ارشيف من :أخبار عالمية

قمة الاتحاد من أجل المتوسط... نجحت حتى لو أخفقت!

قمة الاتحاد من أجل المتوسط... نجحت حتى لو أخفقت!
كتب عقيل الشيخ حسين
قمة الاتحاد من أجل المتوسط... نجحت حتى لو أخفقت!لا يكاد يمر أسبوع إلا وتنعقد قمة عالمية من النوع الذي يشارك فيه العشرات، وأحيانا المئات من رؤساء الدول: عطلة يومين، لعدد كبير من القادة، بين قمة الثمانية الكبار وقمة إطلاق الاتحاد من أجل المتوسط، أحد أكبر أحلام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. حلم تحقق في الواقع... وإن كان تحققه متحركاً على مسار يتراوح بين كلمة "بحرنا" التي استخدمها ساركوزي على طريقة أباطرة روما الكبار قبل ألفي عام، وبين اللاشيء الذي استقرت عنده، فور إطلاقها، مبادرة برشلونة 95، والتي جاء الاتحاد من أجل المتوسط كمحاولة لإعادة إطلاقها بالشكل "المخفف" الذي يطلع به ساركوزي في كل مرة تصطدم فيها الأحلام الكبيرة بالواقع المثقل بالمشاكل. ما يريده ساركوزي هو، باللغة الإعلامية، تحويل ضفتي المتوسط إلى منطقة سلام وأمن واستقرار وازدهار ومحبة. أما باللغة التي يفهمها الشركاء غير المتوسطيين في الاتحاد الأوروبي ممن لم تعجبهم فكرة الاتحاد من أجل المتوسط، فإن ما يريده هو بحرنا بالمعنى الروماني.
 بحر على "الأنموذج الأوروبي"، على ما نطق به ساركوزي، أي منطقة مكونة من منطقتين، على ما يقوله المحللون: منطقة أوروبية تريد تصدير منتجاتها المختنقة في ظل ارتفاع أسعار اليورو والمزاحمة الصينية الكاسحة، ومنطقة غير أوروبية، جلها عربي، غنية بالأسوق وبالمواد الخام، بما فيها الصحاري اللاهبة تحت الشمس المحرقة: بين أبرز المشاريع العتيدة للاتحاد العتيد استغلال الطاقة الشمسية. ومن غير المعلوم ما إذا كان تغيب ملك المغرب الذي اكتفى، بسبب أجندته المثقلة، بإرسال أخيه الأمير إلى القمة، على صلة بالإحساس السائد في بلدان المغرب بأن ما يريده "الروم" (الاسم الذي يطلقونه هناك على الأوروبيين) هو اليوم استمرار لما كانوا يريدونه بالأمس، أي الهيمنة تحت أسماء أخرى. إلا أنه من المعلوم أن الجزائر، التي عادت وشاركت في القمة، ظلت تردد حتى اللحظة الأخيرة أن الاتحاد هو اتحاد من أجل التطبيع المجاني مع إسرائيل. أما ليبيا التي قاطعت القمة، فقد ذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير معتبرة، في جملة الاعتراضات، أن هذا الاتحاد سيعطي مصداقية لقول القائلين بطبيعته الصليبية، أو شيء من هذا القبيل.
وأياً يكن، لا يمكن الحديث عن الاتحاد إلا عبر الحديث عن مسوغات إنشائه. طموحاته مخففة على مستوى حل مشكلات حوض البحر المتوسط، وفي طليعتها المشكلة الفلسطينية. ساركوزي يقر بذلك، لكنه يعتبره خطوة هامة على الطريق. لكن هنالك طموحات حقيقية على مستويات أخرى مثل مشكلة الهجرة وحوار الثقافات والبيئة والمناخ، وخصوصاً لجهة تنظيف البحر المتوسط من مشكلاته التلوثية، الأمر الذي بدا أنه النقطة المركزية في اهتمامات الاتحاد، قبل الاستثمار في الطاقة الشمسية. لكن المشروع مرتفع التكاليف ولا يقبل الأوروبيون غير المتوسطيين أن تصرف أموالهم في مشاريع لا تخصهم. لكن الرئيس ساركوزي يبشر، بما يشبه اليقين، بأن الاعتماد سيكون ممكناً على تدفق المال الخاص. غير أن الشكوك تكتنف المشروع من جميع الجوانب، كما تكتنف سائر وعود الاتحاد، وكثيرون يتوقعون له مصيراً مشابهاً لمصير برشلونة 95، ويؤكدون بأنه سيبدأ انحداره السريع نحو اللاشيء مع انتهاء فترة الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي. فالرئاسة المقبلة، وهي تشيكية، تقول بالفم الملآن منذ الآن بأن اهتمام الاتحاد الأوروبي سينصرف مجدداً نحو أوروبا الشرقية.
ولا يبدو أن ذلك سيضير الرئيس ساركوزي أكثر مما يجب. فالأكيد أنه ينام الآن قرير العين على ما حققه حتى الآن من تألق. فالقمة انعقدت، على ما يحب ويهوى، بـ43 دولة أو 44، وفقاً لطبيعة الصفة القانونية للسلطة الفلسطينية، ولم يقاطعها غير بلد واحد (ليبيا) كان يود ساركوزي لو أنه لم يوثق علاقاته به قبل أشهر، ليصبح غيابه مفخرة للقمة وأية مفخرة. انعقدت، وجمعت إلى طاولة واحدة كل هذا الحشد من رؤساء الدول المتفاوتة في الأهواء والمشارب والمستويات. وإذا كان من غير الممكن أن يحظى ساركوزي بتصدر صورة تذكارية تجمع الجميع، فقد حظي، بدلاً من صورة واحدة، بعشرات الصور مع كل زعيم أو زعيمين على حدة. تلك التي جمعته إلى أولمرت وأبو مازن صارت من النوع "الكادوك" لكثرة ظهور الأخير مع الأول، وأمثاله في ما لا يحصى من لقاءات. لكن السبق التصويري قد تحقق عندما جمع إلى جانبيه شريكه في رئاسة الاتحاد، الرئيس المصري، حسني مبارك، والرئيس السوري الذي كان قد قال بأن العلاقات بين سوريا وكل من مصر والسعودية ليست على ما يرام. وهي الصورة واللقاء اللذان لم يجمعا الرئيسين حتى في قمتهما الخاصة، في إطار الجامعة العربية. لكن كل ذلك لا يقاس بالإنجاز الأكبر: حضور الرئيس السوري إلى القمة واختطافه الأضواء فيها بشكل يندر أن يحدث لرئيس دولة بين رؤساء بينهم عدد واف من ذوي الوزن الثقيل. وإذا كان ساركوزي قد عاد بفرنسا إلى واجهة العالم، فإن الحائز للقدر الأكبر من الانتصارات هو الرئيس الأسد. خروج سوريا من موقع العزلة إلى موقع التبجيل، واللقاء المفعم بالمعاني مع الرئيس اللبناني، ميشال سليمان، وما سيعقب ذلك من زيارات لكل من ساركوزي وسليمان إلى دمشق. كما ولو في الأحلام قياساً إلى ما كان يعنيه القرار 1559 والمحكمة الدولية التي لم يأت ساركوزي على ذكرها على مسمع من الأسد، وتيري رود لارسن الذي منع من الذهاب لمقابلة الأسد بمعية بان كي مون. كما ولو في الأحلام، قياساً إلى إخفاق المبادرات الساركوزية لحل الأزمة اللبنانية، وإلى الازدهاء الساركوزي بعلاقاته الجديدة مع سوريا التي كان ساركوزي وسلفه شيراك يطلقان عليها أبشع النعوت حتى الأمس القريب. وإذا ما تركنا التاريخ القريب يقودنا إلى ما ستفضي إليه المفاوضات غير المباشرة مع "إسرائيل"، أو إلى ما إذا كانت فرنسا تشجع سوريا على المساعدة في عملية السلام، أم أن سوريا تجر فرنسا إلى القيام بدور فاعل في الشرق الأوسط، فإن ما يقوله الحاضر، سواء أخفق الاتحاد من أجل المتوسط أو ترنح، هو أن فرنسا ما كان بإمكانها أن تتألق بهذا الشكل، وأن الأسد ما كان بإمكانه أن يطأ الأرض الفرنسية، لولا حالة الاندحار التي تعيشها كل من أميركا و"إسرائيل" في المنطقة.
الانتقاد/ العدد 1281 ـ 14 تموز/ يوليو 2008
2008-07-14