ارشيف من :أخبار عالمية

سباق المناورات بين "إسرائيل" وإيران: رسائل ورسائل مضادة

سباق المناورات بين "إسرائيل" وإيران: رسائل ورسائل مضادة
يحيى دبوق
يمثل إقدام الجيوش النظامية على تنفيذ مناورات عسكرية، استهدافا لمحاكاة مواجهة الأخطار والتهديدات المشخصة أمام دولها، اذ تتمكن في خلال هذه المناورات بشكل مهني، من فحص قدراتها وأساليبها وتكتيكاتها، قياسا بالسيناريوهات المختلفة الممكن ان تواجهها في أي معارك او حروب. وبشكل عام تمثل المناورات جزءاً من الاستعدادات المهنية العامة التي تجريها الجيوش للإبقاء على الجهوزية الممكنة.
في قراءة للمناورات الإسرائيلية المتواصلة منذ انتهاء حرب تموز عام 2006 مع حزب الله، والفشل الإسرائيلي المدوي فيها، وما تخلله من قصور في البنية والنظريات القتالية الإسرائيلية قبالة حزب الله، يجب الوقوف أمام حقيقتين أساسيتين تحكمان الفعل الإسرائيلي "المناوراتي" الذي يدأب عليه الجيش الإسرائيلي منذ آب 2006:
الأولى تتعلق بإعادة البناء من جديد للمنظومة القتالية الإسرائيلية، إن لجهة تدريب الجنود لمواجهة كل الاحتمالات والسيناريوهات الممكن تصورها، أو لمعالجة الإخفاقات والفشل الذي ظهر في الحرب الأخيرة مع حزب الله.. وبمعنى آخر تمكين الجيش الإسرائيلي من العودة مجددا الى صورة الجيش القوي القادر، كاستعداد طبيعي ومهني في ظل ما لحق به في الحرب.
والثانية تتعلق ـ بمناسبة الاستعدادات ـ بتمكين القيادة السياسية الإسرائيلية من توظيف الخطوات والإجراءات المهنية العسكرية (الاستعداد والجاهزية والتدريب)، في مسارات مختلفة لمواجهة التهديدات او لحث مسارات سياسية معنية، من بينها إعادة ترميم الردع قبالة الفلسطينيين وحزب الله وسوريا وإيران. وهذا ما يبرر إعلان "اسرائيل" عن جزء من مناوراتها القادرة في عنوانها العام على تحقيق هذا الهدف.
ولا تخلو المناورة التي سُميت بالكبيرة فوق المتوسط (اليونان)، التي قام بها سلاح الجو الإسرائيلي، من الاستهدافات المشار اليها سياسيا، أي تمكين المستوى السياسي الإسرائيلي ومن وراءه الأميركي والعروض الموضوعة على طاولة الإيرانيين لمقايضة الملف النووي الإيراني، من النجاح من خلال تخويف الإيرانيين بالضربة العسكرية الإسرائيلية، على الرغم من امكانية المجادلة في أصل إمكان "اسرائيل" من الإقدام عليها، سواء لجهة القدرة العملية نفسها او لاحتمالية نجاعتها.
بالطبع في المقلب الآخر يجب على الإيرانيين أيضا أن يردوا بنفس سياق ودرجة الرسائل الإسرائيلية، وهو ما جرى بالفعل في المناورات الأخيرة التي قام بها الحرس الثوري الإيراني، وإطلاقه خلالها مجموعة من الصواريخ بعيدة المدى. وكما هو الحال لدى الإسرائيليين الذين يعملون ليلا ونهارا لإيجاد خيار عسكري ممكن لضرب ايران، سواء منفردين او متحدين مع الأميركيين، فإن الإيرانيين يجهدون مهنيا لإيجاد خيارات عسكرية للرد او لردع الإسرائيليين والأميركيين على حد سواء. ولا يبعد ان تكون المناورة الأخيرة، وإن كانت فعلا مهنيا يتخللها تجارب تنفيذية لأسلحة وتقنيات جديدة، أن تكون في هذا السياق الهادف الى تحقيق الردع، وردا على المناورات الإسرائيلية الأخيرة بمعانيها التهديدية لإيران.
يرتفع منسوب الاهتمام بالمناورات الإسرائيلية والإيرانية الابتدائية منها والتي تأتي في سياقات رد الفعل، في هذا الظرف الحساس والأدق والأخطر، حيث كل الأنظار متجهة الى الأشهر المقبلة، قبل نهاية ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش، الذي ما زال يلوّح وإن بخجل أكثر من ذي قبل، بأن خيار الضربة العسكرية ما زال واردا.
كل من "اسرائيل" وإيران كجهتين موجودتين في حرب باردة، معنية بإظهار قدراتها للجهة الأخرى، وهذا هو أساس المناورات القائمة التي لن تكون الأخيرة بالطبع خلال الأشهر المقبلة، والتي تحمل خطورة غير مسبوقة، لأنها قد تكون المرحلة الأخيرة الزمنية التي يمكن لأعداء ايران ان يتحركوا فيها.. لكن في الوقت ذاته وبرغم كل الحراك العسكري في المنطقة، فإن عوامل أخرى مساعدة او كابحة، تبقى هي الأساس في تحديد إمكان او عدم إمكان توجيه ضربة لإيران في هذه المرحلة.. وما المناورات والمناورات المضادة سوى دليل على اشتداد الحافزية لردع الطرف الآخر، ما دامت المناورات علنية وغير سرية، وبالتالي تبقى تهديدا غير كلامي يرتقي درجة لأن له مضامين عملياتية أيضا.
الانتقاد/ العدد1281 ـ 15 تموز، يوليو 2008
2008-07-15