ارشيف من :أخبار لبنانية

قانا في ذكراها الدامية: إرادة حياة لن تموت

قانا في ذكراها الدامية: إرادة حياة لن تموت

قانا ـ فاطمة شعيب
قانا في ذكراها الدامية: إرادة حياة لن تموتعلى اعتاب قانا نقف إجلالاً أمام  حكاية الدم والنار في ذكرى مجزرتها الاولى..

مئة وستة ..  حكاية .. لأرادة قرية جنوبية أبت الا ان تجدد البيعة لنصرٍ خُطّ بدماء الشهداء..

تلك الخيمة الزجاجية المطلية بلون "حامية الأمم" ، والتي ظنّ الجميع انها ملجأً لهم  يحتمون تحت ظلها من همجية العدوان الذي إتخذ من "عناقيد الغضب" التي صبّها على الآمنين عنواناً ..  تحوّلت بلحظات الى كتلة نار أشعلت أجساد مئة وستة من رجال ونساء وأطفال  قانا وصدقين والجوار .

وما بين الامس واليوم.. ذكريات بقيت عالقة  دون أن تستطيع الايام والأعوام الثلاثة عشر التي مرت من محوها.. فمشهد الاشلاء المتناثرة هنا وهناك.. والاستغاثات التي لا  زالت عالقة في الاذهان وذكريات المشهد الاخير لازال يتوالى و يجدد الحزن الذي حاولت ان تخبأه  خلف ابتسامة تتحدى بها من ترك بصاماته على وجه إحدى الناجيات من المجزرة .

إنها "مريم برجي" واحدة من ضحايا مجزرة "قانا" الاولى والتي أصيبت بجروح وحروق مختلفة إستدعت نقلها إلى الخارج لتلقي العلاج .. تكلمت "للإنتقاد"  بعد الصمت الذي اسكت عائلتها بأكملها ولم يبق لها احد تكلمه او تسامره او حتى تشكي اليه همومها الا الله سبحانه وتعالى حتى توالت الأعوام وتزوجت وإنجبت ولداً وبنتاً هما ثمرة فؤادها المجروح ،

تحدثنا  "مريم"  عن تلك اللحظات السوداء التي حرمتها الام والاب والاخ وهي ابنة اثني عشر عاما .. حيث التجأت وعائلتها مع من التجأ الى هناك هربا من حمم القذائف والصواريخ التي كان تصب على روؤس الآمنين "فكان الاختيار لأن نحتمي في خيمة قوات اليونيفل لكن سرعان ما اكتشفنا اننا اخطانا .. فمن دون سابق انذار تم استهداف الخيمة وراحت حمم النار تتهاوى فوق روؤسنا وكنت انا بالقرب من والدي فاصبت بإحدى شظايا قذيفة انشطارية في يدي وكان والدي يهم بالخروج من المكان فأصيب بالضربة ذاتها إلا انها شطرته إلى نصفين" ..

"غبت عن الوعي" تقول مريم "لاستيقظ على مشهد لعمتي تحاول ان توقظ والدي ولكن بعد ان فارق الحياة ثم احسست بالنار تقترب مني شيئاً فشيئاً.. لم ادرك السبب في البداية ولماذا اصبح المكان اسوداً وأفقت على سقف الخيمة يتهاوى فوق روؤسنا لتصبح اجسادنا وقودا  لنار احرقت قلبي ووجهي .. لكني حاولت الهروب من النار بما املك من قوة ورحت اشق طريقي عبرها الى اقرب مخرج واستطعت الخروج بمساعدة جندي من عناصر القوة الدولية فحملني ووضعني بالقرب من جدتي لكنها لم تعرفني لان ملامحي غابت خلف الحريق .. تم نقلي الى المستشفى بقيت عشرة ايام بعدها ليتم نقلي الى فرنسا لخطورة جراحي .. ستة اشهر هي الفترة التي قضيتها في الخارج طوال   تلك الايام وانا اسأل عن عائلتي وفي كل مرة كانوا يختلقون الاعذار.. وكنت اطلب منهم فقط ان يسمعوني اصواتهم فكان ذاك الامر حلماً عشته على امل ان يتحقق وادركت بعد عودتي انه مجرد حلم لن يتحقق ابدا بعد ان علمت بيتمي ..

استسلمت "مريم" لقدرها لكنها استمدت من "مصيبتها" القوة..

هي قررت ان تكمل الطريق وتثبت لمن اراد هزيمتها اننا اصحاب ارادة لن تهزم .. انهت "مريم" دراستها الجامعية وتزوجت من إبت عمتها واصبحت اماً لطفلين ، تقول  مريم  " بأنهما عائلتي التي حرمت منها فهما يعطفان عليي بالقدر الذي اعطف عليهما به وهما الامل والطموح في هذه الحياة وبهم ومن اجلهم سوف استمر وسيكون الهدف الاساسي ان ازرع في قلوب اولادي حب الوطن والسير على خطى المقاومة وتعريفهم على عدوهم ..

قصة "مريم" هي واحدة من حكايا قانا الابية التي كتبت بدماء شهدائها وجرحاها صفحات لا تنتهي من اردات تأبى الهزيمة رغم الجراح التي  لازالت تنزف رغم مرور السنين ..

قانا في ذكراها الدامية: إرادة حياة لن تموت
2009-04-18