ارشيف من :آراء وتحليلات
فريق الموالاة بين أزمته السياسية البنيوية.. وجراح الانتخابات: أي مصير ورهانات؟

كتب مصطفى الحاج علي
الأزمة التي يعاني منها فريق الموالاة ليست عابرة، وهي تتجاوز كونها تنافساً أو صراعاً على هذا المقعد النيابي أو ذاك، أو على هذه الكوتا أو تلك، وإن كانت الانتخابات هي في حد ذاتها سياسية لتظهير بعض من مظاهر الأزمة لا كلها، وإذا كان من جانب تظهره مناسبة الانتخابات فهو ذاك المتمثل بالخلافات بين الأطراف، وما تختزنه من أزمة ثقة، وما تحمله في طياتها من تنافسٍ على حجم المواقع والأدوار.
ومن ينظر في هذا الجانب من الخلافات يظهر له بوضوح، أن ما يجمع هؤلاء هو الطارئ الخارجي سواء أكان هذا الخارج مايسترو دوليا أو اقليميا، أم كان هذا الخارج هو العدو المشترك داخلياً كان أو خارجياً، وتحت مظهر الوحدة، فإن فريق الموالاة ينوء بخلافات عميقة، بل بإرث تاريخي من الخلافات التي لا يمكن تجاوزها بسهولة. نعم يمكن تسكين هذه الخلافات لضرورات آنية أو مصلحية مشتركة، لكن لا يمكن شطبها وإلغاؤها نهائياً.
يمكن رد أسباب الأزمة البنيوية لفريق الموالاة إلى جملة عوامل متفاعلة ومتداخلة أبرزها:
أولاً: سقوط الشعارات الكبرى التي جمعت هذا الفريق، فمن نافل القول، إن الموالاة ركزت مشروعها السياسي على ثلاثة روافع أو أعمدة رئيسية: الأول، خروج الجيش السوري من لبنان، وهذا الخروج أنجز، بل، أكثر من ذلك، لقد دخلت العلاقات السورية ـ اللبنانية مساراً جديداً لم يكن يتوقعه هذا الفريق، ولكي يبقي على بعض هذا الشعار حياً، فهو يحاول من فترة إلى أخرى التشكيك بما أنجز، أو القول بأن ما أنجز حتى الآن ليس كافياً، ويحاول تارة أخرى إيهام جمهوره بأن سوريا لا تزال راغبة بالعودة، وهي تعمل على ذلك، وإن بأشكال مختلفة، وليست معارك هذا الفريق لإبقاء هذا الشعار قائماً سوى معارك دونكيشوطية، لأنه يدرك في قرارة نفسه أن دمشق ليست راغبة في العودة، ولا ترى مصلحة لها في ذلك، وأما مصالحها الأخرى، فهي تبحث عن تحقيقها عن طريق بناء علاقات دولة مع دولة، وما عدا ذلك ليس إلا ادعاءات فارغة.
أما العمود الثاني، فيتمثل بالمحكمة ذات البعد الدولي، هذه المحكمة التي تحولت إلى واقع دولي لم يعد بمقدور أحد تجاوزه، وبالتالي، فهي سقطت أو خرجت من أيدي فريق الموالاة، وأكثر من ذلك، فإن الكثير من الركائز التي بنى عليها ادعاءاته الخاصة بهذه المحكمة اهتزت صدقيتها بقوة، بدءاً من الشهود الزور، ومروراً بوضعية الضباط الأربعة، وهنا أيضاً يحاول هذا الفريق إعادة ترميم صدقيته التي اهتزت بقوة في أذهان الناس بعد أن تهاوت كل افتراءاته من خلال الهروب إلى الامام، وممارسة سياسة عنزة ولو طارت.
أما الركن الثالث، فيتمثل بضرب المقاومة وسلاحها في لبنان، وقد جرد من أجل انجاز هذا الهدف حرباً ضروساً هي حرب تموز الشهيرة، إلا أن هذه الحرب فشلت فشلاً ذريعاً، وتحوّل بند سلاح المقاومة إلى نقطة أساسية على جدول أعمال طاولة الحوار الوطني، وتحت عنوان الاستراتيجية الدفاعية للبنان.
أما الركن الرابع، فيتمثل يحرص فريق الموالاة على الاستئثار بالسلطة، وضرب صيغة المشاركة، وميثاق العيش المشترك الذي ضمنه الدستور اللبناني، بدوره أخفق، حيث نجحت المعارضة في فرض المشاركة على إثر اتفاق الدوحة المشهور، وأما خلاصة المشروع السياسي لفريق الموالاة، والمتمثل بنقل لبنان من موقع محور المقاومة والممانعة إلى محور الاستسلام من خلال تهيئة لبنان لجعله جزءاً من هذا المحور، فمني بدوره بفشل ذريع.
والأهم من هذا كله، أن رافعة المشروع السياسي لفريق الموالاة والمتمثلة بالهجوم الاميركي ـ الصهيوني على المنطقة، والذي تجسد عملياً في سلسلة من الحروب امتدت من افغانستان ومرت بالعراق ولبنان وغزة، هذه الرافعة تحطمت نقطة ارتكازها بفعل اخفاق هذه الحروب، وبفعل دخول الولايات المتحدة في أزمة اقتصادية ـ مالية بنيوية سوف تحتاج إلى سنين عديدة للخروج منها، في ما لو نجحت الاجراءات والخطط الموضوعة لمعالجتها.
كل ما تقدم أفقد فريق الموالاة توازنه العام، وقوّض أركان مشروعه، وحوله إلى حطام سياسي، ولذا، كان طبيعياً أن يدخل في مسار من الأزمات البنيوية المتصاعدة، وأن ينظر إلى الانتخابات النيابية كمرحلة مصيرية، باعتبارها الفرصة الأخيرة المتاحة له لإعادة التوازن إلى وضعه العام، والوقوف مجدداً على قدميه، والتحصن وراء خط دفاع يستطيع من خلاله ممارسة سياسة تقطيع الوقت بأقل الخسائر الممكنة، ووقف عملية موته البطيء، بانتظار أن تعود العافية مجدداً إلى المشروع الاميركي. وفي هذا الإطار، فإن رهان هذا الفريق ومعه عرب التسوية يبدو رهاناً مصيرياً على احتمال تحرك عجلة التسوية مجدداً، باعتبارها المدخل للّعب بالتوازنات الاقليمية، ومن خلالها بالتوازنات المحلية، والأمر عينه يمكن افتراضه بالنسبة لرهان هؤلاء جميعاً على تجدد الحروب في المنطقة من مدخلها الاسرائيلي، سواء باتجاه غزة، أم لبنان، أم سوريا وإيران، وإن كان كل هذا يتعاكس مع المقاربة الأوبامية الجديدة للسياسة الاميركية بالمنطقة، في هذا الإطار أيضاً، يمكن وضع عدوان النظام المصري على حزب الله، نقول "عدوان" باعتباره شكلاً من أشكال الحروب على المقاومة في لبنان، أي بوصفه عملاً يراد منه إحداث بعض التوازن في مكوّنات الصراع الدائر في المنطقة، وإن من مدخل أمني ـ سياسي.
خلاصة القول، إن فريق الموالاة لن يتوانى عن استخدام كل ما بيده من أسلحة للوقوف على قدميه مجدداً، وهذا يعني أن عدوان تموز وعدوان غزة لم ينتهيا فصولاً، وإن كانا الآن يخاضان بأشكال أخرى، فكما أن الحرب هي امتداد للسياسة بأسلوب عسكري، فالعكس صحيح أيضاً.
الانتقاد/ العدد 1343 ـ 24 نيسان/أبريل 2009
الأزمة التي يعاني منها فريق الموالاة ليست عابرة، وهي تتجاوز كونها تنافساً أو صراعاً على هذا المقعد النيابي أو ذاك، أو على هذه الكوتا أو تلك، وإن كانت الانتخابات هي في حد ذاتها سياسية لتظهير بعض من مظاهر الأزمة لا كلها، وإذا كان من جانب تظهره مناسبة الانتخابات فهو ذاك المتمثل بالخلافات بين الأطراف، وما تختزنه من أزمة ثقة، وما تحمله في طياتها من تنافسٍ على حجم المواقع والأدوار.
ومن ينظر في هذا الجانب من الخلافات يظهر له بوضوح، أن ما يجمع هؤلاء هو الطارئ الخارجي سواء أكان هذا الخارج مايسترو دوليا أو اقليميا، أم كان هذا الخارج هو العدو المشترك داخلياً كان أو خارجياً، وتحت مظهر الوحدة، فإن فريق الموالاة ينوء بخلافات عميقة، بل بإرث تاريخي من الخلافات التي لا يمكن تجاوزها بسهولة. نعم يمكن تسكين هذه الخلافات لضرورات آنية أو مصلحية مشتركة، لكن لا يمكن شطبها وإلغاؤها نهائياً.
يمكن رد أسباب الأزمة البنيوية لفريق الموالاة إلى جملة عوامل متفاعلة ومتداخلة أبرزها:
أولاً: سقوط الشعارات الكبرى التي جمعت هذا الفريق، فمن نافل القول، إن الموالاة ركزت مشروعها السياسي على ثلاثة روافع أو أعمدة رئيسية: الأول، خروج الجيش السوري من لبنان، وهذا الخروج أنجز، بل، أكثر من ذلك، لقد دخلت العلاقات السورية ـ اللبنانية مساراً جديداً لم يكن يتوقعه هذا الفريق، ولكي يبقي على بعض هذا الشعار حياً، فهو يحاول من فترة إلى أخرى التشكيك بما أنجز، أو القول بأن ما أنجز حتى الآن ليس كافياً، ويحاول تارة أخرى إيهام جمهوره بأن سوريا لا تزال راغبة بالعودة، وهي تعمل على ذلك، وإن بأشكال مختلفة، وليست معارك هذا الفريق لإبقاء هذا الشعار قائماً سوى معارك دونكيشوطية، لأنه يدرك في قرارة نفسه أن دمشق ليست راغبة في العودة، ولا ترى مصلحة لها في ذلك، وأما مصالحها الأخرى، فهي تبحث عن تحقيقها عن طريق بناء علاقات دولة مع دولة، وما عدا ذلك ليس إلا ادعاءات فارغة.
أما العمود الثاني، فيتمثل بالمحكمة ذات البعد الدولي، هذه المحكمة التي تحولت إلى واقع دولي لم يعد بمقدور أحد تجاوزه، وبالتالي، فهي سقطت أو خرجت من أيدي فريق الموالاة، وأكثر من ذلك، فإن الكثير من الركائز التي بنى عليها ادعاءاته الخاصة بهذه المحكمة اهتزت صدقيتها بقوة، بدءاً من الشهود الزور، ومروراً بوضعية الضباط الأربعة، وهنا أيضاً يحاول هذا الفريق إعادة ترميم صدقيته التي اهتزت بقوة في أذهان الناس بعد أن تهاوت كل افتراءاته من خلال الهروب إلى الامام، وممارسة سياسة عنزة ولو طارت.
أما الركن الثالث، فيتمثل بضرب المقاومة وسلاحها في لبنان، وقد جرد من أجل انجاز هذا الهدف حرباً ضروساً هي حرب تموز الشهيرة، إلا أن هذه الحرب فشلت فشلاً ذريعاً، وتحوّل بند سلاح المقاومة إلى نقطة أساسية على جدول أعمال طاولة الحوار الوطني، وتحت عنوان الاستراتيجية الدفاعية للبنان.
أما الركن الرابع، فيتمثل يحرص فريق الموالاة على الاستئثار بالسلطة، وضرب صيغة المشاركة، وميثاق العيش المشترك الذي ضمنه الدستور اللبناني، بدوره أخفق، حيث نجحت المعارضة في فرض المشاركة على إثر اتفاق الدوحة المشهور، وأما خلاصة المشروع السياسي لفريق الموالاة، والمتمثل بنقل لبنان من موقع محور المقاومة والممانعة إلى محور الاستسلام من خلال تهيئة لبنان لجعله جزءاً من هذا المحور، فمني بدوره بفشل ذريع.
والأهم من هذا كله، أن رافعة المشروع السياسي لفريق الموالاة والمتمثلة بالهجوم الاميركي ـ الصهيوني على المنطقة، والذي تجسد عملياً في سلسلة من الحروب امتدت من افغانستان ومرت بالعراق ولبنان وغزة، هذه الرافعة تحطمت نقطة ارتكازها بفعل اخفاق هذه الحروب، وبفعل دخول الولايات المتحدة في أزمة اقتصادية ـ مالية بنيوية سوف تحتاج إلى سنين عديدة للخروج منها، في ما لو نجحت الاجراءات والخطط الموضوعة لمعالجتها.
كل ما تقدم أفقد فريق الموالاة توازنه العام، وقوّض أركان مشروعه، وحوله إلى حطام سياسي، ولذا، كان طبيعياً أن يدخل في مسار من الأزمات البنيوية المتصاعدة، وأن ينظر إلى الانتخابات النيابية كمرحلة مصيرية، باعتبارها الفرصة الأخيرة المتاحة له لإعادة التوازن إلى وضعه العام، والوقوف مجدداً على قدميه، والتحصن وراء خط دفاع يستطيع من خلاله ممارسة سياسة تقطيع الوقت بأقل الخسائر الممكنة، ووقف عملية موته البطيء، بانتظار أن تعود العافية مجدداً إلى المشروع الاميركي. وفي هذا الإطار، فإن رهان هذا الفريق ومعه عرب التسوية يبدو رهاناً مصيرياً على احتمال تحرك عجلة التسوية مجدداً، باعتبارها المدخل للّعب بالتوازنات الاقليمية، ومن خلالها بالتوازنات المحلية، والأمر عينه يمكن افتراضه بالنسبة لرهان هؤلاء جميعاً على تجدد الحروب في المنطقة من مدخلها الاسرائيلي، سواء باتجاه غزة، أم لبنان، أم سوريا وإيران، وإن كان كل هذا يتعاكس مع المقاربة الأوبامية الجديدة للسياسة الاميركية بالمنطقة، في هذا الإطار أيضاً، يمكن وضع عدوان النظام المصري على حزب الله، نقول "عدوان" باعتباره شكلاً من أشكال الحروب على المقاومة في لبنان، أي بوصفه عملاً يراد منه إحداث بعض التوازن في مكوّنات الصراع الدائر في المنطقة، وإن من مدخل أمني ـ سياسي.
خلاصة القول، إن فريق الموالاة لن يتوانى عن استخدام كل ما بيده من أسلحة للوقوف على قدميه مجدداً، وهذا يعني أن عدوان تموز وعدوان غزة لم ينتهيا فصولاً، وإن كانا الآن يخاضان بأشكال أخرى، فكما أن الحرب هي امتداد للسياسة بأسلوب عسكري، فالعكس صحيح أيضاً.
الانتقاد/ العدد 1343 ـ 24 نيسان/أبريل 2009