ارشيف من :أخبار لبنانية

مشاركون في مؤتمر العلاقات السورية اللبنانية : العلاقات الاقتصادية بين البلدين أقل من الممكن بكثير

مشاركون في مؤتمر العلاقات السورية اللبنانية : العلاقات الاقتصادية بين البلدين أقل من الممكن بكثير

دمشق ـ راضي محسن

أجمع المتحدثون في جلسة "النظام الاقتصادي في سورية ولبنان" ضمن فعاليات "مؤتمر العلاقات السورية اللبنانية" المنعقد حالياً في دمشق على أن مستوى العلاقات الاقتصادية بين البلدين هو "أقل بكثير" مما يجب أن يكون الحال عليه بالنظر إلى قربهما الجغرافي وعلاقتهما التاريخية وتنوع موارد وقدرات كل منهما وما تتيحه هذه العوامل عادةً من تميَّز في العلاقات الاقتصادية بين أي بلدين يتمتعان بها.

ورأى المتحدثون أن سورية ولبنان لم يحسنا الاستفادة من (معاهدة الأخوة والتنسيق والتعاون) الموقعة بينهما عام 1991 بما يقود إلى "تحقيق تكامل اقتصادي بينهما ويعود بالنفع المشترك عليهما وعلى شعبيهما"، وخاصة بما تمثله المعاهدة من "فرصة ذهبية" لكليهما في تحسين اقتصادهما، حتى أن رئيس الجلسة ذهب حدَّ القول بأنه "لو تم إبرام الاتفاقات التي تتيحها المعاهدة لحالت على الأغلب دون التطورات الدرامية التي عرفها البلدان في السنوات الأخيرة".

وترأس الجلسة المستشار القانوني في وزارة الخارجية السورية الدكتور رياض الداودي وتحدث فيها من لبنان الدكتور كمال حمدان، ومن سورية الدكتور نبيل مرزوق.

وإذ نوه المشاركون في الجلسة بما يشكله كل بلد من عمق اقتصادي بالنسبة للآخر، فإنهم دعوا إلى تفعيل العلاقات الاقتصادية بين سورية ولبنان لتحقيق المصالح المشتركة لهما.


الداودي: لو استفاد البلدان من معاهدة (الأخوة والتعاون) لمنعا حدوث التداعيات الأخيرة بينهما

ورأى الداودي أن سورية ولبنان لم يعملا على استثمار (معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق) الموقعة عام 1991 بالشكل الأمثل وخاصة أن هذه المعاهدة تتيح لهما "تحقيق أعلى درجات التعاون والتنسيق في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والعملية وغيرها بما يحقق مصلحة البلدين الشقيقين في إطار سيادة واستقلال كل منهما".

وقال الداودي: كان لدى سلطات البلدين في ذاك الوقت فرصة ذهبية لإعمال نصوص هذه المعاهدة بكاملها وعقد اتفاقات في مختلف الميادين لا سيما في الميدان الاقتصادي، ما يساعد على قيام تكامل اقتصادي بين البلدين ينعكس أثره على دخل المواطن وتحسين أوضاعه المعيشية في كلا البلدين.

وأضاف الداودي "كان يمكن للبلدين عقد اتفاقات جوار تجعل من المناطق الحدودية مناطق تتمتع بنظام خاص كما هو حال الحدود بين فرنسا وسويسرا، وبين بلجيكا وهولندا، ولو أن مثل هذه الاتفاقات التي تتيحها معاهدة (الأخوة والتعاون والتنسيق) تم إبرامها وتأمين إنتاج مفاعيلها لحالت على الأغلب دون التطورات الدرامية التي عرفها البلدان في السنوات الأخيرة" بعد اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري.

وعرض الداودي لتاريخ العلاقة الاقتصادية بين البلدين "فمنذ استقلال سورية ولبنان عن فرنسا عام 1943 شهدت العلاقة بين البلدين حالات مد وجزر مرتبطة باتجاهات الأنظمة المتعاقبة على الحكم في كلا البلدين والمصالح الإقليمية لهما، وحتى عام 1949 كانت العلاقات إيجابية ومميزة نسبياً نظراً لوجود مجلس مصالح مشتركة ووحدة جمركية ونظام نقدي خاص وبعض الخدمات المشتركة".

لكن هذا الاتحاد لم يدم طويلاً "وانفرط عقده عام 1950 وعزي السبب الرئيس آنذاك إلى الاختلاف في طبيعة النظام الاقتصادي في كل من البلدين، فالنظام الاقتصادي السوري كان نظاماً حمائياً في حين كان الاقتصاد اللبناني يقوم على التجارة الحرة والباب المفتوح".

لكن ذلك لم يؤد إلى قطيعة اقتصادية بين البلدين "وعلى الرغم من انفصال اقتصادهما كل عن الآخر خلال السنوات من 1950 حتى 1974 استمرت العلاقات الاقتصادية بينهما، يحكم وتيرتها احتياجُ كل منهما إلى الآخر بحكم الجوار، إذ تشكل سورية سوقاً للصادرات اللبنانية ومنفذاً للبنان من الأردن ودول الخليج وضروة تلبية احتياجات السوريين من مختلف الخدمات التي يقدمها لبنان، وبالتالي فقد عقد البلدان عدداً كبيراً من الاتفاقيات التي تنظم الأمور المشتركة بينهما".

وأشار الداودي إلى أن "العمق السوري كان يشكل سوقاً كبيرة لتصريف المنتجات الصناعية والزراعية اللبنانية، كما كانت سورية تعتمد على الموانئ اللبنانية لتصدير منتجاتها فضلاً عن كون لبنان مقراً للشركات ذات الامتياز".

وأكد الداودي "ضرورة السعي لتحقيق المصالح المشتركة بين البلدين في ضوء البنية الاقتصادية لهما".


مرزوق: معاهدة الأخوة والتعاون "فرصة استثنائية لتحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين"

وفي بحثه، تناول الدكتور نبيل مرزوق من سورية واقع العلاقات السورية اللبنانية وقال إن "مراجعة هذه العلاقات منذ استقلال البلدين، يدل على أن مصلحتهما المشتركة كانت في الحفاظ على أفضل العلاقات بينهما، وتحقيق تكامل واندماج اقتصادي بينهما".

إلا أن مرزوق أشار إلى أن ما جرى كان عكس ذلك "فالواقع يبين أن البلدين ابتعدا وبشكل غير مفهوم أحياناً بل في علاقات عدائية أحياناً، منذ القطيعة الجمركية وحتى الآن، رغم أن البلدين وخلال فترات طويلة قد اتخذا سياسات اقتصادية متماثلة أو متقاربة".

وبعد أن أوضح بأن "مثل هذا التباين بين البلدين كان في فترات محدودة"، أعرب مرزوق عن اعتقاده بأن سبب ذلك "غياب الرؤية بعيدة المدى لتطور كلا البلدين، وعدم امتلاك أي منهما لاستراتيجية تنموية فعلية، عدا أنها لا تلحظ في خططها الاستثمارية التنموية أي مجال للتكامل والعمل المشترك" إضافة إلى ما يعانيه البلدان من "ضعف تكوين الدولة، وهشاشتها المؤسساتية، مما جعل العلاقات بين الدولتين تخضع لأهواء ومصالح جماعات الضغط والنفوذ في البلدين، ولم يكن للمصالح العليا للدولة دور في تحديد نمط ونوعية العلاقات التي يجب أن تكون بينهما".

وإذ لفت مرزوق إلى ما تتيحه (معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق) الموقعة بين البلدين عام 1991 من "فرصة استثنائية لتحقيق مستوى جيد من التكامل والاندماج" فإنه قال إن "الاتفاقية اختارت مدخلاً تجارياً وليبرالياً لإقامة سوق مشتركة بينهما" وتساءل: ترى أليست علاقات كل من سورية ولبنان التجارية مع الاتحاد الأوروبي أكبر وأهم من علاقتهما المشتركة ؟!.

وشدد مرزوق على حاجة كل من لبنان وسورية إلى "تكامل واندماج اقتصاديين" في ما بينهما واقترح "لتعزيز هذا التكامل" أن يتم "جذب" الأردن "ليكون الضلع الثالث في المثلث التنموي للمنطقة، فالكيانات الصغيرة غير قادرة على تحقيق تنميتها المستقلة وضمان الرفاه والتقدم لشعوبها".

ورأى مرزوق أن "سورية ولبنان بحاجة اليوم إلى مراجعة جذرية للسياسات الاقتصادية المتبعة حتى اليوم، في ضوء رؤية مستقبلية لدورهما في المنطقة، وللإمكانات الكبيرة التي يتمتع بها شعبهما".


حمدان: العلاقات الاقتصادية بين سورية ولبنان بقيت أدنى بكثير من المتاح

بدوره، قال الباحث اللبناني الدكتور كمال حمدان إن "حجم ونوع العلاقات الاقتصادية بين البلدين بقيت، على امتداد نحو نصف قرن، أدنى بكثير مما كان يفترضه لها قرب المسافات وتنوع الموارد والقدرات".

وأشار حمدان إلى قيام البلدين بتوقيع العديد من الاتفاقيات والبروتوكولات في مختلف المجالات مضيفاً في الوقت نفسه إن "بعض هذه الاتفاقات يحتاج إلى مراجعة وأغلبيتها الساحقة تحتاج إلى نصوص تنظيمية مفصلة قبل الشروع في تنفيذها".

ورأى حمدان أن وضع هذه النصوص "يصطدم بأنواع شتى من الصعوبات، بما في ذلك وجود بعض التباين في التشريعات القانونية والأطر الإدارية والمؤسسية ونظم القواعد الإحصائية ودرجة أهلية الموارد البشرية ومواصفاتها وتحديد التعرفات الجمركية الفعلية، ناهيك عما يتعلق بحرية انتقال الأشخاص والرساميل وحرية التملك والنقل والإقامة والاستخدام وممارسة النشاط الاقتصادي والتباين في معدل الرسوم والضرائب".

كما تبدو الصعوبات أيضاً "بحجم ونوع الاستثناءات من أحكام بعض اتفاقات التعاون وتبرز الصعوبات أيضاً فيما ينطوي عليه تباني مستوى الكلفة والأسعار بين البلدين، من تشجيع لأعمال تهريب يصعب في معظم الأحيان ضبطها مع ما لذلك من آثار متعارضة على الطرفين".

وكان حمدان أشار في بداية محاضرته إلى أن لبنان "اضطلع في فترات محددة سابقة بدور (المصرف غير النظامي) الذي يسهم جزئياً في اجتذاب ادخارات السوريين وإدارتها وفي تمويل قسم من تجارتهم الخارجية، أما مبادلات السلع والخدمات والاستثمارات فقد ظلت ذات وزن نسبي محدود جداً".

كما تحدث حمدان عن الانفصال الجمركي بين لبنان وسورية عام 1950 والذي "حسم موضوع التمايز بين مساري البلدين وخياراتهما الاقتصادية والاجتماعية والسياسية حيث بزرت معالم هذا التباين في حجم ونوع الانفتاح على الأسواق الخارجية، درجة حماية الإنتاج المحلي، تراتب أولويات النمو على المستوى القطاعي والمناطقي وغيرها.

2009-04-18