسات قد لا تصب في خدمة ما أراده النظام أو مجموعته، مثل أن الإعلام العالمي، والعربي طبعاً، بات يضع شعاراً للمعركة بأنها بين "مبارك ونصر الله". وبالطبع فإن أحمد موسى في "القاهرة اليوم" لا تعجبه هذه المقارنة، وهي بالمناسبة تستفز موسى أحمد في "المنار". ويصعب على أيٍّ من الطرفين تحمّل مثل هذه المقارنة، لكن ثمة أشياء بديهية لا نعرف إذا كان العالم قد تغير حتى تتغير، مثل أن أي مقارنة بين رئيس لنظام غير مرغوب من أهله قبل أقاربه وجيرانه وبين قائد ثوري له تاريخه الأبيض، لن تكون في مصلحة الحاكم. وهو أمر سبق أن جرب في استطلاعات للرأي نفذتها مؤسسات أميركية واستعانت بفريق عمل تحت أنظار أجهزة الأمن في مصر. وتركزت على أسئلة متنوعة بينها السؤال التقليدي عن الشخصية التي تفضل. وعُرضت أسماء كثيرة محل جدال، إضافة إلى رؤساء الأنظمة العربية، مثل السيد نصر الله وأسامة بن لادن والرئيس الإيراني أحمدي نجاد والرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، ولما لم يحصل شخص مثل مبارك على نسبة تليق بمنصبه رئيساً لمصر، شُطب اسمه من القائمة. كذلك هي حال القادة العرب الذين لم يحظوا بشعبية إطلاقاً. فيما لم يكن من الممكن تجاهل الآخرين، حتى كانت النتيجة المنطقية لمزاج تاريخي في مصر أن يحصد السيد نصر الله أعلى نسبة من التصويت... ولو كان صحيحاً أن وسائل الإعلام التي تقع تحت تأثير النظام في مصر أو تلك التي تمولها السعودية تنفع في تبييض صفحة هذا أو تشويه صفحة ذاك، لكان "قادة الاعتدال" هم في رأس قائمة المرغوبين الآن، ولكانت الولايات المتحدة قد أنفقت عشرات الملايين من الدولارات خدمةً لصورة مجنونها غير المأسوف عليه جورج بوش. لكن الحال ليست كذلك.
ويبدو أن نظام القاهرة في صدد موجة جديدة من الترهيب لمعارضيه في الداخل من خلال حرمانهم حتى حق الدفاع عن المقاومة، وما الحملة الشعواء على حزب الله وحماس والقوى الأخرى سوى وسيلة لإشعار الجمهور المصري على كل المستويات بأن مجرد التضامن مع قوى المقاومة ممنوع، لأنها باتت تمثّل خطراً على الأمن القومي المصري، وهو ما يستوجب نقاشاً من نوع مختلف مع قوى المعارضة المصرية.
("الأخبار")