ارشيف من :أخبار لبنانية

18 نيسان 1996: قانا الذكرى تخاطب الضمائر واصحاب القرار

18 نيسان 1996: قانا الذكرى تخاطب الضمائر واصحاب القرار

كتبت غنوة ملحم
تمر اليوم الذكرى الثالثة عشرة لمجزرة قانا التي ارتكبتها إسرائيل في الثامن عشر من نيسان/ أبريل 1996 وأدت إلى استشهاد  أكثر من 106 مدنيين وجرح المئات معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ.
في الثامن عشر من نيسان/ أبريل عام 1996م بعد الثانية ظهراً بقليل أطلقت المدفعية الإسرائيلية نيرانها على مجمع مقر الكتيبة (الفيجية) التابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، الكتيبة التي التجأ إليها ما يزيد عن 800 من المدنيين الذين ظنوا أن مظلة المنظمة الدولية ستحميهم من ويلات "عناقيد الغضب"  العملية العسكرية الإسرائيلية التي شنتها إسرائيل على جنوب لبنان  بين الحادي عشر والسادس والعشرين من نيسان عام 1996م والتي استهدفت ضرب المقاومة اللبنانية بأسلوب الحرب عن بعد، حملة جوية شاملة وقصف من البر والبحر دون توغل بري، قَصفت مدن لبنان وقراها خلالها بما لا يقل عن 23 ألف قذيفة وانتهكت سماؤه بـ 523 غارة جوية حصيلتها خمس مجازر آخرها مجزرة قانا.
قانا المجزرة ما زالت حية
داخل أحد... الهنغارين... في مقر الوحدة الفيجية السابق العاملة ضمن قوات اليونفل في بلدة قانا لا تزال الشواهد التي تذكر بمجزرة قانا دامغة، بعدما جرى الحفاظ عليها لكي تشكل إدانة دائمة وحفظاً للذاكرة في آن واحد. حيث تسكن في ساحة هذا الهنغار... الواسع الذي كان يضج بحركة الكبار والصغار ظهيرة الثامن عشر من نيسان 1996 بقايا أمتعة وأغطية نوم ومستوعبات علب الحليب وغيرها من المأكولات التي كان يقدمها جنود الوحدة الفيجية.

على بعد أمتار من هذا المكان يرقد مئة وستة شهداء داخل قبور جماعية بعدما مزقت أجسادهم القذائف الاسرائيلية وحولت الأطفال منهم والذين كانوا يشكلون العدد الأكبر من "المهاجرين" الى مقر اليونفل الى جثث متفحمة، حالت من دون التعرف على غالبية الضحايا, من أبناء بلدات قانا صديقين ــ جبال البطم ورشكنانيه. هؤلاء جميعاً جمعتهم قصة مأساة كبيرة، تتردد في بعض فصولها أسماء عائلات: بلحص، برجي، اسماعيل، خليل، ديب، حيدر, وغيرها والتي صارت كل منها تحتفظ "بدزينة" من الصور وأكثر للشهداء. أصبحت بمثابة قلادة يعلقها الناجون على صدورهم لا تفارقهم لحظة واحدة.

اليوم وبعد ثلاثة عشرة سنة على وقوع المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الاسرائيلي في اليوم السابع من بدء عدوان نيسان العام 1996 يتذكر أهالي الضحايا والناجون والمصابون في المجزرة تلك اللحظة التي حولت حياتهم الى جحيم.

فيقول علي ابراهيم اسماعيل من قانا والذي كان في السادسة من عمره وأصبح اليوم في سن السادسة عشرة: "أستطيع ان أروي تفاصيل ما حدث قرابة الثانية من بعد ظهر الثامن عشر من نيسان من ذلك العام، كنت ألهو الى جانب عائلتي وأقاربي داخل... الهنغار... الذي لجأنا اليه في مقر الوحدة الفيجية. وكان كل شيء على ما يرام وكانوا يقنعوننا باننا أصبحنا بأمان في رعاية الأمم المتحدة، فجأة انقلب الأمر وتصاعدت سحب الدخان والنيران من كل صوب بفعل سقوط القذائف الاسرائيلية, ولم أعد أرى شيئاً سوى أشلاء الذين كانوا معي قبل القصف".
أما مريم برجي التي تخطت الستين لا يمكن ان تنسى ذلك اليوم وتقول: "فقدت أولاد ابني الثلاثة وزوجته وأنا أصبت في عيني وحتى الآن لا أزال أعاني الآلام، هربنا من القصف ظناً منا بأن مقر القوات الدولية يمكن ان يكون آمناً لكن لسوء حظنا ذهبنا الى الجحيم".
ويتذكر وائل حمود الذي كان يعمل مترجماً مع الكتيبة الفيجية في مقرها في قانا الثامن عشر من نيسان. ويرى بأن هذا اليوم لا يمكن نسيانه على الاطلاق، "كان كل شيء على ما يرام حين كنا نتفقد "اللاجئين" من حين الى آخر ونؤمن لهم المتطلبات اليومية. الى ان وقعت الكارثة وتحول المشهد الى كتل من اللحم الحي المحترق بحيث لم نستطع التعرف سوى على 18 شخصاً من أصل مئة وستة شهداء".
قانا الاولى والثانية
في تقريره بشأن قصف المجمع كتب المستشار العسكري للأمين العام لهيئة الأمم المتحدة آنذاك: "ذكر الضباط الإسرائيليون أن القوات الإسرائيلية لم تكن على علم وقت القصف بأن عدداً كبيراً من المدنيين اللبنانيين لجأوا إلى مجمع قانا"، ولم أتابع هذه المسألة لأنني اعتبرتها غير ذات صلة، فمجمع الأمم المتحدة ليس هدفاً مشروعا سواء كان فيه مدنيون أم لم يكن، قانا كلمة تعني العش، إليه يلجأ الطير للأمان وإلى قانا كان يلجأ أهل القرى بها يحتمون وكم أخطأوا، أخطأوا، وما عرفوا أن شارب الدم لا يرتوي، وأن ما لا تردعه قوانين الأرض وشرائع السماء لا تردعه راية زرقاء ولا حرفان يدلان على كلمتين: الأمم المتحدة، وهذا الذي كان.."
في أجواء الذكرى ما تزال صور مجزرة قانا الثانية حاضرة في الأذهان، حين دمر العدو إلاسرائيلي في 30/7/2006  خلال حربها الأخيرة على لبنان مبنىً سكنياً زاعماً وجود مقاومين فيه، وأدى انهيار المبنى على رؤوس ساكنيه إلى استشهاد أكثر من 55 مدنياُُ ثلاثون منهم من الأطفال والرضع.
الزمن وحده تغير بين قانا الأولى وقانا الثانية، وبقي  المجرم وأداة الجريمة والضحايا والشهود هم عناصر الجريمة الثابتة التي لم تتغير.
قانا وأخواتها ستبقى شاهداً تاريخياً على جرائم إسرائيل وصمت العالم ، وتبقى الذكرى ، ذكرى تخاطب الضمائر، تخاطب الشرعية الدولية وأصحاب القرار، الذين عجزوا عن إدانة اسرائيل من كفر قاسم الأمس إلى غزة اليوم، وما بين الأمس واليوم ما زلنا ننتظر الحرية الآتية بدماء أطفال قانا وغزة وعزيمة المجاهدين القابضين على الزناد.

2009-04-18