ارشيف من :آراء وتحليلات
ما هي أبعاد إعلان تحول تيار "المستقبل" الى حزب؟

كتب ابراهيم صالح
قبل اسابيع قليلة وقف النائب سعد الحريري في قاعة "البيال" في وسط بيروت يعلن امام حشد من انصاره تحول تيار "المستقبل" الى حزب سياسي على اساس ان يكون هذا التحول بمثابة ميلاد جديد للحالة السياسية المتكوكبة حول آل الحريري.
بالطبع ثمة في المصطلحات السياسية فرق بين التيار كحالة جماهيرية فضفاضة، ليس من شروطها ان تملك برنامجاً سياسياً واقتصادياً وتثقيفياً، اضافة الى امتلاكها اطارا تنظيميا هرميا، وبين الحزب الذي من شروط حضوره، ان يملك برنامجاً وعقيدة وجمهوراً ملتزماً به منتظماً في اطر معينة.
لكن بالنسبة لحالة تيار "المستقبل" لا يبدو ان ثمة من تعامل مع التحول الذي اعلنه الحريري، على اساس ان هناك فرقاً كبيراً او ان ذلك الاعلان سيكون تأسيساً لإطار سياسي مختلف فليس في الافق من معطيات توحي بأن هذا العنصر المستجد سيغير من واقع الحال المقيم منذ انطلاقة هذا التيار قبل أعوام، وهو انه حالة جماهيرية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً برفيق الحريري اولاً كشخص وهو على قيد الحياة، ومن ثم بورثته السياسيين بعد استشهاده في شباط عام 2005، وبالتالي يصعب الى حد الاستحالة في المدى المنظور على الاقل ان تنفلش هذه الحالة وتمتد لتصير حالة على مستوى كل الوطن بكل مكوناته السياسية الطبقية والطائفية والمذهبية.
وحيال ذلك فإن السؤال المطروح بإلحاح هو لماذا اختار النائب الحريري هذه الخطة السياسية وأعلن امراً ما كان لأحد ان يحاسبه في ما لو ارجأ اعلانه، او ابطله في احسن الاحوال؟
لا بد لمعرفة الاجابة عن هذا التساؤل من مقاربة تاريخية وموضوعية لظروف نشوء نواة تيار "المستقبل" اولاً على يد مؤسسه الشهيد الحريري. عندما اتى الرئيس الحريري من عالم الاعمال والتعهدات والانشاءات في السعودية الى قلب عالم السياسة عبر رئاسة الحكومة في عام 1992 كان السؤال المطروح آنذاك هو ما شرعية هذا الاتي الى نادي رؤساء الحكومة في لبنان؟
فحتى وصوله هو شخصياً الى هذا المنصب المهم كان ثمة قواعد ومعايير معروفة، هي التي تسمح لشخصية ما ان تتبوأ هذا المركز، فهو اما سليل بيت سياسي عريق كآل كرامي وكآل سلام وقبلهما آل الصلح، او الجسر وسواهم.. او وجهاً جديداً وليد النخبة المتعلمة من ابناء الطبقة المتوسطة الذين امتلكوا مهارات علمية معينة كعبد الله اليافي وسليم الحص وشفيق الوزان والرئيس امين الحافظ.
لذا، كان الرئيس الحريري الوحيد الآتي الى هذا المنصب من خارج الفئتين، فلا هو وارث زعامة سياسية، ولا هو ايضاً وليد المهارات العلمية.
واذا كانت التفاهمات الاقليمية العربية يومذاك وبالتحديد بين دمشق والرياض هي التي مهدت الطريق لوصوله الى الرئاسة الثالثة، فإن ذلك الامر على بلاغته، لم يكن يمنع التساؤلات ويحول دون اثارة الشكوك حول شرعية هذا الوافد الجديد من خارج المألوف الى عالم السياسة، و"شرعية" هذا الامر، والقاعدة التي يمكن ان يستند اليها ليبرر حضوره واستمراره وقبضه المستمر عل ناصية رئاسة الحكومة.
وعليه بدأ الحريري باكراً التخطيط والعمل لإيجاد اطار سياسي يسنده ويكون له بمثابة التعويض والبدل. وبالفعل عاود الحريري الاتصال بعدد من رفاقه القدامى في حركة القوميين العرب التي انتمى اليها لبعض الوقت وخاض عبرها تجربة حزبية متواضعة ليحقق مقصد تأسيس التيار السياسي.
والمعلوم ان الحريري تقدم بطلب للحصول على "علم وخبر" لإنشاء هذا الاطار السياسي المنشود. ووفق المعلومات فإن ثمة من جاء الى الحريري ناصحاً اياه بعدم التسرع في اطلاق هذا التيار الى المسرح السياسي لاعتبارات ومحاذير عدة ابرزها:
1- ان صورة الاحزاب لدى الجمهور الذي يمكن ان يشكل هذا الاطار، غير ناصعة وغير جذابة، فيومها كانت الحرب الاهلية وضعت اوزارها للتو، وكان الجمهور العريض قد اكتوى بنار وتجارب حزبية سلبية خلال سني الحرب العجاف.
2- ان اي اطار حزبي او اوسع من ذلك من شأنه ان يجعل زعيمه حالة محدودة سياسياً وطائفياً، خصوصا ان فرصة انشاء حزب عابر للطوائف والمناطق تكاد تكون معدومة.
3- ان الحزب من شأنه ان يثقل على مؤسسه وزعيمه ويصرفه عن الاهتمام بالسلطة والحكم.
وعليه طوى الحريري خلال الفترة الممتدة من عام 1992 الى عام 2000 هذه الفكرة ووضعها على الرف، الا ان كانت انتخابات عام 2000 وما سبقها من تطورات سياسية غيرت من نظرة الحريري لمسألة الاطار السياسي واستطراداً عززت لديه ضرورة العودة الى هذه الفكرة.
فالمعلوم ان الحريري شعر في وقت قصير انه مطرود من "جنة" الحكم او مقتلع منها قسراً (فترة 1999- 2000)، وشعر في الوقت عينه انه حقق "نصراً" انتخابياً كاسحاً في انتخابات عام 2000، ولكنه نصر محدود في طائفته.
واذا كانت نتائج انتخابات ذلك العام قد صيرت الحريري الذي قدم نفسه سياسياً وطنياً وليس لزعامة طائفة بعينها، زعيماً سياسياً لطائفته.
ومع ان الوضع المستجد قد عزز لديه فكرة الاستعانة مجدداً بتيار سياسي الا أنه قارب الامر كله بشكل محدود، اذ بقيت الكرة عبارة عن تجمع انتخابي او اطار لشعبيته اكثر مما هو اطار حزبي راسخ ومكين، حتى ان شعار التيار لم ينوجد الا بعد فترة طويلة.
لكن الحال تغيرت بعد اغتيال الرئيس الحريري، اذ احتاج ورثته السياسيون الى اسم هذا الاطار وشعاره لكي يقدموا انفسهم على انهم حالة سياسية تنتمي عملياً لشخص كبيرها.
ومهما يكن من امر فالواضح ان اعادة النائب الحريري الاعتبار في الآونة الاخيرة لفكرة التيار الحزب، لها حساباتها المتصلة اكثر ما يكون بمرحلة ما بعد الانتخابات النيابية، وبواقع العائلة السياسية في تلك المرحلة.
فلم يعد خافياً ان عائلة الحريري باتت تحتاج الى ما هو ابعد من اسم الرئيس الشهيد، ومن الدفاع عن قضيته، لا سيما كشف قتلته، لكي تثبت حضورها وديمومتها في الساحة السياسية، ولكي تستطيع جمع جمهورها حولها، والحيلولة دون انفراط عقده، لا سيما بعد ان صار مستحيلاً رفع شعار معرفة "الحقيقة"، وخاصة بعد ان انسحب من التداول مصطلح المحكمة الدولية، ولم يعد شعاراً وعنواناً جذاباً ومؤثراً.
ولكن السؤال الذي يحتاج الى اجابة، هل بالامكان ان يغير امر التحول من تيار الى حزب في واقع الامر المقيم شيئاً، واستطراداً هل سيغير هذا الامر من واقع ان التيار شاء ام ابى سيكون معبّراً عن جزء من طائفة معينة، مع بعض "المكملات" و"الديكورات" من هذه الطائفة او تلك!
الواضح ان الذي خاض تجربة "الاستفراد" المعلن بالحكم، يصعب عليه ان يعود ويقدم نفسه غير ذلك.
الانتقاد/ العدد 1343 ـ 24 نيسان/أبريل 2009