ارشيف من :آراء وتحليلات

ما هي أبعاد "ثورة" نسيب لحود على حلفائه في الفريق الشباطي؟

ما هي أبعاد "ثورة" نسيب لحود على حلفائه في الفريق الشباطي؟
كتب إبراهيم صالح
كان مفاجئاً للبعض إعلان النائب السابق نسيب لحود انسحابه من السباق الى مجلس النواب ليعود اليه ثانية بعدما رسب في الانتخابات الماضية، لكن الذين قُدّر لهم الاطلاع في الآونة الأخيرة على حال "الإرباك" والارتباك والتصارع والتجاذب الذي يعيشه الفريق الشباطي، وهو يسعى جاهداً لتأليف لوائحه الانتخابية وإرضاء "جموح وطموح مكوناته، لا سيما الفريق المسيحي فيه، كانوا على يقين من ان هذا الفريق ماضٍ في تقديم القرابين والضحايا على مذابح التناقضات والصراعات العاصفة بين أعضائه.
فبعد الإبعاد المتعمد للنائب سمير فرنجية حتى من دون الاعتذار اليه، وهو الذي كان يقيم على اعتقاد انه الثابت لكونه المنظر والعقل المفكر والمخطط،
وبعد التضحية بغطاس خوري الذي ضاقت به المواقع النيابية والوزارية طوال الاعوام الأربعة الماضية اثر إقصائه عن النيابة في الأشرفية "كرمى" لعيون النائب صولانج الجميل،
وبعد ان انتهت فترة "الإعارة" للنائب إلياس عطالله وأعيد اغترابه القسري لخدمة طرابلس الى المقاهي،
وبعدما انتهت أدوار محمد الأمين عيتاني ومصطفى علوش ومصطفى هاشم وهاشم علم الدين وأندراوس وعبد الله فرحات والجراح وسواهم في السلسلة الطويلة، جاء دور نسيب لحود.
لم يكن هذا النائب السابق عن المتن يخوض سباقاً مضموناً لبلوغ ساحة النجمة مجدداً، فاحتمالات خسرانه مجدداً في معركة المتن تكاد تكون محسومة. لكن يبدو حسب المعلومات المتوافرة من اكثر من مصدر، ان لحود قد عزف عن خوض المعركة بعدما ترشح لها لأسباب شخصية وموضوعية تتصل في جزء كبير منها بسلوك "المايسترو" الكبير في الفريق الشباطي المنوط به تدوير الزوايا وإدارة اللعبة وإخراج اللوائح الى النور.
فلم يعد خافياً ان "مرارة" لحود كادت تنفجر في الآونة الأخيرة من جراء "الاستعلاء" الذي يمارَس عليه والمفروض عليه ان يكون في اللائحة وعدوه التاريخي واللدود النائب ميشال المر، الذي يقر دائماً بأن معركته هي معركة "أحجام". وهذا ما دفعه الى الخروج من كتلة الإصلاح والتغيير بقيادة النائب العماد ميشال عون والتمرد عليها. وهذا ما دفعه ايضا لاحقاً الى خوض صراع خفي مكتوم مع حليفيه المفترضين في اللائحة التي لم تولد بعد: الرئيس أمين الجميل والنائب السابق لحود.
كان مرجحاً منذ البداية صعوبة جمع لائحة نيابية تضم رؤوسا يعتبر كل واحد منهم انه هو الأجدر بلقب زعيم المتن السياسي، والأولى بترسيم اللائحة، والأقدر على توزيع الحصص فيها، واستطرادا تحديد الأحجام.
ولكن الأكيد ايضاً ان حدود "ثورة" نسيب لحود ومدى استيائه من "قادة" الفريق الشباطي لا تتوقف عند حدود هذه القضايا على وجاهتها، بل تمتد أبعد من ذلك، اذ يبدو جلياً ان حلم نسيب لحود بكتلة نيابية ولو من ثلاثة نواب تعيد له حضوره الذي يكاد يكون مفقوداً على الساحة السياسية، وتجدد له مكانته السياسية بعدما أخفق إخفاقاً مبيناً في تفعيل الإطار الذي أنشأه قبل أعوام وحمل اسم "حركة التجدد الديمقراطي"، لا سيما بعدما غادره المؤسسون واحداً تلو الآخر ولم يبق حوله منهم سوى ثلاثة، أحدهم اعتاد التنقل من تنظيم لآخر، لم يعرف في حياته مهنة سوى الانتماء والاستزلام.. هذا الحلم سرعان ما انهار بعد ان بلغه ان الفريق الشباطي أبعد حليفه في طرابلس مصباح الأحدب عن اللائحة الائتلافية، وبالتالي بات نجاحه غير مضمون، فيما وضع حليفه في كسروان النائب السابق كميل زيادة في حالة يرثى لها، واحتمالات سقوطه راجحة ولا ريب.
إضافة الى ذلك شعر نسيب لحود بأنه بات عليه ان يرسم خط اعتراض ولو متأخرا على حملة الامتهان المتتالي التي يتعرض لها منذ زمن، وتحديدا منذ "مهرجانه" الشهير في "البيال" الذي تصرف فيه كأنه المرشح الأكيد للفريق الشباطي للرئاسة الأولى، فإذا به يدرك ان ثمة مرشحا مخفيا آخر لدى هذا الفريق هو النائب روبير غانم.
وبرغم محاولة التعويض عليه بتوزيره في الحكومة الحالية من دون حقيبة (وزير دولة)، الا ان الأمر لم يغير من واقع الحال شيئاً، فلقد بات معلوماً له وللجميع أن الأولوية والأهمية عند قيادة الفريق الشباطي هي لإحياء القوتين الحزبيتين المسيحيتين في هذا الفريق، أي حزب الكتائب والقوات اللبنانية، وأنه لأجل هذه الغاية حُجزت المقاعد المحسومة في لوائح فريق 14 شباط لمرشحين من هذين التنظيمين، وذلك على حساب الشخصيات والقوى المسيحية الأخرى في هذا الفريق. وعليه جرى استبعاد ترشيح سمير فرنجية في طرابلس، وغطاس خوري في الشوف، وأندراوس في عاليه.
وفي سبيل تعزيز فرص فوز مرشحي الكتائب والقوات في المتن، جرت الاستعانة بالعدو التاريخي اللدود للحود، وهو ميشال المر. وأُبلغ لحود ان عليه ان يفكر بأكثر من مقعد له في لائحة المتن.
وبمعنى آخر شعر لحود وبقايا لقاء "قرنة شهوان" في الفريق الشباطي بأن دورهم الى تهميش وإقصاء، وبات عليهم الالتزام بحدود لعبة ضيقة جداً هي أقرب ما تكون الى "كمالة العدد" ولوازم الديكور السياسي أقرب منها الى لعبة سياسية حقيقية يأخذ فيها كل مشارك موقعه ودوره المؤثر والوازن.
فلم يعد خافياً انه في الآونة الأخيرة بدا الكثير من الشخصيات المسيحية في الفريق الشباطي أنهم "ضحايا" تصارع سياسي وحشي، خصوصاً من جراء هذا التنافس و"التناتش" على المقاعد بين الكتائب والقوات من خلال تدليل هؤلاء والعمل على كسب ود هذين الفريقين ورفاههما والعمل على إبقائهما على قيد الحياة سياسياً عبر مقاعد نيابية مضمونة، حتى لو كان الثمن التضحية بشخصيات مثل سمير فرنجية ونسيب لحود وأندراوس وسواهم.
والمفارقة ان الشكوى الأساسية لهذه الشخصيات والوجوه هي في الماضي كانت التهميش والإقصاء، فإذا بهم يعانون من إقصاء أشد قسوة ومن تهميش أكثر وحشية، يمارسه عليهم صلف "القوات اللبنانية" وجشع الكتائب وتسلط فريق "المستقبل" وابتزاز النائب وليد جنبلاط.
ربما أفضت المساعي والاتصالات الى إقناع نسيب لحود بالعودة الى اللائحة الشباطية في المتن بعد الوقوف على خاطره، ولكن الأكيد ان العد العكسي للنهاية السياسية لهذا الرجل قد بدأت، وبالتالي يتعين عليهم ان يعودوا الى استئناف رحلة البحث عن أطر جديدة ونظريات مختلفة ومواقع أخرى. وهذا الأمر أكثر ما يتقنه النائب الذي سيصبح سابقاً بعد نحو 50 يوماً، وهو سمير فرنجية، وسننتظر لنعرف من أي توليفة سياسية سيبدأ هذه المرة! ولكن عليه ان يكف اولاً عن تحديد المواعيد الزمنية لضرب طهران، وهو ما برع به طوال الفترة الماضية وعاش عليه طويلاً.
الانتقاد/ العدد 1343 ـ 24 نيسان/أبريل 2009
2009-04-25