ارشيف من :أخبار لبنانية

بين نموذَجي البون وسعيد، ما سرُّ ظاهرة عون؟

بين نموذَجي البون وسعيد، ما سرُّ ظاهرة عون؟

جان عزيز

حين يُسأل منصور البون عن كيفية نقل ترشيح كارلوس إده، ابن ميناء الحصن البيروتي، من جبيل إلى كسروان، يجيب "أبو فؤاد" بدعابته الكسروانية المحبّبة بأن صديق الاثنين، فارس سعيد، أقنع عميد الكتلة الوطنية بأنه أصبح مثل ذخائر القديسة تيريزيا، أينما ذهب أو حلّ فسيوافيه الناس للتطواف به والتبرك منه...
وفي خلفية نائب كسروان السابق أن صديقه نائب جبيل السابق مثله، أراد التخفّف من أعباء منطقته، فدأب على إقناع إده برمزية المعركة في بحر جونية في مواجهة ميشال عون.
والطبيب الدستوري المحنّك يعرف مدى سهولة إقناع العميد الكتلوي الركيك اللغة عربياً. فهو لم ينس طبعاً أنه اقتنع قبل أعوام بالخروج من لقاء قرنة شهوان، وفصل من بقي في اللقاء من رفاقه بداعي أنه يريد أفقاً أوسع لمشروعه الحواري...
المهم أنه مع نقل ترشيح إده إلى كسروان، رأى البون أن ضربة سُدّدت إلى مشروع لائحته "العائلية"، فيما رأى سعيد أن دفعاً قد أعطي لمشروع لائحة سمير جعجع الحزبية، في قلب جبل لبنان.
قد تكون مسألة كارلوس إده في حيثياتها ثانوية وهامشية إزاء المشهد الانتخابي. غير أن السجال السابق ذكره يكشف جدلية مهمة، مفادها أيّ خطاب يستهوي المزاج المسيحي اليوم؟
وأيّ عناوين تؤثر في ميول أكثريته؟ وبالتالي كيف تقف هذه الأكثرية حيال ميشال عون وخصومه؟
يمثل نموذج منصور البون الطرح الأول من الجدلية، ومختصره أنه لا يمكن مواجهة ميشال عون في السياسة، وذلك لأسباب عدة أبرزها الآتي: أولاً، لأن الخطاب الذي يتبنّاه الجنرال في محاربة الفساد وتوفير التوازن عبر الشراكة المسيحية الكاملة في الحكم، وأخيراً عبر انفتاح المسيحيين على الجماعات اللبنانية وعلى محيطهم، لا يزال خطاباً جاذباً لغالبية مسيحية واضحة. ثانياً، لأن خطاب خصومه في المفصلين الأساسيين اللذين يركّزون عليهما، أي التخويف من سلاح حزب الله والتخويف من عودة الجيش السوري، لم ينجح في كسب أكثرية مسيحية. ثالثاً، لأن المقارنة بين الثقة بشخص ميشال عون والثقة بأشخاص خصومه السياسيين هي دوماً لمصلحة الجنرال.
هكذا يرى أصحاب هذا النموذج الأول أن مقارعة عون انتخابياً في الشارع المسيحي ودوائره لا يمكن أن تكون بالسياسة، ولذلك يجب استنباط عناوين أخرى للمواجهة، من نوع تمثيل عائلات المنطقة، وعدم إقفال البيوتات التاريخية، وتحسين نوعية التمثيل عبر استقطاب أشخاص من خارج النادي السياسي اللبناني التقليدي... مع تتويج هذا النهج برشّة بركة بكركوية وأكثر من رشّة دعم رئاسي... إنه السبيل الوحيد لمواجهة عون، مع اقتصار آمال هذه المواجهة على حدود احتمال الخرق للائحة العونية، لا أكثر.
في المقابل، يمثّل فارس سعيد النموذج الثاني من الجدلية نفسها. ومضمونه أن مواجهة ميشال عون مسيحياً لا يمكن أن تكون عبر عناوين العائلات، ولا من خلف شعارات الخدمات، ولا بالهروب من منازلته سياسياً، بل على العكس، يرى النموذج الثاني أن جوهر ما يطرحه الجنرال في السياسة هو الثلاثية الآتية: حين هيمنت الميليشيات على الجبل المسيحي، كنت أنا (أي ميشال عون) رمز مواجهتها لتحريركم منها. وعندما صار الوجود السوري هو رمز الهيمنة عليكم، كنت أنا أيضاً رأس الحربة في مواجهته، حتى زال هذا الوجود وجلا جيشه بالكامل عنكم.
واليوم، لما صارت الحريرية السياسية رمز خطر الهيمنة الأكبر، أنا أيضاً وأيضاً حصان المواجهة الوحيد، لا لضرب أي فريق لبناني أو تهميشه، بل لمنع ذلك، وحفظ التوازن. وبالتالي يرى أصحاب النموذج الثاني أن الرد انتخابياً على عون، وفي المناطق المسيحية بالذات، يجب أن يكون في السياسة تحديداً، وعبر تفنيد مفاصل خطابه، والرد عليها بالمفاصل المقابلة والمضادة.
هل ينجح أيّ من الخطابين في مواجهة التسونامي البرتقالي، وخصوصاً بعد اتجاههما إلى الافتراق وتأليف لوائح منفصلة؟ أم يظهر الخطابان معاً عجزهما وقصورهما عن الصمود، ما يدفع إلى أعوام أربعة جديدة من السؤال: ما هو سرّ ظاهرة عون؟

(صحيفة "الأخبار")

2009-04-21