ارشيف من :آراء وتحليلات

شعار "التهميش المسيحي": ما له وما عليه

شعار "التهميش المسيحي": ما له وما عليه
كتبت ليلى نقولا الرحباني
حين رفع التيار الوطني الحر شعار "التهميش المسيحي"، قامت الدنيا ولم تقعد، وانطلقت الأبواق والألسن منتقدة تارة، وعاتبة تارة أخرى، ومؤيدة طوراً.. ولكل من المنتقدين والعاتبين والمرحبين او المؤيدين أسبابه ومنطلقاته، وذلك كما يلي:
أ ـ الموالاة: وتتباين مواقفها بحسب منطلقاتها واعتباراتها الانتخابية:
ـ مسيحيو الموالاة اعتبروا ان هذا الشعار يمثل مساً شخصياً بهم وبمراكزهم وشعبيتهم، وذلك لأن هذا الطرح يعكس حقيقة يحاول هؤلاء إخفاءها، وهي ان دخولهم في خط الموالاة والسير في "الحريرية السياسية" لم يجلب للمسيحيين الا مزيدا من الغبن والتهميش في السلطة والنظام والإدارات العامة، ومزيداً من الهجرة القسرية.
 ـ تيار المستقبل: كان من أبرز المسببين لهذا التهميش، ولم يحرجه رفع هذا الشعار، بل وجد فيه ما ينشده قادته، لأنهم رفعوا شعارات طائفية وتخويفية في الانتخابات النيابية السابقة، خاصة في معارك الشمال، ارتاحوا جداً لهذا الخطاب وراهنوا على استمراره لغاية الانتخابات النيابية المقبلة، بهدف استغلاله مذهبياً. لذا سعوا الى المماطلة والمراوحة وعدم إعطاء العماد عون وتكتل التغيير والاصلاح ـ كممثل حقيقي للمسيحيين ـ ما يطلبونه من وزارات، لئلا يفقدوا مادة انتخابية هامة، بعدما سقطت المواد الأخرى المستخدمة كـ"دماء الشهداء".. فقد تبين انها مجرد "استعراضات بكائية" لتحقيق مكاسب انتخابية.
ـ اللقاء الديمقراطي والوزير وليد جنبلاط، وهو أكثر المتضررين من هذا الخطاب، ومن التعاطف المسيحي الشعبي مع التيار الوطني الحر، ذلك لأن الصوت المسيحي له وزنه وفعاليته في دوائره الانتخابية. ونلاحظ أنه عند كل منعطف انتخابي يقوم جنبلاط برفع شعارات تدغدغ الحس المسيحي العام وترضي تطلعاته وطموحاته، ثم سرعان ما يتراجع ويتبدل الخطاب بعد انتهاء الانتخابات وإعلان نتائجها.
ب ـ بعض القوى العلمانية ممن رأوا في التيار الوطني الحر عاملاً مساعداً لهم ولحركتهم السياسية بسبب الحجم الشعبي الذي أثبته في الانتخابات، فخافوا ان يكون وراء هذا الطرح والشعار تراجع من قبل التيار "العلماني" عابر الطوائف والمناطق عن الشعارات السابقة التي رفعها، والتي كانت تشكل بالنسبة اليهم رافعة أساسية يمكن الاتكال عليها لمحاولة تغيير ما في هيكلية السلطة، او بالحد الأدنى رافعة أساسية للمجتمع المدني بما يسهل عملية التطوير والتغيير.
ج ـ بعض الأطراف الإسلامية الأصولية المتطرفة وجدت في هذا الشعار عاملاً مساعداً لها في حركتها الطائفية، فاعتبرت ان هذا الشعار يمكن الرد عليه بمزيد من التطرف والدعوة الى التعصب والأصولية، وتصوير المسيحيين بقيادة العماد ميشال عون قادمين لاقتناص الفرص وإعادة المارونية السياسية الى الحكم، ما يساعدها على المطالبة بتأسيس "الإمارة الوهابية"، وخاصة في الشمال.
د ـ أطراف المعارضة: وجدت في هذا الخطاب حقاً مكتسباً للمسيحيين لطالما تجاهلته الحكومات المتعاقبة. وانطلقت من مبدأ ان الشراكة الوطنية التي تطالب بها المعارضة لا يمكن ان تتحقق ما دام هناك طرف أساسي في الوطن يشعر بالتهميش، ويعتبر ان حقوقه منتقصة ومهدورة في النظام. لذلك وجدنا ان قوى المعارضة اتحدت وأكدت حق المسيحيين بأن يكون لممثليهم حقوقهم الكاملة في السلطة، ودعمت تكتل التغيير والإصلاح في المطالبة بحقوق الفئة الشعبية التي يمثلها.
وأياً تكن الاعتبارات التي انطلق منها التيار الوطني الحر والعماد ميشال عون، فإنه يبقى من المؤكد أنه استطاع ان يعيد الى المسيحيين جزءاً من الدور الذي فقدوه، وجزءاً من الحقوق التي أهدرتها لهم السلطات المتعاقبة منذ الطائف لغاية الآن. فالخبراء المطلعون يعتبرون ان العماد عون استطاع ان يمنح المسيحيين مكاسب حقيقية في السلطة، وذلك من خلال الفعل وردّ الفعل. ففي الفعل استطاع ان يحصّل لتكتل التغيير والإصلاح ـ الممثل الشعبي والفعلي للمسيحيين ـ خمس وزارات أساسية.. وفي ردّ الفعل استطاع ان يمنح رئاسة الجمهورية ـ ممثل المسيحيين في النظام ـ ثلاث وزارات أساسية أخرى.. كما حصّل وزارات أساسية أخرى للأقلية المسيحية بعدما أُعطيت هذه الوزارات في محاولة لتعويمها في وجه التيار الوطني الحر.
الانتقاد/ العدد1281 ـ 15 تموز، يوليو 2008
2008-07-15