ارشيف من :آراء وتحليلات
هل ثمة شيء يحدث بين واشنطن والكيان الإسرائيلي؟

كتب مصطفى الحاج علي
ليس في لبنان إلا حديث الانتخابات، وليس في مصر إلا الحديث عمّا يسميه نظامها خلية حزب الله، وليس في المنطقة إلا الحديث الإيراني، وإن وجد لنفسه ممراً إلزامياً هو التسوية.
ـ حديث الانتخابات وحديث المنطقة:
البارز في حديث الانتخابات جملة أمور أهمها:
أولاً: اقتراب كل من الموالاة والمعارضة من بلورة لوائحهما في صورتها النهائية، لا سيما في الدوائر التي ما زالت موضع أخذ ورد.
ثانياً: انطلاق مكثف لأقطاب المعارضة والموالاة في تزخيم عملية التعبئة الشعبية لعملية الانتخابات: الرئيس بري في حركته المتنقلة ما بين البقاع الغربي والجنوب، والنائب الحريري في حركته الشمالية التي تأتي في سياق حسم شكل المواجهة ائتلافاً على خلافات واهتزازات واختيار الشمال ليس عبثاً، وإنما لكونه الخزان السني الرئيسي لتيار المستقبل.
ثالثاً: شروع السنيورة في حركته الانتخابية تجاه مدينة صيدا، وهي حركة جاءت باردة شعبياً وغير مؤثرة، والسؤال الذي فرض نفسه هنا هو التالي: لماذا غاب "المستقبل" عن توفير الاحتضان الشعبي للسنيورة؟ فهل مرد ذلك إلى رغبة آل الحريري الإمساك بالفضل، وحتى لا يبدو وكأن للسنيورة شعبية خارج إطار آل الحريري، أم أن هناك أموراً أخرى.
رابعاً: تسجيل المزيد من الانكشاف في وضع فريق الرابع عشر من آذار على خلفية مواقف النائب وليد جنبلاط التي كشفت مؤخراً عن حقيقة الخلافات التي تعتمل داخل هذا الفريق، والتي سيكون لها ما بعدها خصوصاً في ضوء عملية التقارب المدروس والمتأني بين جنبلاط وحزب الله، وعلى خلفية سحب نسيب لحود ترشيحه اعتراضاً على ما يجري في المتن من تنافس بين الثلاثي: الجميل، وجعجع، والمر الأب، وعلى خلفية إعلان الحريري، وفي خطوة تراجعية عن مواقفه السابقة، عن رغبته واستعداده لتولي رئاسة الحكومة في ما لو سمته الأكثرية.
لا شك، أن التصدع في صورة فريق 14 آذار، سيكون له مردوده المعنوي والسياسي الإيجابي، لمصلحة المعارضة عموماً، والرئيس عون تحديداً.
ـ الحديث المصري:
اللافت في هذا الحديث التالي:
أولاً: إن النظام المصري عمد إلى استخدام كل أسلحته الثقيلة ابتداءً في حملة افتراءاته على حزب الله، ولذا أخذت هذه الحملة تسجل مراوحة وتراجعاً نسبياً مؤخراً.
ثانياً: شرع هذا النظام مؤخراً بتوسيع حملة افتراءاته لتشمل إيران وسوريا وحماس، عسى بذلك أن ينجح في إصابة أكثر من عصفور بحجر واحد، أهمها استدراج هذه الأطراف إلى معركة معه، يعيد من خلالها تقسيم المنطقة إلى محورين: عرب أميركا، ومحور دول المقاومة والممانعة، ليصل من ذلك إلى الضغط على أجواء المصالحة والتشويش عليها، ولتكبير حجم المؤامرة، وتبرير كل ردود أفعاله، ولتأليب الرأي العام العربي على هذه الأطراف.
أما الهدف المباشر والأبرز فيبقى يتمثل في إثارة غبار كثيف لإمرار إمعانه في إطباق الحصار على قطاع غزة من خلال تشديد إجراءاته الأمنية بحقه، ومن خلال هدم شرايين الحياة الخاصة به، والمتمثلة بالأنفاق.
ثالثاً: يروج النظام المصري على أنه مستعد لوقف الحملة، والتعاطي من موقع من يملك زمام المبادرة والقادر على فرض شروطه، مستعيناً بنفس ولهجة استعلائية، يدرك تماماً أنها لن تفضي إلى أي مكان.
رابعاً: إن مجمل حملة النظام المصري حتى الآن لم تحقق ما هو مرجو منها، لا على صعيد الرأي العام العربي، ولا على صعيد استدراج مواقف رسمية مؤيدة عربية ودولية، وبالتالي، فإن ما يزيد في أزمة هذا النظام هو إحباط حملته وإخفاقها، ولا سيما أن استراتيجية المقاومة القائمة على الاحتواء البارد ساهمت في وأد مفاعيل هذه الحملة وأهدافها المبيتة.
خامساً: وحده الكيان الإسرائيلي يستفيد من هذه الحملة سواء من خلال صرف الأنظار عن حكومة نتنياهو المتطرفة وأخطارها، أم من خلال تقديم مادة ضرورية له لتركيز وتدعيم مبرراته ووجهة نظره العدوانية ضد ايران والمقاومة في فلسطين ولبنان، بل أن حملة النظام المصري توفر لهذا العدو الغطاء اللازم لأي عدوان يمكن أن يفكر بالقيام به ضد المقاومة وإيران.
ـ حديث إيران والتسوية:
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ثمة شيء يحدث بين واشنطن والكيان الإسرائيلي؟ بكلمة أخرى، هل نحن أمام مؤشرات تصادم في الرؤى والمصالح بين واشنطن والكيان الإسرائيلي؟ أم أننا سنكون إزاء مناورة منسقة؟
الإجابة عن هذه الأسئلة تستلزم ملاحظة التالي:
أولاً: إن واشنطن تغلّب أولوية حفظ ذاتها في مرحلة انكسارها الاقتصادي ـ المالي، وفي مرحلة انكسارها العسكري والسياسي.
ثانياً: الظاهر من مواقف إدارة أوباما حتى الآن، أنها اختارت المقاربة الديبلوماسية لأزمات المنطقة التي هي أزماتها أيضاً، وبالتالي لا ترغب في رؤية أي عمل عسكري من شأنه أن يورطها في قضايا ومشاكل لا تملك قدرة على ضبطها أو وقف مفاعيلها السلبية على مصالحها وأولوياتها.
ثالثاً: إن مقاربة واشنطن لقضايا المنطقة تقوم على نظرة ورؤية استراتيجية شاملة ومترابطة، بكلمة أخرى، إن واشنطن ومع إقرارها بتعذر معالجة القضايا الأساسية كالملف النووي بدون إحراز تقدم في ملف قضية الصراع العربي ـ الاسرائيلي، لأنه، وفي نظر واشنطن، أن معالجة هذه القضية من شأنها أن تحقق جملة إنجازات أبرزها: حرمان إيران من نقطة ارتكاز قوتها في المنطقة، ونقطة ارتكاز توسيع نفوذها، وتحويلها، بالتالي، إلى دولة عادية، والأمر عينه ينطبق على حزب الله، والثاني، أن هذه المعالجة، تسمح بتشكيل تحالف عربي ـ إسرائيلي واسع قادر على احتواء إيران والضغط عليها، هذه الإنجازات من شأنها ان توفر ورقة ضغط استراتيجية على إيران تدفعها إلى القبول بالشروط الضرورية لمعالجة ملفها النووي.
رابعاً: في المقابل ترى حكومة نتنياهو العكس، فهي تذهب إلى أن الحل العسكري ممكن، وأنه لا إمكان الآن لمعالجة قضية الصراع مع الفلسطينيين ومع سوريا، من الواضح، أن الدفع باتجاه الحل العسكري، يسمح لحكومة نتنياهو بالتهرب من حل الدولتين الذي لا تريده، وهنا مكمن الخلاف مع واشنطن.
خامساً: لا شك، أن واشنطن تستفيد من التلويح الإسرائيلي بالخيار العسكري في مواجهة إيران، حيث يضعها بين خيارين: الحل العسكري، أو الحل الديبلوماسي، لكن هذه الاستفادة تبقى تكتيكية ومفضوحة.
سادساً: إن سياسة نتنياهو قد يكون الغرض منها رفع كلفة ما يتوجب على العرب والفلسطينيين وواشنطن دفعه للقبول بالتنازلات المطلوبة، ما دامت رغبة واشنطن وعربها هي تركيز الضغط على ايران.
سابعاً: الاحتمال الأخير الذي لا يمكن اسقاطه من الاعتبار، هو أن تلجأ حكومة الكيان الاسرائيلي إلى الهروب إلى الامام من خلال شن حروب جديدة سواء باتجاه غزة أو حزب الله او ايران، لا سيما إذا ادركت أن هناك ضغوطا كبيرة ستمارس عليها، وأن الثمن المطلوب ليس كافياً، كل هذا يشير الى أن المرحلة المقبلة لن تكون سهلة بل غاية في الدقة، وتحتاج إلى حضور وجهوزية كبيرة.
الانتقاد/ العدد1343 ـ 24 نيسان/أبريل 2009